مجلة البعث الأسبوعية

إلى متى ستعيش رياضتنا على الأوهام؟ التخبط يسيطر على الأجواء والحلول غائبة!!

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

جاء تأجيل الدوري الكروي الممتاز بسبب جائحة كورونا (كما أعلن اتحاد كرة القدم) بمنزلة طوق نجاة للأندية المتعثرة التي يتزايد عددها أسبوعاً بعد أسبوع، لأسباب عديدة منها مالية وأغلبها إدارية، وانضم نادي الكرامة هذا الأسبوع إلى قائمة الأندية المتعثرة بعد استقالة رئيس النادي وعضوين من أعضاء مجلس الإدارة.

هذا التوقف جاء مبشراً للأندية التي تعيش دوامة كبيرة من مشاكل مختلفة، وهو نعمة للعديد من المدربين الذي صاروا على أبواب الإقالة أو الاستقالة. والحقيقة أن التوقيف جاء بوقته بعيداً عن مبررات التوقيف، وإن كان كورونا حقيقة بالوقت نفسه، ويجب التعامل مع هذا الوباء بمنتهى الجدية، ويمكننا التعليق على ما حدث أنه جاء برمية من غير رام.

وحسناً إن كان هذا التوقف سيساهم بحل بعض المشاكل على الصعيد الإداري أو الفني لتصل الفرق إلى الجاهزية المطلوبة، ولتدارك كل تقصير حصل في المراحل السابقة من الدوري.

وفي الحديث عن القضايا المتعثرة، فما زالت مشكلة نادي عفرين قائمة على ما هي عليه، كذلك فشلت انتخابات إدارة نادي الحرية التي كان مقرراً موعدها نهاية الأسبوع الماضي وانتهت إلى التعيين، لتنهي قضية الصراع على النادي بين شلله المختلفة التي تهتم بتقويض العمل أكثر من اهتمامها بالنادي نفسه؛ أما نادي الوحدة، فيبدو أن مشكلته مستعصية على الحل، لذلك لم نسمع أي أخبار حول القرار الذي سيتخذ بشأن الإدارة التي يقودها رئيس النادي ومعه عضوان وبعض التابعين.. والأمور ما زالت مميعة وعائمة.

واتسعت دائرة المشاكل في الأجواء الرياضية، وباتت أكثر من أن تحصى، وصار من الصعب ردم الهوة فيها أو حلها، والسبب أن الرياضة الاحترافية يقودها هواة، أو لنقل إن رياضتنا تطوعية، والتطوع لا يمكنه أن يلبي طموح البطولة والتطور.

والمشكلة الحقيقية أن القائمين على الرياضة لم يستوعبوا حتى الآن معنى التطور والآليات التي يجب أن تتبع لتحقيق التطور، ولم يستوعبوا أن الإدارات التطوعية – سواء بالأندية أو الاتحادات أو اللجان العليا أو الصغرى – ليست حلاً، ولا يمكنها أن تطور العمل الرياضي، ونتساءل: كيف لعضو مجلس إدارة ناد ما يعمل بالمجان، ولديه لاعبون يقبضون بمئات الملايين؟ أليست هذه مفارقة عجيبة؟

التطور الرياضي بحاجة إلى محترفين وخبراء أكاديميين في كل المراكز الإدارية والتنظيمية والقانونية والمالية والإعلانية والتسويقية؛ ولأن القائمين على العمل ليسوا اختصاصيين فإننا نرى هذا الفشل بالقيادة والعمل بشكل عام.

والغريب أن رئيس النادي في كل ناد هو المهيمن على القرار، ولو كان من غير اختصاصه سواء كان مالياً أو قانونياً أو تسويقياً، لذلك تنامت أخطاء الأندية في كل الاتجاهات، وغرقت في مشاكل لم تكن لتحدث لو أن القرار بيد أصحاب الاختصاص.

المطلوب اليوم، عاجلاً وليس آجلاً، إجراء نقلة نوعية بالقوانين الرياضية لتحاكي التطور الرياضي المفترض ليس في دول العالم البعيد، إنما في دول الجوار؛ ونحن – للأسف – نعيش دوامة من العشوائية والارتجال دون أي تخطيط أو فكر مثقف يعمل من أجل النهوض بالرياضة، فما زلنا نتكل على طفرة، من هنا ومن هناك، لنقول إن لدينا رياضة، وليقول البعض إن رياضتنا بخير.

