مجلة البعث الأسبوعية

د. محمد الحوراني: ما الذي يمنع من العمل على فريق شبابي ثقافي.. والمكتبات الريفية كشفت حالة الشغف بالقراءة!!

“البعث الأسبوعية” ــ جُمان بركات

يحاول اتحاد الكتاب العرب بإدارته الجديدة النهوض بواقع الثقافة المقدمة عبر منبره، وتذليل العقبات بقدر ما يستطيع، وبدأ بالفعل بموجة جديدة من التفاؤل ولملمة الأوراق والتعالي على الجراح للنهوض نحو الأفضل من خلال دعم الشباب وإقامة نشاطات ومكتبات تحدث للمرة الأولى..

للتعرف على ما يقدمه الاتحاد في خطته الجديدة، كان لـ “البعث الأسبوعية” هذا اللقاء مع رئيس اتحاد الكتاب العرب، د. محمد الحوراني.

تحدث د. الحوراني، بداية، عن الخطة الثقافية موضحاً أن اتحاد الكتاب العرب صمم خلال الدورة الحالية على أن تكون هناك خطة مختلفة نوعاً ما، دون تجاوز الخطط السابقة، لأنه لا يمكن للإنسان أن يهدم كل ما سبقه، وإنما يؤسس على الصواب منه ويعمل لتحقيق الأفضل:

كان هدفنا الأساسي هو العمل مع من نختلف معه قبل العمل مع من نتفق معه، فمن جانب المطبوعات أو الدوريات هناك سعي حثيث على التغيير في الشكل، بمعنى أن الشكل التقليدي للمطبوعة، والذي ينفّر المتلقي، يمكن الابتعاد عنه لأننا نعلم جميعاً أن هناك عزوفاً عن القراءة – شئنا أم أبينا – وبالتالي يجب تقديم شيئ مختلف سواء من ناحية المادة أو الشكل أو المضمون، لذلك حاول الاتحاد العمل على تعديل الطريقة التي يخرج منها الكتاب.

ويضيف: لعل الأهم – باعتقادي – والذي يجعلنا أقرب للمتلقي، هو الذهاب باتجاه الشباب لا أن ننتظره للمجيء إلينا، فقمنا بزيارة معظم المحافظات، وكان هناك توافق مع رؤساء الفروع وأعضاء هيئات المكاتب الفرعية على أن يكون هناك تبنٍ للمواهب الشابة، وأن يعمل الاتحاد على طباعة ما لديه، وتبنينا عدة أعمال هي الآن في طريقها إلى الطباعة، فنحن نعلم نتيجة للظروف الحالية والاقتصادية أنه لا يمكن لطالب جامعة أو شاب مثقف تحمل عبء طباعة كتاب بتكلفته الباهظة. والحقيقة، هذا ما يجب أن تقوم به المؤسسات الثقافية.

وتابع د. الحوراني: أيضاً حاولنا في الفروع تقديم عمل مختلف، فمثلاً قمنا بتكريم كتّاب من أعضاء الاتحاد أو المثقفين الفاعلين في محافظاتهم من غير أعضاء الاتحاد، وكان هناك بعض الذين فقدناهم ورحلوا وتركوا بعض الأعمال فقام الاتحاد بتبنيها.. مثلاً، الشاعر مصطفى الخضر، من حمص، نعمل على طباعة نتاجه الذي خلفه؛ وهذا هو مجمل ما يؤسس له اتحاد الكتاب العرب؛ فضلاً عن المسابقات، خاصة الشبابية منها، التي أعلنا عنها على مستوى القطر والمحافظات جميعها.

