ثقافةصحيفة البعث

متاهة الثلاثين

لسنوات طويلة تأطرت الدراما التلفزيونية بعدد حلقات معين، تماشياً مع الموسم الذي تعرض فيه، والذي فرضه صنّاعها لتسويق أعمالهم المختلفة ليكون العرف السائد، وعلى الجمهور أن يتابع دون اعتراض مهما كان المحتوى المقدم.

التقييد بعدد الحلقات تسبب بمشكلة لكتّاب الدراما، من ناحية خلق الأحداث وإطالتها لتغطي الـ 30 حلقة، وعليه وقع معظمهم في مطب المماطلة وضعف الحبكة، لتأتي بعد ذلك مسلسلات الـ 60 حلقة وتزيد الطين بلة، وهذا أدى ليكون البطء والركاكة سمة أغلب ما يعرض.

هذه المشكلة جعلت صناعة الدراما تصاب بنوع من الفتور، إذ إنه مهما كان العمل ناجحاً ومحبوكاً بدقة لابد من الإطالة في بعض المفاصل، ما يدفع الكاتب لرسم العديد من الخطوط الثانوية التي من المفترض أنها تدعم الحدث الرئيسي، وتصب في مصلحته، لكنها بالمحصلة لا تعدو أن تكون مجرد حشو زائد بلا أي تأثير مضاف.

الخلل الواضح في هذا السياق كان خلال السنوات الأخيرة بعد اتجاه معظم المنتجين نحو الأعمال التجارية التي كلما زادت حلقاتها زادت الأرباح، حيث أصبحنا أمام عروض مبنية على التشويق المعتمد على الشكل المفرغ من المضمون، في محاولة لتقليد الأسلوب الغربي من خلال اللعب على اللقطات وحركات الكاميرا والإضاءة، ورغم كل الإمكانيات المادية واللوجستية، يكون المنتج النهائي عملاً مترهلاً تدور أحداثه حول نفسها لحلقات متتالية، ويصل إلى ذروته فجأة ودون مقدمات، وينتهي تاركاً المشاهد في حيرة من أمره.

لكن الموسم الرمضاني ليس وليد السنوات الماضية، وإذا ما عدنا للوراء قليلاً نجد أن أغلب الأعمال المحفورة بذاكرتنا التي كان لها أثر على الدراما التلفزيونية عُرضت خلاله وكانت مكوّنة من 30 حلقة أو أكثر بقليل، لكنها كانت أكثر ترابطاً ومتانة في حبكتها الرئيسية، وحتى الفرعية منها، فكل تفصيل فيها مرتبط بسياق الأحداث وله تأثيره عليها، وموظّف بذكاء لتكوين منظومة متكاملة من الخطوط الدرامية المتسلسلة.

هنا نتساءل: هل عدد الحلقات المطلوب تقديمها، وحصر متابعة المسلسلات بموسم واحد هما السبب بتفريغ الدراما من محتواها، وإبعادها عن أهدافها، أو أن للتوجّه نحو المنصات الرقمية المدفوعة لعرض الإنتاجات المختلفة يداً في ذلك، ليتحول الجمهور إلى الأجهزة المحمولة لمتابعة الأعمال المهمة، وتُترك للتلفزيون مسلسلات “اوبرا الصابون” الطويلة والمملة.

أسباب عديدة أثّرت على صناعة الدراما، سواء المحلية أو العربية، لكن التوجّه العالمي اليوم نحو الاختصار في عدد الحلقات، وتقديم جرعات مكثفة من الأحداث بعيدة عن المماطلة والبرود، لذا على العاملين في هذا المجال أن يأخذوا ذلك بعين الاعتبار، ويخرجوا من عباءة الموسم الواحد، والحلقات المحددة.

رغد خضور