مجلة البعث الأسبوعية

قبل أن يقول القضاء كلمته.. إشهار الحجز الاحتياطي بين سندان حفظ الحق العام ومطرقة التشهير

“البعث الأسبوعية” ــ المحرر الاقتصادي

على وقع التفاعل اللافت مع قرارات الحجز الاحتياطي، واتخاذها في أغلب الأوقات صبغة “قضية رأي عام”، لا بد من الوقوف على حيثية نعتقد أنها على غاية من الأهمية، فحواها أنه في حال طال الحجز الاحتياطي أحد المشتبه بهم، فهذا لا يعني أنه مدان بشكل نهائي، فالقضاء لم يقل كلمته بعد، والتي قد تثبت براءته، على عكس ما تسوقه بعض وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام أيضاً، ومسارعتها إلى تناول القضية من جوانبها كافة، والتفنن بسردها وتحليلها واستخلاص النتائج التي غالبا لا تجانب الحقيقة مما يسبب في تشويه سمعة الشخص المدان أو الشركة المدانة.

 

مأخذ

ولعل ما يؤخذ على قرارات الحجز الاحتياطي، هي منع المالك من التصرف بأمواله المنقولة وغير المنقولة رغم أنها تبقى بحوزته، وذلك على اعتبار أن ديون الدولة من الدرجة الممتازة، إلا أن هذا الدين لم يقرر بشكل نهائي وخاصة إذا أحيل للقضاء وكلمه الفصل في النهاية للقضاء. ويتساءل المكتوون بنار الحجز لماذا يطال الحجز “جميع” أموالهم وأصولهم ولا يحجز على القيمة الفعلية المطلوبة؟ فهناك الكثير ممن يستطيعون تسديد ما يترتب عليهم من ديون لصالح الجهة المطالبة. وعلى سبيل المثال، إذا كانت إحدى الشركات المحجوز عليها مطالبة بتسديد مبلغ 200 مليون ليرة سورية لإحدى الجهات العامة، وكان رأس مالها مليار ليرة سورية، يتم الحجز على كامل رأس المال دون الاقتصار على المبلغ المطلوب فقط، ويمنع المالك من المغادرة، رغم أن الحجز على المبلغ المطلوب يحفظ حق الجهة العامة، ويحد – بنفس الوقت – من التشهير والقدح بالمحجوز عليه، لا سيما أن القضاء لم يفصل نهائيا في القضية ومن المحتمل أن تنتهي القضية لصالحه ويتم تبرئته من قبل القضاء.

 

تداعيات

يقول المحامي صلاح الدين شريف: إن القاضي يقرر بالحجز على ما يكفي لوفاء الدين، ومأمور التنفيذ هو الذي يقدر قيمة المال عندما ينفذ الحجز، فإذا وجد الأخير أن المال يزيد عن المطلوب منه يتقدم بطلب إلى القاضي لقصر الحجز على قيمة المال المطلوب من المدين، مشيراً إلى أن بعض القضاة – وللأسف – قد لا ينتبهون لخطورة الحجز، وما ينجم عنه من تداعيات خطيرة جداً على مستقبل أعمال المدين، سواء كان تاجراً أم صناعيا أم غير ذلك، لذلك لابد أن يكون القضاة حذرين قبل أن يلقوا الحجز، ولا سيما أن التاجر أو أي رجل أعمال يهمه بالدرجة الأولى سمعته الجيدة.. وللأسف أُعطي لكل قاض حق إصدار الحجز الاحتياطي وليس من الضروري أن يكون الدين ثابتاً فيكفي أن يكون هناك (احتمال، ترجيح، وجود دين بذمته.. إلخ)، فهناك الكثير من القضاة يصدرون قرار حجز احتياطي دون التأكد من ثبوت الدين ووجود أدلة كافية على ذلك، ومن ثم يترك المجال للمدين للاعتراض على الحجز وهذا قد يأخذ سنوات طويلة.

