الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

ترانيم حلم

سلوى عباس

لا تحاول البحث عن حلم خذلك وحاول أن تجعل من حالة الانكسار بداية حلم جديد ولا تقف كثيراً على الأطلال خاصة إذا كانت الخفافيش قد سكنتها والأشباح عرفت طريقها، وابحث عن صوت عصفور يتسلل وراء الأفق مع ضوء صباح جديد، فأنا محجوزة في بيت زجاجي أضرب الزجاج بأجنحتي حتى أحدث فيه شرخاً، لكنني بالنهاية أسقط صريعة وأعلن هزيمتي أنني لم أستطع أن أفعل شيئاً، ولم أستطع أن أفتح نافذة يدخل منها هواء نظيفاً ونقياً، ربما أكون مثالية جداً، وربما أنني متمردة كثيراً، ورغم سني الآن فأنا لا أختلف اليوم عن بنت العشرين التي كنتها، لازلت أكتب بنفس النبض والقلق الذي كنت أكتب بهما، وربما السبب أنه لم يتحقق شيء من أحلامي، لذلك كتاباتي فيها الكثير من العبث الذي أحاول أن أمحوه بالحب، فقد أكون أضحك على نفسي بهذا الوهم، الحلم الذي أضطر لخلقه حتى أستطيع الاستمرار في الحياة، وإلا في هذا الخواء الذي نعيش فيه، هذا العالم الذي أصبح يفتقد للعلاقات السليمة التي طغت عليها المصلحة والمادية، فحياتي مؤجلة كل يوم أقول أعيشها غداً، وهذا الغد لم يأت بعد، ومعظم النساء حياتهم مؤجلة.

****

كنت أخال أن ما سيأتي من أيام سيزيد الرماد رماداً.. وأن ألوان الحياة قد خبت واصفر بنفسجها وكلح ازرقاقها البهي، وغدت أقواس القزح فيها ذكريات من ماض ونسيان.. لمحات تمر في الخيال كبروقات تلمع لحظة ثم تدلهم.. ماكنت أظن أن يداً ثرية بالنور واليخضور ستمسح عني رمادي، وتزيل غبار القلب وبرودته، ولاكنت أظن يوماً أن أمانيّ بصاعقة من الورد ستحل بي فيسكنني عبيرها الأخاذ وتهيم بي ألوانها الدافئة، فكم أتوق الآن وقع حروفك في قلبي، وكم أحن أن أعدو في الطريق كي لا أتأخر على موعدنا، أو طاولتنا التي أغرقناها بأسرارنا.. كم أحن أن أضمك فيّ فلا يبقى بيننا من الكلام شيء ونترك لقلوبنا أن تتلامس وتفضي لبعضها ما عجزنا عنه، وكم أرسم لحظة لقياك، وكيف سأطير بك إلى فسحة من جنان نترك لروحينا أن تحلّق فيها وترعى عشب المودة، وأمد يدي وأغلق ستار الزمن وأسوّر بضلوعي رحب المكان، وأحبك بكل ما استطيع.. رني إليّ قبل أن ترهقني الأحلام، وقبل أن يهدني الشوق.. رني فقط واعلميني انك هنا.

****

أحلم بك دائماً وردة من جنان الكوثر البعيد، أحلم بك حورية من ندى تقشر الضوء عن النجوم وتقطف من سمائي لي رمانة الاشتياق، وحبة حبة تسعد روحي بربيعها المنشود، ليس يضاهيها الجنون وليس يرقى لرقتها النعيم، تدخلين ليلي ونهاري من بوابة الغبطة، وتفتحين قلبي على الحياة هنيهة فأدمن هناءها، حالما أغلق جفني عليك ينهمر المطر، وحالما أضم طيفك الزهري يندلع الشجر وللحظة يهمي الياسمين من عليائك في قلبي، ويفترش الحنين ضلوعي، ألملم في صحوي آثاراً منك تخلدت في الأشياء، وأضم في حلمي ما عجزت عن استعادته، لك فيّ كلي، ولك ارتعاشاتي وحزني، لك ألقي وكبوتي، لك اللحظات التي مرت، ولك اللحظات التي ستمر أيضاً، مذ أودعت مفاتيحي لديك وشرعت كل أبوابي عليك تماثلت الأضداد وتشابهت العناصر، وتوافقت في خلافها النقائض، تساوى الليل بالنهار، واعتدلت زوايا الضوء في موشورها الكوني، واقترب الجحيم من ربا الجنان، وبقيت أنت باسقة متفردة لايجاريك شيء ولا يدانيك.