رأيصحيفة البعث

مصلحة سورية أولويّة

سنان حسن

يتداول السوريون اليوم الكثير من الأخبار عن عودة سفارات بعض الدول العربية والغربية لافتتاح مكاتبها في دمشق بعد سنوات من الهروب تحت ذرائع ومسميات واهية كانت جزءاً من الحرب على سورية وشعبها وقيادتها.. فما كان يتم الحديث عنه خلال الفترة الماضية همساً وبالسرّ بات اليوم علنياً، واللقاءات التي أجراها السيد وزير الخارجية فيصل المقداد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مع نظرائه في تلك الدول تؤكد ذلك وتفتح المجال نحو مزيد من العودة.

وعليه لم تكن عودة تلك الدول لافتتاح سفاراتها في سورية من بوابة الشفقة أو الاعتراف بالهزيمة، وإنما كانت بحثاً عن مصالحها والدور الذي يمكن أن تلعبه في المنطقة والعالم في ضوء المتغيرات الحاصلة التي كان من أبرزها دون شك اندحار الحرب الإرهابية على أبواب دمشق.

وبالتالي فالحدث اليوم هو نتيجة التطورات المتلاحقة في المنطقة، ولاسيما الانسحاب أو بالأحرى الهروب الأمريكي من أفغانستان وما حصل خلاله من مناوشات وعتب مع حلفائها الأوروبيين على طريقته وأسبابه، وما تلاه لاحقاً من انتكاسة كبيرة في العلاقات بين واشنطن وباريس على خلفية أزمة الغواصات والتكتل الجديد مع لندن وكانبيرا.. الأمر الذي دفع الكثير من الدول إلى إعادة التفكير في تموضعها والبحث عن علاقاتها بعيداً عن رأي واشنطن نفسها، طبعاً دون أن نغفل العمل تحت الإيقاع الأمريكي الذي له اليد الطولى في توجيه سياسات الكثير من الدول العائدة.. وهنا أيضاً لا يمكن الجزم بأن ما حدث في أفغانستان كان سبباً رئيسياً في طلب بعض الدول العودة إلى سورية، ولكنه كان أحد الأسباب الكاشفة التي لا يمكن تجاهلها في العلاقات الدولية الراهنة.

بيد أن ذلك كله لم يكن لينعكس عودة عربية وغربية إلى دمشق لولا فشل المشروع الغربي على أبوابها وسقوط ورقة الإرهاب التكفيري التي استخدمت ضدها والتي كان إسقاطها خدمة للعالم بأسره، وهو ما أشار إليه الوزير المقداد حين قال: “إن سورية لم تكافح الإرهاب عن نفسها فقط وإنما عن البشرية جمعاء”.

خلال السنوات الماضية كشفت القيادة السورية عن محاولات عديدة قام بها عدد من الدول لفتح قنوات أمنية مع دمشق بذريعة مكافحة الإرهاب والتصدي له، ولكن كان الجواب الحاسم بأنه قبل عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة لا يمكن الخوض بهذه الأمور.. واليوم مع بدء عودة تلك الدول أو غيرها لافتتاح سفاراتها لا شك أن المطلوب أكثر من رفرفة العلم فوق مباني سفاراتها في دمشق.. فسورية خلال العشر سنوات من الحرب ولاسيما في الجانب الاقتصادي تحوّلت من بلد واعد اقتصادياً غير مثقل بالديون ويحقق فائض نمو ودخلاً قومياً ممتازاً قياساً إلى موارده وثرواته إلى اقتصاد محاصر متضخم بشكل هائل جداً خسر موارده وطاقات أبنائه بفعل التهجير الممنهج لكفاءاته، وهو بالتالي بحاجة إلى إعادة إنعاش من جديد، ما يعني أن تلك الدول التي ساهمت بهذه الحالة عليها هي تحديداً أن تدفع فاتورة إعادة إعمار سورية من جديد وليس إعماره لأن ذلك منوط بالدول التي ساعدت دمشق ووقفت إلى جانبها.

بالمحصلة هذه العودة إلى دمشق لم تتم نتيجة حسّ أخلاقي مستجدّ عند هؤلاء بل نتيجة واقع جديد صنعته سورية بدماء أبنائها وتضحيات شعبها، فكما هم يريدون العودة نحن أيضاً نريد أن نفاضل ونبحث عن الأفضل لمصالحنا وتوجهاتنا السياسية والاقتصادية ولاسيما خلال الفترة القادمة، وبالتالي أمام تلك الدول وعليها الكثير للتكفير عمّا فعلته.