ثقافةصحيفة البعث

صناعة النشر مسؤولية جماعية وتشاركية

على هامش معرض الكتاب المقام في مكتبة الأسد بدمشق أقيمت ندوة “الكتاب السوري.. الدور التنويري وآفاق التطوير” أدارها  المدير العام للمكتبة  إياد مرشد، وخلصت إلى ضرورة تضافر جهود الجهات الحكومية والخاصة لدعم القراءة والنشر والتسويق.

علاقة متأزمة

قرأت الإعلامية سلام الفاضل ورقة البحث التي أعدها د. ثائر زين الدين بعنوان: “آفاق وصعوبات صناعة الكتاب السوري على ضوء تجربة الهيئة العامة السورية للكتاب”، اعتمد فيها على التوثيق الدقيق والتبويب وفق ترتيب الصعوبات، مبتدئاً بتاريخ الكتابة كونها الفعل الإنساني الأرقى، ليتوقف عند العلاقة التي ازدادت تأزماً بين الكتاب والإنسان في الوطن العربي عما كانت عليه في الثمانينيات والتسعينيات نتيجة الحروب الداخلية والخارجية، والتدمير للمؤسسات الثقافية والتعليمية، ما أنتج ازدياداً في مستوى الأمية، ثم استحضر تقارير دقيقة صادرة عن منظمة اليونسكو عام 2003 تبيّن قلة عدد الكتب التي تطبع في الدول العربية، وضعف حركة الترجمة، وقلة عدد النسخ من الكتاب المطبوع، ليصل د. زين الدين إلى أن أزمة الكتاب في البلدان العربية تفاقمت مع ما سُمي بالربيع العربي. وقد تأثرت سورية بالحرب الإرهابية، ورغم ذلك لم تتوقف الهيئة العامة السورية للكتاب عن إصدار كتبها ومجلاتها، إلا أنها تعرّضت لصعوبات، بدءاً من خسارتها لكثير من الكتّاب والمثقفين، إلى غلاء أسعار الطباعة، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وعملت  على تقديم المعرفة والثقافة بوسائل أخرى، منها تصنيع الكتاب الناطق بغية مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة على القراءة، وتحميل مطبوعات الهيئة على موقعها الرسمي، وعلى موقع وزارة الثقافة، لكن الصعوبات ذاتها مازالت موجودة، وقد جربت الهيئة اتباع طرائق جديدة لإيصال الكتاب إلى المتلقي من خلال سيارات تبيع الكتب في الأرياف، وافتتحت منافذ بيع في الجامعات والمراكز الثقافية، وطرحت عقوداً مع المكتبات الخاصة لتوزيع كتبها وبيعها، ولكن لم تنجح هذه التجربة.

الشكل والمحتوى

“الدور التنويري وتسويق الكتاب” كان عنوان بحث الأديب الأرقم الزعبي الذي اعتمد فيه على السرد المتتابع مستحضراً دور الحضارات القديمة بنشر الكتابة، ابتداء من السومريين والبابليين الذين توصلوا إلى إنتاج كتاب ضخم في عهد حمورابي، ليصل إلى ازدهار كتب الموتى لدى المصريين، إلى أن جاءت الثورة الكبرى في عالم الطباعة باكتشاف الورق والحبر وآلة الطباعة، فانتشرت ظاهرة سرقة الكتب، كما استحضر تاريخ رواد وكتّاب الحركة التنويرية العربية من تيارات ومدارس، ولم تقتصر الكتب التنويرية على طرح قضايا فكرية بحثية فانسحبت إلى العدالة الاجتماعية، ودور المرأة وتعليمها، وظهور عدد من كاتبات الرواية، وتقديم التسامح على التعصب، ليصل الزعبي إلى تطور وسائل نشر الكتاب الورقي والالكتروني، وانفتاح العالم من خلال الشابكة ووسائل التواصل الاجتماعي، متوقفاً عند تسويق الكتاب الذي ينطلق من حسن الجمل والأفكار والأسلوب والفئة العمرية، ثم الشكل والغلاف ونوع الورق وطرق التوزيع والتسعير، وبيّن من تقرير لاتحاد الناشرين العرب المقدم لاجتماع الاتحاد على هامش معرض الكتاب في القاهرة هذا العام انخفاض مبيعات الكتب، إضافة إلى كثيرين أوقفوا نشاطهم.

ورأى الزعبي أن الكتاب الالكتروني أخطر منافس للكتاب الورقي بالتسعير والتسويق والتشجيع على القراءة بالهدايا مثل توزيع أطلس على “سي دي”، ولابد من تشجيع الأطفال على القراءة، وطلاب المدارس لارتياد المكتبة المدرسية، وأن مسؤولية الدولة بدعم الحركة الثقافية هي جزء من نشر الكتاب، ليخلص إلى أن محتوى الكتاب هو الفيصل، فمهما حاولنا تسويق الكتاب إذا لم يكن محتواه جيداً فهو غير قابل للتسويق.

الثقافة شراكة

أما الباحث والناشر أيمن غزالي فارتأى أسلوب التحاور مع الحاضرين بمشاركته “صناعة النشر.. آفاق ومشكلات وتطلعات”، ناقداً النواح الذي كثُر على وسائل التواصل الاجتماعي لإغلاق مكتبة نوبل، مؤكداً أن جمهور الكتاب، كان جزءاً من عملية إغلاق الحالة الثقافية، لأن الثقافة شراكة وليست حالة فردية، مستعرضاً أهمية صناعة النشر في وجه قوى الظلام، ليتوقف عند الصعوبات التي تقف في وجه صناعة النشر، مثل الارتفاع المستمر للضرائب والجمارك، وكأن الكتاب سلعة وليس مادة فكرية، وهذا لا ينطبق على مكان بذاته، وإنما ينسحب إلى كل الدول العربية، إضافة إلى توقف المعارض نتيجة الحروب، والمعارض هي النافذة الأساسية للبيع والتسويق، موضحاً العلاقة بين الرأسمال والكتاب، فالناشر يتحمل تكاليف باهظة من الطباعة إلى حصة المؤلف إلى التخزين والتسويق، إضافة إلى صعوبات استراتيجية مثل عدم وجود كوادر إدارية وفنية، وعدم وجود محرر فني في دور النشر يملك القدرة على إيجاد علاقة بين حاضنة الكتاب والتسويق، والمنافسة غير الشريفة بين دور النشر، كما أن لجوء دور النشر إلى كتب الترجمة أدخل القارئ بمجال شديد التعقيد، إضافة لقلة المشاريع الحكومية وعدم الشراء من قبل المراكز الثقافية، وقلة وجود قاعدة بيانات لترويج الكتاب.

دعم أكبر

حظيت الندوة بمداخلات تمحورت حول المشروع الوطني للترجمة، إذ وقعت مسؤولية القسم الأكبر على وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب، مقارنة بمساهمة دور النشر، ما زاد من أعباء الهيئة، وأثنى هيثم الحافظ رئيس اتحاد الناشرين السوريين على دور الناشرين السوريين الذين صنعوا أسماء لامعة لسورية على صعيد العالم، مطالباً بدعم حكومي أكبر لصناعة النشر، وأن تتخلى وزارة الثقافة عن طباعة بعض الكتب للناشرين، وكذلك وزارة التربية، ليشارك الناشرون بطباعة المنهاج المدرسي.

ملده شويكاني