يعطل استراتيجية التحول الرقمي.. رفع أسعار “الاتصالات” لا مبرر له في ظل تردي الخدمات!!
دمشق _ رامي سلوم
بررت مصادر في وزارة الاتصالات والتقانة رفع أسعار خدمات الاتصالات، والتي زادت في بعضها على 100%، بأنها تأتي ضماناً لاستمرارية الخدمة، وتقليصاً للخسائر المتراكمة، جراء الكلف المرتفعة للمعدات والتجهيزات وعمليات الصيانة وغيرها.
ومع ذلك وصف خبراء وأخصائيون في هذا المجال خطوة رفع رسوم الخدمات بغير الموفقة، ولا تتماشى مع توجهات التحول الرقمي في الدولة، بل تضاف إلى العوائق المركبة لهذا التحول، مطالبين الجهات الحكومية بالتكاملية في إصدار القرارات، والبعد عن سياسة تحصيل الإيرادات لصالح تقديم الخدمات المأجورة التي تحقق قيمة مضافة للمواطن.
وتساءل الخبراء عن نوعية الخدمة المقدمة، من حيث السرعة والكفاءة والفاعلية والاستمرارية، والشمولية، قبل التفكير في زيادة الرسوم والأسعار، مبينين أن واقع الخدمة غير ملائم لتحصيل رسوم إضافية، كما استغربوا جملة القرارات التي اتخذتها الوزارة باتجاه زيادة أسعار الأدوات والأجهزة الرقمية مثل رفع رسوم تعريف الأجهزة الخليوية، ما يؤثر سلباً على شمولية عملية التحول الرقمي.
من جانبها اعتبرت الباحثة الأكاديمية رشا سيروب، بأن التوجه لرفع أسعار خدمات الاتصالات يناقض استراتيجية التحول الرقمي، ويؤشر إلى رؤية غير مكتملة للاستراتيجية، لافتة إلى أن تمويل مشروع التحول الرقمي يتم عبر إطلاق الخدمات التي يستفيد منها المستخدمون، وبالتالي يتم تحقيق الدخل من رسوم الخدمة وليس عبر فرض رسوم مقتطعة.
وبينت سيروب أن رفع أسعار السلعة أو الخدمة لابد أن يجاريه تحسن الجودة وتوافر السلعة بحيث تكون بنوعية أفضل، مبينة أنه لابد من حل مشكلات الشبكة وتحسينها، وضمان عدم تقطع الإرسال، وملاءمتها لإتمام الخدمات الإلكترونية قبل العمل على رفع أسعار الاشتراكات.
وأشارت سيروب إلى أن وصف التحول الرقمي بالضرورة يعني أن دعم هذا التحول يوضع في سياق دعم رغيف الخبز، كونه أساسا في بناء الدولة وتطور اقتصادها، لافتة إلى أن وصول النت إلى جميع الأشخاص لم يعد نوعاً من الرفاهية بل ضرورة حتمية ومتطلب أساسي للاستمرار. وكان للخدمات الرقمية أثرها المهم والواضح منذ انتشار فايروس كورونا، حيث ساهمت في استمرار التعليم عن بعد، والعديد من الخدمات، وإمكانية التواصل، ما يجعل من الممكن وضع فواتير تطوير التقنيات الرقمية في خانة “الديون المؤجلة” والتي ستعود بأضعاف مضاعفة على الحكومة في حال أحسنت استثمار إمكانات هذا التحول، وفقاً لسيروب.
وتابعت سيروب أن إشكاليات غالبية السياسات الحكومية في النظرة المجتزئة من خلال اللجوء إلى سياسة رفع الرسوم لتحقيق زيادة في الإيرادات قد تتغير فاعليتها مع تغير أسعار الصرف، والكلف الحقيقية لعمليات التشغيل، بينما تحجم عن تنفيذ سياسات حقيقية باتجاه عمليات تؤدي لوجود دخل متزايد يمكن ببساطة زيادته مع كل تغيير كونه يتعلق بعمليات محددة يطلبها المستهلكون.
فالسياسات وفقاً لسيروب توضع لمعالجة أخطاء، وليس لتحقيق أسباب النجاح، لافتة إلى أنه حتى اليوم ينظر إلى أجهزة المحمول على أنها سلعة كمالية، لتصل الأسعار إلى أرقام خيالية في ظل التوجه للتحول الرقمي، الذي أساسه اليوم أجهزة الخلوي، والتي باتت تغني عن “اللابتوب” و”التاب” وغيره.
ومن جانبه، أكد الخبير في إدارة المخاطر ماهر سنجر، أن لدى شركات الاتصالات طرقا عديدة لزيادة مداخيلها، من خلال توسيع خدماتها، واستثمار أموالها، وغيرها، لافتاً إلى أن الإجراءات المتبعة لزيادة الرسوم وفرض التعريف على الأجهزة لا يتناسب إطلاقا مع واقع استراتيجية التحول الرقمي، والتي من المفترض أن تشمل جميع الأجهزة المعنية في الحكومة.
واستغرب سنجر تصريح المعنيين بضعف الأرباح، لافتاً إلى أن السوق السورية واسعة، وغالبية المشتركين يدرجون العديد من الخدمات فيما عدا انعدام المنافسة، متسائلاً عن كيفية خسارة شركة تقدم خدمة لا يمكن الاستغناء عنها حصرياً، ومن دون أية منافسة في السوق، علماً أن السلعة أو الخدمة التي تقدمها تعتبر عامة وضرورية لكل شخص!! مشيراً إلى أن التصريح عن وجود خسائر غير دقيق برأيه.
وقال سنجر أن الإجراءات تؤخر التحول الرقمي والشمول المالي، وبالتالي تحقق إيرادات ضعيفة للغاية مقارنة مع الإيرادات المتوقعة في حال نجاح التحول، وتطوير القوانين بالطريقة التي تسمح لشركات الاتصالات والمشغلين باستثمار الأموال في مشروعات ربحية أخرى وفقاً للسوق الرائجة، بدلاً من مفهوم الجباية المعمول به حالياً.
وأشار سنجر إلى أن خطط الوزارات والإدارات غير متناسقة، ولا تعمل باتجاه واحد، فالتوجه لدعم التمويل الصغير والشمول المالي وتحسين السوق المالية عموما، والذي أساسه الخدمات الرقمية التكاملية، يصطدم ببساطة بقرارات جهات أخرى، تمنع استمرار العملية أو تبطئها على أقل تقدير.
وأضاف سنجر أن على إدارة المؤسسات الحكومية العمل بمفهوم السوق، وعدم الدخول للسوق بمفهوم مغلق، مشيرا إلى أن العديد من الشركات بسبب تعنتها خسرت كوادرها المؤهلة لصالح أعمال أخرى بسبب عجزها عن تطوير نفسها.
وكانت وزارة الاتصالات والتقانة قد رفعت أسعار خدمات الاتصالات للهاتف الثابت والخلوي وبقيم تبدأ من 40% وصولاً إلى ما يزيد على 100%، على أن يبدأ العمل فيها يوم غد.