مجلة البعث الأسبوعية

ملف الصحراء الغربية.. الحرب غير المرئية  هل يجهز الكيان الصهيوني إصدار نسخة مشابهة لسيناريو ناغورنوكارباغ؟

البعث الأسبوعية- هيفاء علي

في الأول من تشرين الثاني الجاري، أطلقت طائرة بدون طيار من طرازD-3 تابعة للقوات الجوية المغربية هجوماً بصاروخين على شاحنتين تجاريتين جزائريتين مدنيتين توقفتا على حافة مسار معروف في الجزء المحرر من الصحراء الغربية، مما أسفر عن مقتل ثلاثة سائقين. وبالتالي عمل هذا الحادث على تفاقم التوتر في العلاقات بين البلدين الموجود أصلاً إزاء العديد من الملفات وعلى رأسها قضية الصحراء المغاربية منذ زمن طويل وليس وليد اللحظة.

تقول المعلومات إن الطائرة بدون طيار التي استخدمتها المغرب في الصحراء الغربية استهدفت المدنيين الذين يستخدمون ممر تجاري معروف لتجنب بحر الرمال الكبير في الجيب الغربي الكبير الممتد على مساحة 80000 كم مربع ويتكون من كثبان رملية يصل ارتفاعها إلى 300 متر. كانت الشاحنتان الجزائريتان عائدتين من موريتانيا حيث سلمتا الإسمنت الأبيض وتوقفتا بعد أن تعرضت إحداهما لأضرار، وكانتا في وضع ثابت في وضح النهار عندما انقض عليها صاروخان.

وأكدت المعلومات أن الطائرة التي شنت الهجوم هي من نفس نوع الطائرات التي يتم استخدامها في سورية وليبيا وناغورنوكاراباخ وفي أوكرانيا، من قبل القوات الأمريكية والنظامين التركي والصهيوني، وهي أيضاً نفس النوع التي استخدمت لاغتيال مسؤول كبير في جيش الصحراء الغربية بمساعدة تقنية من قبل الموساد الإسرائيلي.

للحادثة دلالة رمزية كبيرة تتركز في الاعتماد بشكل كبير على نزاع ناغورنوكارباغ وعلى مثال أذربيجان التي استخدمت أنظمة أسلحة “إسرائيلية وتركية” الصنع في هجومها على أرمينيا. وعليه إن تشابه التسلح بين الجزائر وأرمينيا بكثرة الدروع والمدفعية جعل المستشارين العسكريين الإسرائيليين يظنون أن استخدام الطائرات بدون طيار والكاميكاز يمكنها تحييد الميزة العسكرية الجزائرية وتساعدها على إعادة إصدار سيناريو مشابه لسيناريو ناغورنوكارباغ في الصحراء الغربية. ولكن بالنظر إلى الأهمية المتزايدة للمعدات العسكرية الألمانية داخل الجيش الجزائري فإنها تلغي هذا الاعتقاد.

الخيارات الممكنة لدى الجزائر

وبحسب الرواية الغربية، تمتلك الجزائر أوراق عدة بين يديها، والخيار العسكري قد يكون وارد للمرة الأولى منذ معارك “امكالة عام 1976″، كما أن كل الخيارات مطروحة ولا يستبعد المراقبون أن يكون الرد وفق عاملين: أولاً، الصراع في الصحراء الغربية الذي استؤنف في تشرين الثاني 2020 بين جبهة البوليساريو والمغرب، هو حرب غير مرئية وتتعرض لحظر إعلامي دولي. نتيجة لذلك، فإن الرد الجزائري داخل حدود الصحراء الغربية ممكن تماماً دون التسبب في تصعيد أو حتى الكثير من الضجيج. ثانياً، إن منطقة الصحراء الغربية هي بالفعل منطقة حرب، والتصعيد المحتمل الذي سيكون محصوراً في هذه المساحة الجغرافية لن يؤثر بشكل كبير على الأمن في غرب البحر الأبيض المتوسط ​​أو في أوروبا. وبعض من العمليات غير المتكافئة التي تقودها البوليساريو على الأرض وبدعم من الطائرات الهجومية بدون طيار والدعم الباليستي التكتيكي يمكن أن تضع ملف الصحراء الغربية بأكمله على المحك.

مثال آخر هو إيران التي قامت رداً على اغتيال الشهيد قاسم سليماني، بقصف قاعدة عسكرية أمريكية بصواريخ باليستية. ففي 8 كانون الثاني 2020 ضرب وابل من الصواريخ الباليستية التكتيكية من طراز “قيام -1 ” الإيرانية قاعدة “عين الأسد” الجوية الأمريكية في محافظة الأنبار العراقية، وسبق للإيرانيين أن نبهوا الأمريكيين برسالة لاحتواء تصعيد محتمل.

