ثقافةصحيفة البعث

اللاذقية بلا مسرح.. وآخر الكلام: إن نجحت العروض خلال شهر يبدأ التّرميم

تسرّب مياه ورطوبة قاتلة، وخشبة لا تقوم لها قائمة، ومقاعد لا حول لها ولا قوّة.. باختصار، هذا هو حال المسرح القومي في اللاذقية، أمّا تفاصيل المشكلة فننقلها وعلى لسان أصحابها. يقول سلمان شريبا: نتيجة أخطاءٍ قاتلةٍ حدثت خلال ترميم مبنى المسرح القومي في اللاذقية بين عامي 2008 و2009، تتعرض خشبة المسرح سنوياً للتّلف نتيجة تسرّب المياه والرّطوبة، وذلك بسبب الرّشح الحاصل من فتحتين للتّدفئة والتّبريد تمّ فتحهما فوق الخشبة مباشرةً، ومن خلال الرّصيف والشّارع المحاذي للخشبة شرقاً، حيث تتسرّب المياه إلى الخشبة كون الشّارع أصبح أعلى من مستوى الخشبة نتيجة تخفيض ارتفاعها نصف متر تقريباً، وردم غرفتي الكواليس اللتين كانتا موجودتين تحتها، وكانتا تمتصّان كلّ أنواع التّسريب والرّشح، إضافةً إلى تغيير كبير في ملامح البناء الذي يعود إلى عام 1944، حيث تمّ نقل الحمامات ودورات المياه من الجهة المقابلة لجدار المسرح شرقاً، وأصبحت ملاصقةً له تماماً، وتمّ إغلاق فتحات التّهوية، ما أدّى إلى وجود روائح كريهة ﻻ تحتمل، ولاسيّما بوجود اﻷعطال المستمرة لخزانات المياه الموجودة على السّطح والتي ﻻ تصلها المياه، أيضاً تمّ نقل مولّدات اﻹضاءة وكابلات الكهرباء من مكانها الطّبيعي السّابق في غرفة الكونترول إلى غرفة كواليس الممثلين، ما يشكّل خطراً عليهم، أمّا من ناحية مقاعد الصّالة فهي الأخرى سيئة الصّنع والتّوزيع، في السّابق كانت موزّعةً على اليمين واليسار والوسط بمعدل خمسة عشر – خمسة مع ممرّات مريحة للجمهور – لكنّها أصبحت جميعها في الوسط بمعدل عشرين مقعداً مع عدم وجود ممرّ نصفي يتّسع لمشاهد واحد وهذا ما خلق مشكلةً في حركة الجمهور.

يضيف شريبا: جدران المبنى وغرف اﻹدارة والموظّفين كلّها تتعرّض للرّشح وتسرّب المياه بسبب عدم عزل السّقف ووضع خزانات المياه عليه وعدم وضع مصافٍ للمياه تكفي لمساحته، مؤكّداً: مبنى المسرح بكامله بحاجة لإحياء من جديد وبما يناسب البيئة السّاحلية، ويفضّل إعادته إلى ماكان عليه ﻷنّ التّرميم الذي حصل بين عامي 2008 و2009 كان بمنزلة إعدام للمسرح القومي في اللاذقية، وبالتّالي إعدام الحركة المسرحية، لكننا محكومون بالأمل والعمل.

بسبب كلّ ما سبق، يقدّم مسرحيو اللاذقية عروضهم في صالة دار الأسد، ما يزيد المشكلةَ مشكلات، فالصّالة غير مخصّصة للعروض المسرحية ولا يمكن للمسرحيين إقامة البروفات فيها، كما لا يمكنهم ترك الدّيكورات طيلة فترة العرض بل يضطرون إلى فكّها وتركيبها كلّ يوم، لهذا مرّ اليوم العالمي للمسرح عليهم مروراً مفجعاً. يقول علي يونس: اللاذقية بلا مسرح في اليوم العربي للمسرح.. ربّما كان الأجدر بنا أن نشتري المفرقعات والرّصاص ونطلقه في الهواء ابتهاجاً باليوم العربي للمسرح لعدم امتلاكنا طرقاً أخرى للاحتفال. هل يعقل ألّا يُحاسب أيّ مهندس شارك بتدمير المسرح القومي تحت مسمّى “ترميم”؟ وهل يعقل أنّنا بكلّ مهندسينا ووزاراتنا لم نستطع إيجاد حلّ؟ يبدو أنْ لا رغبةَ عند أحد بإصلاحه! هل يعقل أن تعتمد مدينة مثل اللاذقية على صالة دار الأسد للثّقافة المعدّة للمؤتمرات لتقديم العروض المسرحية؟ في الحقيقة لولا القائمين عليها – ولهم كلّ الشّكر – لما كان لنا مكان نتنسّم فيه رائحة مسرح.

