دراساتصحيفة البعث

فشل نظرية الاحتواء الأمريكية

ريا خوري

عند اقتراب انتهاء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكي، ضاعفت الولايات المتحدة ضغوطها السياسية والعسكرية والاقتصادية على الاتحاد السوفييتي السابق. وفي النصف الثاني من الثمانينات، قدم القائد الجديد للاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف مبادرتي “بيريستوريكا”  الخاصة بإصلاحات اقتصادية، ومبادرة “غلاسنوت” وهي مبادرة إتباع سياسات أكثر شفافية وصراحة. كانت هاتين المبادرتين المقدمة لانهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، لتصبح الولايات المتحدة وحدها القوة الكونية العظمى في العالم.

عندها تداعى عدد كبير من المفكرين والباحثين كان من بينهم البروفيسور جيري كريد من كلية شارلستون، الذي نشر دراسة هامة تبحث عن عناصر الاستمرارية في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، وركز خلالها على التساؤل عن الكيفية التي سيعمل بها النظام السياسي الأمريكي الجديد في غياب الشيوعية وغياب الاتحاد السوفييتي.

بعد هذه الدراسة، برزت العديد من التساؤلات التي تسير في سياق تيار مناقشات أمريكية ساخنة، حيث لوحظ الاختلاف في تحديد مسارات السياسة الخارجية الأمريكية، وعدم وجود رؤية واحدة حول من سيكون العدو الجديد، ومن الذي سيكون بديلاً عن الاتحاد السوفييتي السابق كمحور تدور من حوله السياسة الأمريكية في الداخل والخارج. تلك النقاشات الساخنة أفضت إلى حل وهو أن العدو الجديد للولايات المتحدة الأمريكية سيكون الصين، مستخدمين الطريقة نفسها التي روّجت له مراكز الأبحاث الدراسات، لكن الوضع الدولي اختلف كلياً بعد انتهاء الحرب الباردة. وهو ما أشار إليه البروفيسور الأمريكي  مايكل إليوت  في محاضرة أمام جامعة كولورادو عام 2008، من أن العالم تغير من حيث اللغة والمفاهيم والآراء  التي كان لها وقعها في النفوس قبل خمسين عاماً، بحيث لم يعد لها هذا الأثر  الكبير اليوم. وأكد أن البعض من هؤلاء الاستراتيجيين كانوا يرسمون استراتيجيات ليتم تطبيقها في  العديد من دول العالم،  لكنهم في الحقيقة لا يعرفون حقيقة ثقافات شعوبها، وتقاليدهم وعاداتهم وأفكارهم ومفاهيمهم  وأديانهم.

لقد حاول كل من الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، و بيل كلينتون إيجاد مبدأ جديد للسياسة الخارجية الأمريكية يحل محل إستراتيجية الاحتواء، التي كانت محور إدارة الصراع مع الاتحاد السوفييتي السابق، لكنهما فشلا  فشلاً ذريعاً في إيجاده، يومها أعلن مدير التخطيط السياسي بوزارة الخارجية في إدارة  الرئيس الأمريكي بيل كلينتون جيمس ستينبرج أن العالم الذي نواجهه اليوم شديد الصعوبة والتعقيد، بحيث لا تصلح نظرية واحدة  لفهمه وتشخيصه. أما البروفيسور الأمريكي فينسنت أوجر أستاذ علم الحكومات بكلية هاملتون فقد أكمل هذا التصور بقوله: “إن الحقائق  العديدة المتغيرة في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة تقيّد من قدرة صنّاع السياسة الأمريكيين الكبار على بناء بديل مقنع لنظرية الاحتواء التي قامت على مواجهة الاتحاد السوفييتي، وإن هذه الورطة  الكبيرة والثقيلة ستظل تواجههم خلال المستقبل المنظور على أقل تقدير.

مما لا شك فيه إن العقلية الأمريكية التي تمتاز بالسطوة والهيمنة والعربدة ما زالت تتجلى في  صلب الاستراتيجيات الأمريكية، حيث أنها لا تزال تلتزم بمفاهيم الصراع  الذي ممكن أن يصل إلى صراع دموي مع القوى الدولية المنافسة، بما يثير حالات من عدم الاستقرار والأمن والأمان، وفقدان التوازن الدولي من خلال بث التوترات في كل مكان.