اقتصادصحيفة البعث

استهداف ممنهج

ما من اجتماع دوري لمجلس محافظة دمشق على مدى الأعوام الماضية إلا ويُخصص جلسة واحدة على الأقل لمهاجمة “السورية للتجارة”، إلى حد يدفعنا للتساؤل: هل هو استهداف ممنهج؟ وما خلفياته؟.

بداية نؤكد، ما من مؤسسة حكومية منزّهة إلى حد استبعادها من النقد والمساءلة والمحاسبة، وبخاصة المؤسسات التي على تماس يومي مع المواطنين في لقمة عيشهم كالسورية للتجارة، لكن هناك اختلافاً جذرياً بين نقد يتضمن مقترحات لتطوير تجربة التدخل الإيجابي لمصلحة المنتج والمستهلك، وهذا ما يفعله إعلامنا يومياً، ونقد ممنهج يهدف لإلغاء السورية للتجارة لصالح التجار!.

من السهل جداً على أعضاء محافظة دمشق اصطياد الثغرات في صالات محددة، واتخاذها كمثال على فقدان بعض المواد، أو القول بأن أسعار بعض السلع فيها أعلى من السوق، وهذا صحيح، ولكن هذه الحالات استثنائية ويمكن معالجتها، بل إنها تُعالج.

وبالمحصلة، ليس المطلوب أن يتحول النقد حتى السلبي إلى استهداف ممنهج ومريب يصب في خدمة التجار والمتضررين من حجم مبيعات التجارة الداخلية، وهو حجم هائل كان يجب أن يذهب برأيهم إلى جيوبهم فقط!.

لا ندري مثلاً المعطيات التي استند إليها بعض أعضاء مجلس المحافظة ليستنتجوا أن هناك عدداً من الصالات لا تحقق الدور والخدمات المطلوبة، لأنه حسب شهادات الزبائن، الصالات مزدحمة دوماً، والمواد الأساسية متوفرة بأسعار أقل من السوق.

الملفت أن عضواً في مجلس شعب كان حاضراً في اجتماع مجلس المحافظة كشف (أن إحدى المواد كانت غير صالحة للاستهلاك وكلّفت الدولة 6 مليارات ليرة سورية، علماً أن تأمينها تم عبر السورية للتجارة).

حسناً، نحن هنا أمام صفقة فساد موصوفة، ولكن تم طرحها في المكان غير المناسب، ولا ندري لماذا؟!.

كان، ولايزال بإمكان عضو مجلس الشعب الذي كشف عن صفقة الفساد أو الإهمال أن يُوجّه سؤالاً خطياً إلى وزير التجارة الداخلية، أو يناقش الوزير وجهاً لوجه عند حضوره للجلسة المخصصة لمناقشة خطة الوزارة عن هذه القضية، كما يمكن لعضو مجلس الشعب أن يطلب بالتنسيق مع العدد المطلوب من زملائه تشكيل لجنة خاصة للتحقيق بهدر 6 مليارات ليرة على خزينة الدولة جراء صفقة الفساد أو نتيجة للإهمال، أو يقوم من خلال مجلس الشعب بإرسال ملف الصفقة إلى جهاز الرقابة والتفتيش.. إلخ.

وهكذا نكتشف بسهولة أن الطريق الأجدى والأفعل والأقصر لمحاسبة المسؤولين عن الفساد أو الهدر، وضياع المليارات على خزينة الدولة، هو في مجلس الشعب، وليس في مجلس المحافظة الذي شغله الشاغل منذ سنوات إلغاء صالات التدخل الإيجابي، أو “تحريرها” من “قبضة” الحكومة!.

ما يؤكد هذا الاستهداف (موافقة مجلس المحافظة بالأكثرية على توصية بطرح صالات السورية للتجارة للاستثمار والتشاركية، واقتصارها فقط على توزيع المواد المقننة: سكر ورز فقط)!.

مبرر هذه التوصية برأي مؤيديها أن تخلّي وزارة التجارة عن صالاتها لصالح المستثمرين يؤدي إلى تحقيق الفائدة وتفعيل الآلية، بما ينعكس على المواد المقننة المدعومة!.

يبدو أن من وافق على هكذا توصية يجهل أو يتجاهل عمداً أن صالات “السورية للتجارة” كانت على مدى سنوات طويلة في قبضة قلة من المستثمرين المتنفذين أو التابعين لمتنفذين، وكانوا “يشفطون” منها عشرات المليارات شهرياً لا سنوياً، ولا ندري إن كانت لاتزال بعض الصالات في قبضة حفنة من المستثمرين المحظوظين، ما يجعلنا نتساءل: هل الاستهداف الممنهج للسورية للتجارة من قبل غالبية أعضاء مجلس محافظة دمشق هو إعادة صالاتها إلى بيت الطاعة، أي إلى أحضان قلة من المستثمرين؟!.

الخلاصة: لو كان هدف مجلس محافظة دمشق راحة ومصلحة ملايين المواطنين، فعلياً لا كلامياً، لانشغل بالضغط على المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق لكي يحل أزمة النقل من خلال تحويل أكثر من 30 ألف سيارة أجرة إلى منظومة (التاكسي سرفيس) بدلاً من انشغاله بإعادة صالات السورية للتجارة إلى أحضان التجار “لشفط” ملياراتها يوماً بيوم!.

علي عبود