ثقافةصحيفة البعث

التجربة الوطنية السورية في الترجمة

أحد مقاييس نهضة الأمم وتطورها مقدار ما تترجم من علوم وآداب، فالترجمة ليست لبنة من لبنات بنيان الأمة، بل أساس لعمرانها. وعلى أهميتها استحقت الترجمة أن يكون لها يوم يُحتفى فيه بها، فكان اليوم العالمي للترجمة في الثلاثين من أيلول من كل عام، وبمناسبة هذا اليوم، أقامت وزارة الثقافة احتفالاً في مكتبة الأسد بدمشق تحت عنوان “التجربة الوطنية السورية في الترجمة”.

الوصفة السحرية

الترجمة ليست مهنة وأسمى من أن تكون مهنة، هي شغف ورسالة تبني جسوراً بين الثقافات وتساعد على استيراد المعرفة، وفي تصريحها قالت وزيرة الثقافة د. لبانة مشوح في اليوم العالمي للترجمة:

الترجمة دائماً تكون في اتجاهين وبين فكرين وحضارتين وثقافتين على الأقل، فإما أن نترجم “من” أو نترجم “إلى”، أما الترجمة “من” فهي شائعة لدينا لأننا شعب مازلنا نستورد المعرفة ولا نصدرها للأسف، قد نستطيع تصدير الأدب والمسرح والشعر ولكن اليوم لدينا أولويات كبيرة هي نقل المعارف الفكرية بلغة علمية لتطوير الفكر والجانب الثقافي للمواطن العربي، وهذه الندوة التي تحتفي باليوم العالمي للترجمة وتعرض أعمال ما يصدر عن دور النشر والجهات المعنية، والمشكلات والعقبات، وتحاول أن تنهض لتطوير آفاق مستقبل الترجمة.

وأضافت عن التطور الذي تخضع له الترجمة: هناك نظريات ظهرت في الترجمة، وعلم الترجمة أصبح علماً قائماً بذاته، وهناك بحوث ومدارس ولكن لا أحد يملك الوصفة السحرية للترجمة، ولكل نوع من الكتب والنصوص طبيعته وأسلوبه، وتختلف أدوات المترجم، وكل نص له خصوصيته وله الأسس التي يراعيها المترجم في أصول الترجمة، وهناك ما استجد على الترجمة هي ظهور الآلية منها، وأنا مازلت متحفظة على هذا النوع من الترجمة، لكنني أرى أن التطور التقني العالمي والمعاجم التي نجدها على هواتفنا هي أكبر مساعد وداعم للمترجم، وبالتالي الاستفادة ليس في ترجمة النص وإنما في الحصول على مكونات مساعدة داعمة لعملية الترجمة.

رسالة تعزيز

وفي كلمة المترجمين قالت د. زبيدة القاضي: من دمشق نؤكد على دور المترجم الحضاري في نقل الخير والعدالة والجمال التي قدمتها هذه البلاد للعالم. والترجمة بوصفها نشاطاً إبداعياً، أي أحد مقومات الحياة الإنسانية، لن تتحقق إلا في جو من السلام والاستقرار والرخاء، وهذا صعب في الوضع الراهن، صعب لتعقد موضوع الإبداع وتشابك خيوطه مع العوامل المرتبطة به سياسياً واقتصادياً وثقافياً، لذا فنحن المترجمين السوريين ندعوكم اليوم في اليوم العالمي للترجمة للوقوف إلى جانب سورية في مواجهة العدوان الإرهابي الدولي على بلدنا، ولرفع العقوبات غير القانونية وغير الأخلاقية التي تستهدف شعبنا والتي أثرت وتؤثر في الحياة اليومية كما الحياة الثقافية ونشاط الترجمة في البلد، عندها فقط يمكن للمترجم السوري أن يتابع رسالته في تعزيز الحوار بين الثقافات ونشر قيم الجمال والسلام.

المشروع الوطني للترجمة

وتحدث د. ثائر زين الدين عن دور وزارة الثقافة في الترجمة، ورأى أن اللغات هي أبواب ثقافات الأمم، والترجمة هي مفاتيحها، وأن الشعوب في مراحل نهوضها تترجم معارف الأمم وعلومها وآدابها، وتجعلها أساساً للبناء عليه وتقديم إضافاتها الخاصة، دور الهيئة العامة السورية للكتاب في إطلاق المشروع الوطني للترجمة، هي خطة طموحة يُؤمل من خلالها أن تكون حجر الأساس في نهضة قادمة تذكرنا بدار الحكمة زمن المأمون.

