“الذهب الحي” يفقد بريقه.. الإرهاب والجفاف والتهريب والأمراض يهددون وجوده..!
لم تكن قطعان الأغنام العواس بمنأى عن الأحداث التي خلفها الإرهاب في سورية.. كيف لا وهي “الذهب الحي” الذي كان في مرمى لصوص الإرهاب؟ ولطالما كانت أهمية العواس بمقدار النفط الذي يسرقون، والقمح الذي يحرقون وينهبون، والبشر الذي ينحرون.. وبعد أن وصل تعداد قطعان الأغنام، حسب الإحصاء الشامل لعام 2010، إلى ما يزيد عن 15 مليوناً و500 ألف رأس، ورغم أنه لم يتم التمكن من تنفيذ إحصائيات دقيقة شاملة وميدانية خلال السنوات العشر الماضية، بسبب الأوضاع الاستثنائية، إلا أن الدراسات القريبة من وزارة الزراعة تشير إلى تناقص الأعداد بنسبة حوالي 40%، بسبب الإرهاب والهجرة والنزوح وتدهور المراعي والتهريب والذبح العشوائي وتخريب الآبار في البادية، وسرقة مراكز البحوث المتخصصة بتحسين وتطوير الأغنام وتدهور المحميات الرعوية وسرقة الحيوانات والآليات التي تخدم القطعان في البادية، والأهم عدم وجود الأمان لدى المربين، وتراجع الخدمات البيطرية في الأماكن غير الآمنة.
أضرار وخسائر كبيرة
الدكتور حسين السليمان، مدير الصحة الحيوانية في وزارة الزراعة بيّن أن قطاع الثروة الحيوانية تعرض خلال سنوات الحرب إلى أضرار مباشرة وغير مباشرة بلغت قيمتها، وفقاً لدراسة تقدير الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي خلال الفترة بين 2011 – 2016، مبلغ 5,5 مليار دولار، وهي تشكل نسبة 34% من قيمة الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي، والبالغة أكثر من 16 مليار دولار، متضمنة الخسائر التي لحقت بالأصول المنتجة مثل انخفاض عدد القطعان وقيمة أضرار البنى التحتية وفوات الإنتاج خلال فتره تقدير الأضرار أي الفترة بين أعوام 2011 – 2016. وفيما بعد استمرت الأضرار واقتصر معظمها على استمرار تهريب قطعان الثروة الحيوانية إلى دول الجوار والذبح الاضطراري.
وبحسب السليمان، بلغ متوسط عدد الأغنام المصدرة، خلال الفترة ما بين 2005 و2010، حوالي 2 مليون رأس في السنة بمتوسط قيمة إجمالية وصل إلى 300 مليون دولار سنويا. واحتلت سورية بذلك المرتبة الخامسة عالميا في قيمة صادرات الأغنام العواس بعد استراليا والسودان ورومانيا وهنغاريا، ولذلك سميت قطعان الأغنام العواس بـ “الذهب الحي”.
قتل الرعاة والمواشي
وأشار محمد الوردي رئيس جمعية غنامية، في ريف الرقة الشرقي المحرر، إلى أن أعداد الثروة الحيوانية تراجعت في محافظة الرقة إلى ما يقارب النصف بسبب عدة عوامل، كالجفاف الذي ضرب المنطقة، ما تسبب بندرة المراعي، وارتفاع أسعار المواد العلفية بالسوق السوداء، إضافة إلى توقف عمل المؤسسة العامة للأعلاف في الفترة الماضية، حيث بلغ سعر مادة الشعير ما يقارب 2000 ليرة للكيلوغرام الواحد، أي ضعف سعر القمح، إضافة لاستهداف الثروة الحيوانية من قبل العصابات الإرهابية وفلول تنظيم “داعش” الإرهابي، من حيث قتل الرعاة وإطلاق الرصاص الحي على المئات من رؤوس المواشي بقصد إبعاد المربين عن البادية، وإخلائها من السكان، إضافة إلى غياب العناية الصحية الكاملة للثروة الحيوانية، وخاصة العلاجية بسبب ارتفاع أسعار الأدوية والرسوم والضرائب المفروضة عليها، وعدم السماح بدخول قطعان الثروة الحيوانية من مناطق سيطرة الميليشيات الانفصالية إلى الريف المحرر إلا بعد فرض رسوم دخول جمركية باهظة جدا عليها وغير ذلك من عوامل ..
نشاط التهريب بشكل ملحوظ
من جهته، علي الحبيب، مربي لـ 5 آلاف رأس غنم، أكد أن الأسعار ارتفعت بشكل كبير خلال العامين الماضيين بسبب توفر المراعي الطبيعية “المجانية”، ولم تحتج خلالها إلى تكاليف كبيرة كما هو حالها هذه الأيام، حيث انخفض سعر الرأس الواحد من 700 ألف ليرة إلى 200 ألف ليرة، وبذلك نشطت عمليات تهريب الأغنام العواس عبر المعابر غير الشرعية، يضاف لذلك ارتفاع أسعار الأعلاف وإحجام المربين عن شراء وتربية الأغنام، عدا عن مغادرة سنوات معظم القطعان إلى شرق الفرات خلال العامين الماضيين بسبب غياب الأمن وعدم قدرة الرعاة على الرعي في البادية.