 

هروب الداعمين

مفاجآت الأسبوع الماضي كانت كثيرة على محور الدعم المالي، فأحد أبرز داعمي نادي الوحدة – الذي وعد بدفع مليار ليرة للنادي – انسحب من وعده ودعمه مدعياً أن وضع النادي غير سليم وهناك خلافات واختلافات ومشاكل.. تبعه أحد داعمي نادي عفرين، ففعل الشيء نفسه ولو كان دعمه أقل بكثير من داعم الوحدة؛ والمفاجأة كانت باستقالة رئيس نادي الكرامة وعضوين من الإدارة هم من الداعمين الرئيسيين، ومبرر الاستقالة وجود هؤلاء الأعضاء بدمشق وعدم تفرغهم للنادي، مع العلم أنهم موجودون في دمشق منذ توليهم أمور النادي.. فماذا حدث؟

الموضوع بحاجة إلى تفسيرات منطقية، فهروب الداعمين من الرياضة يعتبر مؤشرا خطيرا؛ وفي طليعة الأسباب التي تؤدي إلى ذلك طريقة التعامل مع هؤلاء، والفكر الذي على أساسه تنتهج الرياضة طريقها.

في مثال نادي الوحدة، نجد أن التخبط في النادي هو سبب مباشر في هروب الداعم، ومن يقول إن المستثمر كان ينوي استثمار شيء في النادي ولم يصل إليه، فإنه أمر طبيعي لأن الداعم لا يدفع دون فائدة، وهذا أمر متعارف عليه، وهذا ليس عيباً أو خطأ ما دامت الفائدة ضمن القوانين والأنظمة، فمن حق أي داعم أن ينال استثماراً – وفق ما ذكرنا – ليعوض الهبات التي يدفعها للنادي!!

وفي عفرين، التخبط الإداري وسوء النتائج والملاحظات على عمل الإدارة جعل الداعم ينسحب، وهنا نتأكد أن سوء الإدارة، وعدم التعامل مع كل المسائل المالية والفنية والإدارية والتنظيمية والاستثمارية بخبرة وكفاءة، يصلان بالنادي إلى مثل هذه المواقف التي يخسر بسببها داعميه وكل محبيه.

أما ما يخص الكرامة، فإن الأسباب الحقيقية لاستقالة رئيس النادي وعضوين من الإدارة ما زالت مجهولة، وإن تم التنويه عنها قبل حوالي عشرين يوماً، ثم نامت القضية، وتبعها اعتذار عن البطولة العربية بكرة السلة وغيرها من الأمور، لتدلل على أن الأمور في نادي الكرامة يشوبها شيء ما.. لكنه طي الكتمان.

 

حل غائب

بغض النظر عن صحة هذه التحليلات وصوابها، نجد أن الرياضة بكل مؤسساتها لا يجب أن تعتمد في وجودها على الداعمين والمحبين، فقد يكونون جزءاً من مشروع رياضي لكن لا يجب أن يكونوا كل المشروع، فأنديتنا يجب أن تقوم على أسس ثابتة من الموارد المالية ومن الكفاءات والخبرات، وهم الأساس في المشروع الرياضي، ومن الممكن أن يكون للداعم نصيب منها، بحيث إذا انسحب فجأة لا يتأثر المشروع الرياضي بانسحابه؛. والمثال الحي، ما حدث بناديي حطين أولاً، وجبلة بعده، فلو كان هناك موارد جيدة للناديين ما كانا ليتأثرا بغياب الدعم. وننظر بقلق إلى بعض الأندية الفارغة من أي مورد ثابت، كالفتوة واليقظة، فعندما يرفع الداعمون أيديهم عن الناديين فلنا أن نتصور حجم الكارثة التي ستلحق بهما.

فما الحل؟ وهل ستبقى منظمة الاتحاد الرياضي العام تقف موقف المتفرج من هذا الحال غير المتوازن؟

 

المعادلة المعكوسة

“الرياضة تحيا بأبطالها”، هذا هو الشعار المطبق في رياضتنا، بينما عند الآخرين تصنع الرياضة الأبطال. وعلى سبيل المثال، فإن البطل وائل السعيد حقق لرياضة الكيك بوكسينغ البطولات والميداليات الذهبية في أغلب المحافل الآسيوية والعربية التي شارك بها، ووجدنا أن اتحاد اللعبة يتغنى بهذا الإنجاز وكأنه صانعه!! وعندما سألنا السعيد عن اتحاده ودوره في هذه البطولات، قال: اتحاد اللعبة لم يقدم لنا شيئاً، وعلى العكس يعيق أمورنا الرياضية!!

