دراساتصحيفة البعث

الإمبراطورية الأمريكية والمجمع الصناعي العسكري

عناية ناصر

قال فلاديمير لينين، الزعيم الراحل للاتحاد السوفييتي السابق، ذات مرة: إن الحروب الإمبريالية حتميّة تماماً في ظل الرأسمالية الاحتكارية. ولا تزال وجهة النظر هذه ذات أهمية كبيرة لفهمنا للولايات المتحدة اليوم. ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام، ستدعم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أستراليا لشراء غواصات تعمل بالطاقة النووية، وقد أثار هذا ردود فعل قوية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إذ تشعر العديد من الدول بالقلق من أن هذا سيؤدي إلى كسر توازن الطاقة النووية في المنطقة، وتقويض جهود منظمة “آسيان” لتحويل المنطقة بأكملها إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية، كما قد يؤدي شراء أستراليا للأسلحة إلى تكثيف سباق التسلح.

لكن الولايات المتحدة، أو بتعبير أدقّ تجار الأسلحة الأمريكيون، سيكونون سعداء لرؤية النقطة الأخيرة وهي تتحقق، بحيث أينما يوجد سباق تسلح في أي جزء من العالم، سيتمّ شراء المزيد من الأسلحة الأمريكية. ولهذا فإن صناعة السلاح تخدم الجيش مباشرة، وجيش الإمبراطورية ليس فقط من أجل الحفاظ على الدفاع، ولكن أيضاً لغرض التوسّع وغزو العالم. وفي الوقت نفسه، تتمتّع مثل هذه الصناعات في الولايات المتحدة بمزايا مطلقة.

بادئ ذي بدء، لقد تمّ إنشاء نظام الأمن بعد الحرب العالمية الثانية تحت قيادة الولايات المتحدة التي لها القول الفصل بشنّ الحروب اليوم. ثانياً، بعد سنوات من القوة المتراكمة في البحث والتطوير، أصبحت صناعة الأسلحة الأمريكية في طليعة اللاعبين الآخرين في العديد من المجالات. ثالثاً، بمجرد أن تتبنى دولة ما الأسلحة والمعدات الأمريكية، فهذا يعني أن الدولة تضع نفسها في أسر نظام الولايات المتحدة. لذلك لن تكون مهمة إجراء تغييرات في مثل هذا النظام الدفاعي في المستقبل مهمة سهلة، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح عدد غير قليل من الاقتصادات الناشئة عملاء دائمين للولايات المتحدة، بعضها عالق في أنظمة الدفاع الأمريكية، وهي جزء من مشاريع البحث والتطوير الأمريكية.

لقد ساهمت الصناعة العسكرية الأمريكية في هزيمة الفاشية في الحرب العالمية الثانية، لكن نموها وتطورها في فترة ما بعد الحرب أصبحا متشابكين بشدة مع إستراتيجية الولايات المتحدة العالمية، فهي تؤثر على تلك الإستراتيجية، لأن الصناعة العسكرية هي جوهر الصناعة التحويلية الحالية في الولايات المتحدة، إذ تدور معظم الصناعات التحويلية حول بقاء وتطوير الصناعة العسكرية وإمداداتها، ويُقدّر أن هذا الجزء من الصناعة يمثل أكثر من 60 في المائة من إجمالي الصناعة التحويلية في الولايات المتحدة.

وطالما كانت صناعة الأسلحة الأمريكية لا غنى عنها في نظام التصدير الأمريكي، فوفقاً للبيانات الرسمية الأمريكية، بلغ إجمالي صادرات الأسلحة الأمريكية 175.08 مليار دولار في عام 2020، بزيادة قدرها 2.8 في المائة عن عام 2019. وأشارت قاعدة بيانات صناعة الأسلحة التابعة لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أن مبيعات الأسلحة والخدمات العسكرية من قبل أكبر 100 شركة في القطاع بلغت 420 مليار دولار في عام 2018، حيث شكلت مبيعات الأسلحة للشركات الأمريكية 59 بالمائة.

على الرغم من أن صناعة الطيران والفضاء الأمريكية لا تشغل سوى 1.8٪ من إجمالي ناتجها المحلي الإجمالي، فإن الدور الذي تلعبه هذه الصناعة في الاقتصاد الأمريكي مهمّ جداً. علاوة على ذلك، فإن سوق الأسلحة الأمريكية ليست سوقاً حرة، بل سوق تتمتّع بضمان طويل الأجل ومستقر من الحكومة، فالحروب والتهديدات، وصناعة السلاح، وقوة الولايات المتحدة مترابطة. ما يعني أن إضعاف صناعة السلاح الأمريكية سيعني إضعاف العمود الفقري للاقتصاد الأمريكي وتقويض قوة ما يُسمّى بالإمبراطورية الأمريكية. وبالتالي، فإن نقطة الانطلاق لإستراتيجية واشنطن العالمية هي إما البحث عن الفرص، ووضع أهداف معادية لخلق التوترات، أو التدخل مباشرة بالسلاح، وهناك أوقات لا يعرف فيها حقاً ما إذا كانت واشنطن أو تجار الأسلحة الأمريكيون هم من يتخذون القرارات.

بعد الحرب في أفغانستان قالت بعض النخب في الولايات المتحدة إن السبب الرئيسي لفشل البلاد في أفغانستان هو افتقارها لقدراتها. وفي الواقع، قال الأمريكيون الشيء نفسه بعد هزيمتهم في حرب فيتنام. وطالما أنهم أدركوا منذ فترة طويلة أن قدرتهم على تغيير أو غزو العالم محدودة، فلماذا لا يزالون يشنّون حروباً تفشل في النهاية؟ أحد الأسباب هو أن صناعتهم العسكرية تهدف إلى جني الأموال من الحرب، فهي توفر مصدراً ثابتاً للقوة بالنسبة للولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها على العالم وتحقيق أرباح ضخمة. لذلك فإن رغبة تجار الأسلحة في الحصول على مكاسب تدفع واشنطن باستمرار إلى متابعة أهداف الحرب، وخلق توترات في بعض النقاط الساخنة، وكسب الأرباح من خلال جذب الحلفاء بالوكالة. لكن طالما بقيت هذه التركيبة كما هي، فلن تتعلّم الولايات المتحدة دروسها حقاً!.