وأشار الحبيب إلى أن المربين باتوا يذبحون الأغنام الإناث بدلا من الخراف، لأن الأخيرة مفضلة للتصدير أو البيع أو التهريب بأسعار مرتفعة تزيد عن أسعار إناث الأغنام ما بين 30 إلى 40%، حيث لم يرحم هذا الأخير منع تهريب الأغنام خلال الفتره بين 11/ 1 وحتى نهاية 31/ 3، مع بداية كل عام، لإتاحة الفرصة لتحسين القطيع ووصول المواليد إلى الأوزان الاقتصادية المناسبة.
الحال ليست بأفضل!
وليس الحال بأفضل في شرق الفرات حيث لا توجد أعلاف أو أدوية في المناطق غير المحررة، وكذلك ارتفاع أسعار الشعير والتبن بشكل كبير، حيث ارتفع سعر كيلو التبن خلال عام واحد من 25 و30 ليرة إلى 600 ليرة، وكذلك الشعير من أقل من 100 ليرة سورية إلى حوالي 1500 ليره سورية.
وكشف”الحبيب أنه كان يحوز حوالي 10 آلاف رأس غنم عواس في العام 2013، وتناقص القطيع بالتدريج ليصل اليوم إلى أقل من 5 آلاف رأس غنم. ومن المشكلات الجسيمة الأخرى التوجه لذبح الإناث الصغيرة بسبب انخفاض أسعارها عن الخراف، وهذا ما أوقف بدوره التكاثر والتوالد الطبيعي لأغنام العواس بينما الإناث الهرمة تلاشت ولاداتها بسبب سوء التغذية وعدم تقديم الأعلاف الكافية لها، بينما كانت معظم قطعان أغنام العواس (الإناث) عند انتشار المراعي الطبيعية الخضراء لها ولادتين في السنة الواحدة، وكانت هذه النسبه تصل بين 70 – 80% من القطيع. أما في أوقات الجفاف فتبقى معظمها بلا ولادات.
450 ألف رأس غنم عواس
أما مدير زراعة الرقة، المهندس الزراعي محمد الخذلي، فتحدث عن وجود حوالي مليون و450 ألف رأس غنم عواس في محافظة الرقة بالكامل، منها حاليا نحو 425 ألف رأس في ريف الرقة المحرر، بقسميه الشرقي والغربي، بينما كان عدد قطيع الأغنام العواس في محافظة الرقة، وفقا للإحصاء الرسمي الذي نفذته مديرية الزراعة عام 2012، مليونان و64 ألف رأس.
المهندس الزراعي زاهي طيارة، مدير عام سابق لمزارع الدولة في الحسكة، أكد أن الأغنام العواس من أجود أنواع الأغنام في العالم بسبب البيئة والمناخ المتوفر لها، والتي تعيش فيها سلالتها التي تعود لآلاف السنين. لكن الحرب الإرهابية أدت إلى فقدان الاستقرار في البادية، وكذلك التهريب بأعداد كبيرة للثروة الحيوانية للدول المجاورة بعد سيطرة الميليشيات الانفصالية والعصابات الإرهابية على عدد من المعابر غير الشرعية، وأهمها معبر سيمالكا الذي يعد البوابة الرئيسية لتهريب قطعان العواس بالآلاف يومياً.
البحث عن الحلول
لا شك أن الواقع مرير ويهدد الثروة الحيوانية بالخطر، لذا فإن إعادة الأمن والأمان إلى البادية وإعادة البنى التحتية والمراعي والمحميات أمر ضروري لما لذلك من دور في حماية الأغنام وتغذيتها في سنوات الجفاف والتخفيف من أعباء تكاليف الأعلاف علما بأن الدولة تقدم المقننات العلفية الكافية على مدار السنة وهي تتعاون مع المنظمات الدولية العاملة في سورية لإعادة البنى التحتية في البادية ومكافحة التهريب بكل أشكاله.
الجدير ذكره أن عدد قطيع الأغنام في الجزيرة يزيد عن 3 ملايين رأس غنم من العواس؛ وهناك مشكلة جسيمة يعاني منها ما تبقى من المربين شرق الفرات تتمثل في فرض الضرائب على عبور القطعان باتجاه مناطق سيطرة الدولة السورية، علما أن وزير الزراعة، خلال زيارته الأخيرة إلى ريف الرقة المحرر، أكد أن توجيهات قائد الوطن تمنع تقاضي الرسوم على قطعان الأغنام والآليات الزراعية لأية جهة كانت، وتعزيز تقديم الخدمات المقدمة من الحكومة لإعادة البنى التحتية لمستودعات الأعلاف، ومراكز الخدمات البيطرية في المناطق التي عانت من الإرهاب وتحررت بتضحيات الجيش العربي السوري والحلفاء والأصدقاء، والتشجيع على زراعة المحاصيل العلفية وتقديم الدعم اللازم من محروقات وأسمدة وغيرها، لكن يبقى الوضع الصحي لقطعان الثروة الحيوانية هو الأهم، حيث لا توجد أمراض وبائية أو سارية، وهذا ما حافظ على استمرارها رغم تناقص أعدادها.
حمود العجاج