إنجاز معن أسعد لم يحيي اتحاد رفع الأثقال فقط، بل أحيا الرياضة كلها وبات الجميع يتغنون بهذا الإنجاز وكأنهم هم من رفع وعرق وصنع، وهم بهذا الفخر يدركون أن مثل هذه الميدالية ستكون بمنزلة البراءة من أي تقصير لهم. والغريب أن من ساهم بصناعة الإنجاز – هذا – كان غائباً، لأنه خارج اتحاد اللعبة، فتبناه اتحاد رفع الأثقال الجديد، وهو ليس له علاقة بالإنجاز، لا من قريب ولا من بعيد!!

الفكرة من الموضوع أن رياضتنا تعيش على الطفرات من أمثال أبطالنا الحقيقيين الذين يصنعون المجد لبلدهم، بينما تحرص اتحاداتنا الرياضية على التغني بإنجازات وهمية تتحقق في بطولات وهمية، لا قيمة لها على الصعيد الرياضي الآسيوي والعربي، وهذه إحدى المصائب الكبرى في الرياضة لأن همّ القائمين على الرياضة البقاء في مناصبهم أطول فترة ممكنة وعلى حساب القيم الرياضية وأبطالها ونجومها.

المهم في الأمر صناعة البطل الصغير وتحقيق الفائدة الفنية وكسب الخبرة والاحتكاك مع المدارس الرياضية الأقوى والأفضل؛ وبعدها يأتي الحصاد، وخصوصاً أننا نتكلم عن الفئات العمرية الصغيرة، لكن – للأسف – فإن عقليتنا الرياضية قاصرة عن استيعاب هذه المفاهيم.

 

دوري فاشل

في ذات السياق، ينطلق الأسبوع القادم دوري الدرجة الأولى لكرة القدم في أربع مجموعات بمشاركة 24 فريقاً.. خبراء اللعبة يعتقدون أن هذا الدوري فاشل لأنه غير مكتمل الأركان، ولا يمكنه تحقيق الغاية المرجوة منه.

الدوري ينطلق في الخامس من شهر تشرين الأول، وتنتهي مرحلة الذهاب في الخامس من الشهر الذي يليه، أي أن مدة الدوري شهر في الذهاب، ومثله في الإياب، وبعدها تغلق الأندية أبوابها لمدة عشرة أشهر؛ فالدوري هذا موسمي بكل شيء، وصار أشبه بشكله الحالي بدوري الأحياء الشعبية الذي يقام في المناسبات؛ ولم يحدث أن دورياً يعتمد على أيام معدودة هو دوري صحيح وقادر على التطور والتقدم، ولم نسمع بمثل هذا الشكل والأسلوب في أي بلد آخر ولو كان من البلدان النامية كروياً.

في عرف كرة القدم، فإن الاستمرار هو عنوان التطور، والفريق لكي يحقق الغاية منه يجب أن يلعب في الموسم الواحد خمسين مباراة على الأقل، فكيف بفريق لا يلعب أكثر من عشر مباريات فقط؟!

الخطأ الكبير أن اتحاد كرة القدم حشر في هذه الدرجة وهذا الدوري 24 فريقاً، وأغلب هذه الفرق لا يملك الموارد أو اللاعبين، وليس لديه القدرة على متابعة دوري كامل، لذلك فإننا نعتقد أن هذا الدوري بشكله الحالي عالة على الأندية وعلى كرة القدم السورية.

ولأن هذا الدوري في العرف العام هو دوري رديف للممتاز فمن المفترض أن يكون مشابهاً له بعدده وشكله وأسلوبه؛ لذلك عندما يصعد الفريق من الدرجة الأولى إلى الممتازة يجد نفسه غريباً ولا يلبث أن يعود أدراجه من حيث أتى.

دوماً.. الحلول موجودة، لكن الرغبة في التنفيذ غير موجودة!! ومع انعدام الفوائد والغاية من هذا الدوري، يبقى المقترح أن يتم تقليص عدد الفرق في هذا الدوري إلى النصف على الأقل بشرط أن يكون المشاركون فيه قادرون على تحمل تكاليف الدوري والاستمرار به.. حتى النهاية.