 

فريق شبابي مثقف

ربما آلية التفكير التي اعتمدها اتحاد الكتاب غير مطروقة سابقاً، ولعل الأساس فيها هو التوجه نحو الشباب؟

عن هذه الخطوة، يقول الحوراني: حقيقة، نحن على قناعة مطلقة – إذا أردنا أن نعمل عملاً حقيقياً ومجتمعياً وتثقيفياً – أن علينا التوجه أولاً باتجاه الأطفال وثانياً الشباب، أما عن الجيل المتقدم في العمر فلا يمكننا تغيير شيء في تفكيره، وإنما الذي يمكن تغيير تفكيره ضمن ضوابط وأطر محددة هو الطفل والشاب. من هنا – يتابع الحوراني – أتت انطلاقة الاتحاد في هذا المشروع الشبابي، وعندما نعمل عليه فإننا نعمل على روح النظام الداخلي للاتحاد، ولكن المشكلة أن البعض يحاول الابتعاد عن هذه الروح مع العلم أن المادة الثالثة في النظام الداخلي للاتحاد تقول أن “أحد أهداف الاتحاد هي استكشاف المواهب الأدبية، وبشكل أساسي عند الناشئة”، لذلك رأينا في الفترة الأخيرة هجرة من قبل الشباب الذين لديهم شغف بالأدب والثقافة والمسرح والشعر باتجاه الخارج، لأنه لا يوجد في الداخل مؤسسات تقوم على رعايتهم وتنشئتهم والاهتمام بهم.. مثلاً، هناك جهود للعمل على فريق ديني شبابي، وبالمقابل ما الذي يمنع المؤسسات الثقافية من العمل على فريق ثقافي شبابي، والمشرف على هذا الفعل هو اتحاد الكتاب أو وزارة الثقافة؟ في الواقع، عند وجود هذا الفعل يمكننا التحدث عن شباب أصيل ووطني ومنتم، وحينها يمكن القول أننا أسسنا لثقافة حقيقية تليق ببلدنا.

 

المكتبات الريفية

في الفترة الأخيرة.. افتتح الاتحاد عدداً من المكتبات الريفية وكانت خطوة تحسب له في التشجيع على نشر الثقافة في المناطق النائية؟!

عن ذلك قال د. الحوراني: ربما يكون موضوع المكتبة الريفية مختلفا عن موضوع الشباب، ولكن في النهاية يوجد تقاطع.. المكتبات الريفية هي جانب مهم وفي صميم عمل الاتحاد، فنحن نعلم أن هناك عزوفاً عن القراءة على المستوى العالمي نتيجة التقدم التكنولوجي ووسائل التواصل، ولكن هل أصبح هناك كراهية للفعل الثقافي أو كراهية للكتاب؟ أنا شخصياً لا أعتقد هذا، ونحن انطلاقاً من ذلك قمنا بالعديد من الفعاليات، وعندما ذهبنا باتجاه تأسيس المكتبات الريفية فإن السبب الأساسي أنه كان هناك خلال سنوات الحرب خطة لانتزاع الأطراف التي ابتعدت عنها مؤسسات الدولة، وتم إهمالها بشكل أو بآخر، وبالتالي كان هناك قصور بشكل كبير، وأصبحت بعض هذه المناطق سهلة التناول من قبل الآخر.

الآن فكرنا بإقامة مثل هذه الفعاليات لأن من واجب المؤسسات الثقافية أن توجد الكتاب، وتؤسس مثل هذا المكان، وتحرض على الفعل الثقافي والكتابة والقراءة والنقاش، فذهبنا باتجاه الأرياف النائية وبعض المناطق؛ والمفاجأة كانت أن هناك تعطشاً كبيراً في تلك المناطق للقراءة والثقافة، ولكن ربما العامل الاقتصادي هو المانع في اقتناء الكتاب.. مثلاً، عندما ذهبنا إلى منطقة في ريف السويداء، قام أهالي القرية بالتعاون فيما بينهم لجمع المبالغ المالية من أجل تهيئة المكان ووضع الكتب فيه، فنحن إذاً أمام شعب قارئ يتطلع لمزيد من الثقافة والمعرفة، وفي الوقت ذاته عندما يأتي هؤلاء يطلبون كتباً عن الأطفال فهذا يعني وجود وعي متقدم لأنهم لم يقولوا أنهم بحاجة لكتب سياسية أو اقتصادية، بل طلبوا كتباً لتربية الأطفال والناشئة لتعليمهم كيف يمكن لهذا الطفل أن يكون متمسكاً ببلده وحريصاً على البقاء فيه. وعندما ذهبنا إلى المناطق النائية في حلب وطرطوس والقنيطرة وريف دمشق، كان هناك شغف لعودة الحدث الثقافي، وأن يكون فاعلاً في تلك المناطق، بالإضافة إلى الندوات والمناقشات والحدث الثقافي التفاعلي والتشاركي هو الأهم.