منذ عدة أشهر، أطلق فنيو البوليساريو صواريخ غير موجهة خارج منطقة “بيرم” دون أن تثير هذه الاعتداءات أدنى اهتمام لدى وسائل الإعلام الغربية. ومع ذلك، قد يتغير هذا الأمر إذا استخدمت الجزائر صواريخ باليستية تكتيكية من نوع “إسكندر إي” ضد قاعدة أو قواعد عسكرية إستراتيجية في الصحراء الغربية. وعلى سبيل المثال، مجرد استخدام شحنتين تقليديتين تبلغ قوتهما طناً واحداً، تكون كافية للقضاء على المقر الرئيسي لقاعدة عقدية صحراوية تقع في عمق الجدار الدفاعي.

حقيقة، يستبعد المراقبون احتمال نشوب حرب الطائرات بدون طيار في وضع جو-جو لأن البلدين لا يمتلكان التكنولوجيا اللازمة لهذا النوع من القتال في المستقبل. كما أنه من غير المرجح أن يخاطر أي منهما باستخدام طيرانه العسكري في الصحراء الغربية.

من ناحية أخرى، قد يزيد كلا الطرفين من نطاق حربه الإلكترونية ضد الآخر، حيث يسري هذا الأمر بشكل ممنهج منذ سنوات. فقد حشد الطرفان منذ فترة طويلة جيشاً من المتصيدين الذين يتدفقون بطريقة هجومية للغاية على جميع المنصات الرقمية أو الإعلامية أو الافتراضية أو الإلكترونية.

قطع العلاقات

قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في 24 آب2021. وبعد أقل من شهر، في 22 أيلول2021، قررت الجزائر إغلاق مجالها الجوي أمام أي جهاز مدني أو عسكري مغربي، وأكدت مجدداً أنها لن تجدد عقدها بشأن خط أنابيب الغاز بين المغرب العربي وأوروبا الذي يمر بالمغرب. وتعتبر هذه البنية التحتية للطاقة مهمة للمغرب – 17٪ من ضرائب إنتاج الكهرباء والعبور-، و في 30 تشرين الأول الماضي، أعلنت الجزائر العاصمة عن عدم التجديد الفعلي لهذا العقد وأكدت لإسبانيا أن جميع إمدادات الغاز الطبيعي الإسبانية سيتم توفيرها من الآن فصاعداً من خلال خط أنابيب غاز “ميدغاز” البديل الذي يربط مباشرة الساحل الجزائري بمدينة ألميريا الإسبانية الذي يمر تحت البحر الأبيض المتوسط. ومع هذه التطورات المتسارعة، أصبح الصراع في الصحراء الغربية الآن بقعة ساخنة للغاية تجازف بنشوب حرب على الطريقة اليمنية على أعتاب أوروبا.

جذور التوتر

لطالما ساد التوتر العلاقات بين الجزائر والمغرب، خصوصاً على خلفية ملف الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة التي يعتبرها المغرب جزءاً لا يتجزأ من أراضيه، فيما تدعم الجزائر الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب “بوليساريو” التي تطالب باستقلال الإقليم وتحظى بدعم الجزائر منذ خروج الاستعمار الاسباني من المنطقة في سبعينيات القرن الماضي.

وتطالب “بوليساريو” التي أعلنت عام 1976 قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، بتنظيم استفتاء لتقرير المصير أقرته الأمم المتحدة تزامناً مع إبرام وقف لإطلاق النار بين طرفي النزاع عام 1991.

وباءت كل محاولات حلّ النزاع بالفشل حتى الآن. ومنذ استقالة هورستكو هلر، آخر مبعوث للأمم المتحدة، في العام 2019 توقفت المفاوضات الرباعية التي تضم المغرب وبوليساريو والجزائر وموريتانيا.

ومن باب التذكير، يخيّم التوتر منذ عقود على العلاقات بين الجزائر والمغرب، القوتين الوازنتين في شمال غرب أفريقيا، وذلك بسبب ملف الصحراء الغربية الشائك، المنطقة الوحيدة التي لا يزال وضعها معلقاً في القارة الأفريقية .ويتواجه في النزاع حول الصحراء الغربية المغرب وجبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب “بوليساريو”، وذلك منذ خروج الاستعمار الإسباني من المنطقة في سبعينيات القرن الماضي .ويسيطر المغرب على نحو 80 بالمئة من أراضي الصحراء الغربية، ويقترح منحها حكماً ذاتياً تحت سيادته.

في العام 1963، اندلعت “حرب الرمال” بين البلدين الجارين إثر مجموعة حوادث حدودية، وقد أدت “المسيرة الخضراء” التي شارك فيها 350 ألف مغربي للسيطرة على الصحراء الغربية في العام 1975 إلى تدهور العلاقات بين البلدين.