 

تدبير احترازي

مصادر في وزارة المالية بينت أن الحجز على جميع الأموال هو تدبير احترازي ضماناً للمبالغ، وأحيانا يتم قصر الحجز من خلال تقديم طلب لوزير المالية ليبت في هذا الأمر، موضحة أن هناك تدبيراً مُقراً بقرار صادر عن وزير المالية مستند إلى قانون جباية الأموال العامة يمكن من خلاله قصر الحجز على مبلغ يغطي المبلغ المطالب به زائد 35% هامش احتياطي، وهذا من باب التخفيف، ولا سيما إذا كانت الذمة نهائية ومتحققة؛ أما إذا ورد في تقرير الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش أن هذا التقرير أولي وهناك تحقيقات مستقبلية أو مبالغ قد تصدر، عندها لا يمكن قصر الحجز، مشيرة إلى أن وزارة المالية موكلة بالحجز كأداة تنفيذ للأجهزة الرقابية إضافة للصلاحيات التي يمارسها الوزير فيما يتعلق بالضرائب والرسوم.

 

تكريس التهمة

تساهم بعض سائل الإعلام، ولا سيما الخاصة منها، بتكريس التهمة بحق المحجوز على أمواله، ما يؤدي إلى زعزعة الثقة بالمحجوز عليه من قبل عملائه، وحتى إن ثبتت براءته لاحقا فإن التهمة ستبقى ملاصقة له؛ وهذا بطبيعة الحال سيؤثر على أعماله ونشاطاته الاقتصادية، وبالتالي قد يؤثر على الاقتصاد الوطني من خلال الحد من دخول الاستثمارات العربية والأجنبية، حيث أن المستثمر يبحث دائما عن بيئة ملائمة تتمتع بقوانين وتشريعات تشجعه على المضي قدما في أعماله، ما يحتم وجود قانون يضبط عملية النشر ويوضح الغاية من نشر القرار في حال استوجب نشره دون التشهير بصاحب العلاقة، وتؤكد مصادر المالية أن القرار لا ينشر في الصحف العامة والخاصة من قبل الوزارة وإنما يعمم على جميع الجهات العامة وينشر في الجريدة الرسمية التي هي بالأساس متخصصة في نشر القوانين والمراسيم والقرارات، وهي لا تعمم على الشعب وإنما تعمم على الجهات العامة، أما نشر قرارات الحجز في الصحف فهو مجرد جهد من قبل الصحفيين.

 

تشهير

وبين شريف أن الهدف من نشر قرار الحجز في الصحف الرسمية يأتي ضمن سياق تعريف وتحذير الآخرين بأن هذا المال مخصص لوفاء دين فلان من الناس، ولكن للأسف يستخدم النشر وسيلة للتشهير بالناس. وأشار شريف إلى أن هناك طرقا أخرى غير النشر كأن يبلغ المدين شخصياً وأن يسجل القرار بالسجل المخصص، فالسيارة مثلاً لها سجل في وزارة النقل والباخرة لها سجل في المرفأ والعقار له سجل بالمصالح العقارية والتاجر له سجل تجاري.. إلخ.

 

إساءة غير مقصودة

أما الصناعي عبود يوسف أكد أن نشر قرار الحجز الاحتياطي قد يسيء من غير قصد إلى من تم عليه الحجز، وإذا كان القانون يسمح بالنشر فمن المفترض إعادة النظر طالما أنه احتياطي وليس حجز تنفيذي.

 

أخيراً

لا يختلف اثنان أن المال العام هو في النهاية مال الشعب، ويجب الحفاظ عليه كون المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة. ومن هذا المنطلق كان لا بد للجوء إلى الحجز الاحتياطي لضمان الحق العام، لكن ليس على حساب إلحاق الضرر بالآخرين؛ لذلك لابد من التوصل إلى صيغة توافقية يضبط من خلالها تطبيق القانون بشكل لا يغبن به أحد، ما يحتم بالتالي إعادة النظر في النصوص القانونية الناظمة لموضوع الحجز الاحتياطي بحيث تكون أكثر موضوعية وعدالة، وأن يكون لكل من الطرفين استخدام ذلك الحق (الجهة العامة والشخص الطبيعي أو الاعتباري) دون التمييز بينهما، وأن يكونا على مسافة واحدة من القانون، لأن قصر هذا الحق على الجهة العامة دون الجهة الخاصة بحجة المصلحة العامة يؤدي إلى إلحاق الضرر البالغ مادياً ومعنوياً للشخص الطبيعي أو الاعتباري، لاسيما أنه جزء من المصلحة العامة وإن أي ضرر يصيبه ينعكس على الاقتصاد بشكل عام.