 

المعوقات

وعن معوقات تأسيس وعمل المكتبة الريفية، يقول رئيس الاتحاد: يمكن القول أن هناك بعض الصعوبات في العمل وأهمها الاقتصادية، والروتين القاتل، بمعنى أننا عندما أردنا إقامة مكتبة ريفية في مدرسة ما أو مستوصف ما، تكون إجابة القائم على المكان: “نريد موافقة أمنية للجهة التابع لها”.. حقيقة، هذا ما يجب الابتعاد عنه، ونحن كاتحاد كتاب أو وزارة الثقافة لا يمكننا طباعة كتاب دون أن يكون حائزاً على جميع الموافقات المطلوبة؛ وبالتالي يجب أن يكون هناك نوع من التسهيل، وعندما يذهب الاتحاد بالكتب إلى المحافظات أو تلك المناطق النائية فهو لا يريد مساعدة مادية من أحد.. هو يريد فقط تهيئة المكان، وهو قادر على التكفل بباقي الأمور. وأنا بدوري أطلب من جميع الوزارات تقديم التسهيلات لإقامة هكذا فعاليات ومكتبات ريفية. وفي الواقع، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخيف الثقافة أي مجتمع أو دولة أو نظام سياسي، فهي عامل اطمئنان للمجتمع.. الذي يخيف هو الجهل الذي يعشعش، والفساد، والإرهاب والقتل في الفكر.

 

التبرع بالكتاب

ربما كان عدد العناوين متقارباً في المكتبات الريفية ولكن لا بد أن تكون مختلفة في مناطق مختلفة!؟

عن ذلك تحدث د. الحوراني: نوعية الكتب التي تذهب لمنطقة فيها تجمع طلبة جامعات يمكن الاستعانة والاستفادة منها في دراستهم تكون مختلفة عن منطقة أخرى، وهناك معايير دقيقة يجب أخذها بعين الاعتبار عند إرسال الكتب إلى الأرياف، وربما هناك جانب مهم أود التحدث عنه لأول مرة، وهو تلك المساهمات من قبل الكتاب في التبرع لهذه المكتبات؛ وقد خلقت المكتبات الريفية حركة تفاعلية من خلال التبرع ببعض الكتب لبعض المكاتب.. ولن تنتهي الخطة هنا، وإنما سيكون في الفترة المقبلة استعادة لمعارض الكتب في الجامعات والأرياف، والخطوة الجديدة هي العمل على إطلاق معرض الكتاب المتنقل بالتعاون مع مؤسسة توزيع المطبوعات، وتعمل آلية هذا المعرض على تقديم المؤسسة حافلة جوالة – والاتحاد يقدم الكتب – والذهاب بها إلى بعض الأرياف النائية، وتقديم بعض الكتب كهدية وأخرى للبيع.

 

ندوات تفاعلية

والتعاون مع المؤسسات الأخرى لنشر الثقافة؟

يجيب: هناك علاقة تكاملية ما بين اتحاد الكتاب العرب ووزارة الثقافة فيما يتعلق ببعض العناوين والندوات، وهناك تعاون مع وزارة التعليم العالي والتربية ووزارة الإعلام ومع بعض الاتحادات والنقابات، وهناك مسابقات والكثير من الفعاليات التي يقيمها الاتحاد بالتعاون معهم، وهناك سعي في الفترة المقبلة على أن يكون هناك ندوات مشتركة وتفاعلية ما بين اتحاد الكتاب العرب والاتحاد الوطني لطلبة سورية، وأساس العمل يجب أن يكون مع الشباب وطلاب الجامعة. وقبل فترة قصيرة، تم الاتفاق مع مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون على أن يكون هناك برنامج ثقافي شهري يُحدث حالة من الحوار التفاعلي بين بعض القامات الثقافية وفريق من المهتمين بالفعل الثقافي من الشباب، وهذا بالتأكيد يحقق شيئاً من العلاقة الصحية ما بين الكاتب والمتلقي.