في السابع من آذار1976 قطع المغرب العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر بعد اعترافها بـ “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” التي أعلنتها البوليساريو.

وفي 26 شباط 1983، عقد العاهل المغربي، الملك الحسن الثاني، قمة ثنائية مع الرئيس الجزائري، الشاذلي بن جديد، عند الحدود.

وفي نيسان من نفس العام تم السماح مجدداً بحرية تنقل سكان البلدين، وفي أيار تم الاتفاق على السماح تدريجياً بحرية تنقل الأشخاص وبحرية نقل السلع بين البلدين وفتح الخطوط الجوية وسكك الحديد.

 استئناف العلاقات الدبلوماسية

في 11 حزيران 1987 التقى وزير الخارجية الجزائري الملك الحسن الثاني، وفي 22 تشرين الثاني من نفس العام، زار وزير الخارجية المغربي الجزائر .وفي 16 أيار، أعلنت الجزائر والمغرب استئناف العلاقات الدبلوماسية. وفي الخامس من تموز فتحت رسمياً الحدود بينهما .في السابع من تموز، أجرى الملك الحسن الثاني أول زيارة له إلى الجزائر منذ 15 عاماً، وقد شارك في قمة عربية طارئة. كما شكّلت زيارة الرئيس الجزائري بن جديد إلى إفران، وكانت الأولى لرئيس دولة جزائري إلى المغرب منذ العام 1972، تتويجاً للمصالحة حيث تم الاتفاق على مشروع أنبوب نفطي لربط الجزائر بأوروبا عبر المغرب. وفي تموز1992 وضعت مصادقة المغرب على معاهدة تموز1972 حداً للمشاكل الحدودية التي أدت إلى اندلاع “حرب الرمال”.

إغلاق الحدود 

ولكن في 16 آب 1994 استنكر المغرب تصريحات للرئيس الجزائري، اليمين زروال، اعتبر فيها أن الصحراء الغربية “بلد محتل”. وفي 26 آب فرض المغرب على الجزائر الحصول على تأشيرة لدخول أراضيه بعد هجوم استهدف فندقاً في مراكش قتل فيه سائحان إسبانيان حيث اتّهمت الرباط قوات الأمن الجزائرية بالضلوع في الهجوم، ومن ثم أغلقت الجزائر حدودها مع المغرب.

في 25 حزيران 1999، شارك الرئيس الجزائري الراحل، عبد العزيز بوتفليقة، في مراسم جنازة الملك الحسن الثاني في الرباط. لكن بداية التقارب سرعان ما نسفته مجزرة أوقعت 29 قتيلاً في جنوب غرب الجزائر، وكان الرئيس الراحل بوتفليقة قد اتهم المغرب بتسهيل تسلل إرهابيين مسلّحين إلى بلاده.

كسر الجليد 

وفي آذار 2011، أجريت لقاءات عدة بين الرئيس بوتفليقة والعاهل المغربي محمد السادس أسهمت في “كسر الجليد”. وفي حزيران 2011 أعلن العاهل المغربي تأييده إعادة فتح الحدود البرية وتطبيع العلاقات مع الجزائر. وبعد أشهر أكد بوتفليقة عزمه على إعادة تعزيز العلاقات لما فيه مصلحة البلدين. وفي كانون الأول 2019، دعا الملك محمد السادس إلى فتح “صفحة جديدة” في رسالة تهنئة الرئيس الجزائري الجديد، عبد المجيد تبون.

تطبيع العلاقات المغربية-الإسرائيلية

في كانون الأول 2020، نددت الجزائر بـ”مناورات أجنبية”، تهدف إلى زعزعة استقرارها متّهمة بذلك الكيان الإسرائيلي بعد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مقابل تطبيع العلاقات بين المملكة والكيان الصهيوني، وجدّدت الجزائر التأكيد أن “قضية الصحراء الغربية هي قضية تصفية استعمار”، وأن “حلها يكمن في تطبيق القانون الدولي”.

تجدد التوتر

في 18 حزيران 2021 استدعت الجزائر سفيرها لدى المغرب “للتشاور” بعدما أعرب دبلوماسي مغربي عن تأييده للحركة الانفصالية في منطقة القبائل رداً على دعم الجزائر للانفصاليين في الصحراء الغربية .في 31 تموز الماضي، وفي ذكرى اعتلائه العرش أعرب العاهل المغربي محمد السادس عن أسفه للتوترات بين البلدين ودعا إلى إعادة فتح الحدود البرية.

في 18 آب أعلنت الجزائر أنها قرّرت “إعادة النظر” في علاقاتها مع المغرب الذي اتّهمته بالتورّط في الحرائق الضخمة التي اجتاحت شمال البلاد. وفي 24 آب أعلن وزير الخارجية الجزائري قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب بسبب “الأعمال العدائية” التي تشنها المغرب ضدها.