ثقافةصحيفة البعث

“الرحلة 17” هل يؤسس لسينما أكثر واقعية؟

منذ أن قدّم المخرج نجدت أنزور فيلم “رد القضاء” عن حامية سجن حلب المركزي فترة الحصار الذي فرضته عليها العصابات المسلحة، لم تبهرنا السينما السورية بفيلم روائي يسجّل مآثر حرب السنوات الماضية، رغم أنها تستحق التوثيق لتخلد في التاريخ وتتذكرها الأجيال، كما أبهرنا فيلم “الرحلة 17” الذي يعرض جماهيرياً في عدد من المحافظات.

هذا الفيلم الذي يمكن القول عنه إنه واحد من الأفلام السورية القليلة جداً التي حرصت على تحطيم التقاليد الجامدة، تأليفاً وإخراجاً، وأطرت السينما المحلية ضمن رؤى انطباعية أو واقعية سحرية تنافس على فلسفتها والاشتغال عليها سينمائيون كثر جعلوا منها حالة نخبوية ضيّقة الأفق.

على مدى 60 دقيقة يعيدنا المخرج علي إسماعيل الماغوط وكاتب السيناريو حسن مصطفى إلى أحداث عام ٢٠١٣ فترة تعرّض الفرقة 17 المتمركزة في محافظة الرقة لحصار مطبق فرضته عليها عصابات داعش الإرهابية ليرصد لنا -في محاكاة واقعية- المشاعر والانفعالات الإنسانية التي مرّ بها ضباط وعناصر هذه الفرقة، وموقف سكان المنطقة منهم بشيء من الدقة والموضوعية البعيدة عن الانزياحات التأويلية والفذلكات الإخراجية، فقد جعل الماغوط على فيلمه شهوداً تتابع سير الشريط السينمائي خطوة بخطوة، وتتوقف بين الفترة والأخرى لشرح وتحليل الحالة أو الموقف الذي يتعرض له عناصر من كتيبة الحرب الإلكترونية أثناء الحصار وبعد خروجهم بمساعدة أبو أحمد ابن محافظة الرقة، فقد حضر المقدّم شادي أحمد الذي جسّد شخصيته الفنان كرم شعراني، وكذلك المقدم محمد حمود وهم من أبطال القصة الحقيقية حضرا في الفيلم كرواة وشهود على واقعية وصدق ما يقدم للمشاهد.

بنى الماغوط شريطه السينمائي على خطين يكمل أحدهما الآخر، شريط تسجيلي يقدم الوثيقة والمعلومة ليتممه الشريط السينمائي بصورة وانفعالات ومؤثرات صوتية تحقق التشويق والإثارة الكفيلتين بشدّ المتلقي ونقله إلى أجواء الحدث متأثراً ومتفاعلاً إيجابياً مع أحداث تستحق الإضاءة عليها باستمرار كجزء من تاريخ سورية المعاصر.

“الرحلة 17” شريط سينمائي يستحق البناء عليه للتأسيس لسينما سورية أكثر قدرة وفاعلية في المشاركة بتدوين تاريخ سورية المعاصرة بأمانة وموضوعية، ونقلها من حالتها الفردية النخبوية إلى مرحلة الصناعة التفاعلية والتشاركية الجماهيرية.

كتجربة إخراجية أولى له استطاع الماغوط إثبات مقدرته وحرفيته في إدارة دفة الكاميرا واختيار نوعية اللقطة القادرة على نقل الحالة الانفعالية، وإحداث التأثير الانفعالي في المتلقي، واختيار الموقع الذي يحاكي فيه الواقع بدقة متناهية.

ستون دقيقة من الصور المتتابعة والأحداث المكثفة التي لم تشعرنا بالملل، وإنما وضعتنا في حالة متابعة وترقب وتشويق متواصل لاكتشاف تفاصيل أحداث سمعنا عنها، لكننا لم نعايش حالات من مرّ بها عن قرب، كما كان للفيلم فضل في ذلك.

آصف إبراهيم