وقدّم د. زين الدين بضعة توصيات تمثلت بالتالي:

  • العمل في مطلع العام القادم على استصدار قرار لرفع تعرفة الترجمة بما يلاقي الغلاء الهائل.
  • العمل على حلّ إشكال دور النشر الأجنبية بوضع آليات قانونية معينة لشراء الحقوق بصورة نظامية.
  • ضرورة نهوض دور النشر الخاصة واتحاد الكتّاب العرب والجامعات بدورها في إغناء المشروع الوطني للترجمة.
  • ضرورة التوثيق الدقيق في مسألة الترجمة.

مقدمة المترجم

قد يكون هذا الباب جديداً في القراءة النقدية للترجمة الذي جاء بعنوان “مقدمة الترجمة: عتبة إغواء ودليل عمل، قراءة في مقدمات ترجمات إلى العربية صادرة في سورية”، وأكد د. وائل بركات من خلالها على ضرورة إثبات مقدمة للترجمة تيسر للقارئ فهم الترجمة، لتكون المقدمة مرآة كاشفة تبيّن -إلى حدّ معقول- مدى استيعاب المترجم لنصه ووضوحه أمام ناظريه، وذكر عدة أمثلة من إصدارات الهيئة العامة السورية للكتاب، وانتهى إلى ملاحظة أهمية مقدمة المترجم ودورها في أداء عدة أدوار أبرزها:

1-إلقاء الضوء على العمل الجديد، والإضافة التي يقدمها، وأهميته بالنسبة إلى القارئ العربي.

2-التعريف بالكاتب وبالكتاب وبأهميته، والإلماع إلى أفكاره البارزة.

3-الحديث عن مميزات الكتاب في مجاله.

4-تبيان منهج الكاتب المتبع في الكتاب.

5-شرح آلية عمل المترجم أثناء قيامه بعمله.

6-توضيح المصطلحات والمفهومات والأفكار الجديدة.

7-التعديلات التي يدخلها على بعض التسميات والأوصاف.

8-شرح الصعوبات التي اعترضت العمل من المصطلحات إلى اختلاف الثقافات والأفكار والبيئات الاجتماعية.

9-أن تكون المقدمة مدخلاً جاذباً للقراءة والتعرف على الجديد.

رياض الترجمة

تناول د. جهاد بكفلوني حركة الترجمة في اتحاد الكتّاب العرب وقدم مداخلة بعنوان “زهرات اتحادية من رياض الترجمة” حيث قال: هي حركة مقبولة قياساً بالظروف الصعبة التي نمرّ بها، فإذا أخذنا بعين الاعتبار عناوين الكتب التي ترجمت من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية خلال مسيرة الاتحاد التي تزيد عن خمسين عاماً، هذا العدد ننظر إليه على أنه متواضع لأنه لا يزيد على مئة عنوان، بمعنى أننا ننتج كل عام عنوانين وهذا كمّ متواضع إلى أبعد الحدود، لدينا مجلة فصلية اسمها “آداب عالمية” وهي تُعنى بترجمة النصوص في الأدب والمسرح وبعض الموضوعات العلمية، لدينا جمعية للترجمة نحاول أن ننهض بالمنتسبين لها ومعاملتهم معاملة الكتّاب، وهذا هو الواقع الذي يبقى مقبولاً قياساً إلى الظروف الصعبة التي تجتازها سورية وأملنا مشروع ومتاح بأن ننهض من كبوتنا، لأن الجواد الأصيل يستطيع أن يسترد أنفاسه مهما عدا في المضمار، وسورية أرض ولود أرض الحضارة البكر وشعبها قادر على تضميد جراح النكبة، وأن نسترد العافية.

واقع الترجمة

من جانبه، تناول حسام الدين خضور واقع الترجمة الراهن، وتحت عنوان “الترجمة في سورية، واقع وآفاق” قال: لا يوجد قانون ينظم مهنة الترجمة ويحمي العاملين فيها، باستثناء الترجمة المحلفة، مشيراً إلى أن البعد القانوني في جمعية الترجمة في اتحاد الكتّاب العرب ليس له في الواقع قوة قانونية، ورأى في ذلك ظلماً للمترجم، إذ لا يوجد قانون يحمي حقوقه في سوق العمل، ذلك أن تعرفة الترجمة في اتحاد الكتّاب ذات طابع غرائبي، على حدّ تعبيره.

وهناك آفاق لمهنة الترجمة الإبداعية من خلال إنشاء مركز وطني للترجمة على غرار المركز القومي للترجمة في جمهورية مصر الشقيقة، وإنشاء كيان نقابي للترجمة على غرار الكيانات النقابية للترجمة في العالم، وأن تُعنى الجامعات الوطنية بتوفير الموارد البشرية للترجمة في اللغات الصينية واليابانية والكورية وغيرها من اللغات الحية العريقة، وأخيراً، إنشاء مكتب أو هيئة تحرير في الهيئة العامة السورية للكتاب، وفي كل دار نشر تراجع الكتاب قبل طباعته.

علاء العطار- جمان بركات