وتتحدّث ريم نبيعة عن مشكلات أخرى كالإدارية، فتقول: يحتاج المسرح في اللاذقية لمسرح، إنّه مسرح بلا خشبة أو ماء أو روح، والمعضلة لم تحلّ منذ سنوات ربّما لرغبةٍ في نفس أحدهم لا أعرفه بالتّحديد. اليوم المسرح عبارة عن بناء يتناوب على الدّوام فيه ثلاثة أو أربعة موظّفين مع غياب دور الإدارة في كلّ المواضيع، وكلّما سألنا شخص يدلّنا على الآخر ويتنصّل من مهامه، كما قد يستعين مخرج بأسماء قد تعمل بأي مجال نكايةً ببعض الزّملاء، مشيرةً إلى أنّ استضافة العروض في دمشق “خيار وفقوس” في إشارةٍ منها إلى أنّ اختيارها لا يتمّ تبعاً لجودة العرض إنّما للعلاقات الشّخصية، وأنّ أجور الممثلين في اللاذقية أقلّ منها في دمشق، مضيفةً: لولا محبّتنا للمسرح لما اشتغلنا في ظلّ عدم وجود ما يشجّع على العمل، وحتّى إن لم نعمل لن يهتمّ أحد.. هناك من يفرّغ المسرح من ناسه.

شكاوى ومذّكرات كثيرة قدّمها مسرحيو اللاذقية من دون نتيجة، يقول شريبا: منذ عامين رفعنا مذّكرات وحضرت لجان وغادرت لجان وما نزال ننتظر، للأسف في العام الذي تمّ فيه التّرميم الأوّل سُرق الخشب الكندي الذي صمد ثلاثين عاماً ووضع بدلاً عنه ألواح تتلف من قطرة ماءٍ. نحن متوقّفون عن العمل منذ عامين، كنّا في الماضي نقدّم نحو خمسة أو ستة عروض، لكن آخر عرض قدّمته كان “ورطة” في منتصف عام 2020 بدار الأسد ولانشغال الصّالة قمت بفكّ وتركيب الدّيكور يومياً، مدير المسرح القومي حسين عباس لم يقصّر وهو شخص متعاون ونخاف أن “يطفش” بسبب هذه المعاناة، كذلك الأمر بالنّسبة لمدير المسارح لم يقصّر معنا ﻻ مالياً وﻻ فنّياً ودائماً يطالبنا بعروض ويقدّم الدّعم لنا.

ويوضح مدير مديرية المسارح والموسيقا الأستاذ عماد جلول معوّقات ترميم مسرح اللاذقية بالقول: المديرية مركزية وتتبع لوزارة الثّقافة من حيث الإشراف والإدارة والتّمويل وترميم المباني وكلّ شيء له علاقة بالاستثمارية، أي ليس لدينا بندٌ استثماري، نحن نقدّم كلّ سنة خطّتنا وطلباتنا وحاجياتنا للعام والوزارة تصرف على كلّ المديريات من ميزانيتها ووفق الأولويات تقوم بتنفيذ هذه المشاريع، أمّا بالنّسبة لمسرح اللاذقية فقد تمّ ترميمه منذ فترة، لكنّ المشكلة في تسرّب المياه وعدم العزل لأنّه لم يكن ضمن الدّراسة الأولى، ومنذ فترة ذهبنا مع الوزيرة والمحافظ والمهندسين وأقمنا معاينة للمسرح وقدّمنا دراسة جديدة تمّ الإعلان عنها، لكنّ المشكلة ليست فينا ولا في الوزارة بل بالمتعهّدين، لذلك أعدنا الإعلان مرّة ثانية.. من قال إنّ المسرح متوّقف صحيح لأنّه لا يوجد خشبة نتيجة الرّطوبة لكنّه ليس على اطّلاع على الإعلان الأوّل ولا الثّاني ولا الثّالث.. مع ذلك استمررنا بالعروض وفق برنامج دار الأسد على الرّغم من البرنامج الضّخم، وأقمنا بعض الحفلات لكن ليس برنامجنا الكامل، وهذا يسبب إرباكاً للممثلين والمخرجين لأنّ المكان ليس لنا والعرض المسرحي يحتاج لبروفات وتدريبات وتيار كهربائي، ومن المؤكّد عندما تكون البروفات في مسرحنا تكون أفضل للجميع.

ويضيف جلول: قدّمنا عروضاً لفايز صبوح وسلمان شريبا وكمال قرحالي ومجد يونس وهاشم غزال ودعم مسرح الشّباب في اللاذقية، وهناك من لم ألتقِ به أبداً وهناك من التقيته منذ عشرين سنة.. العروض المسرحية لا تخبئ نفسها إنّها موجودة ومسجّلة ويشاهدها الجميع، ونعمل على أن يأخذ كل شخص فرصته، هناك مسرحيون لم يشتغلوا منذ عشر سنوات، لكنّهم اشتغلوا في فترة وجودنا، وتساهلنا مع المحافظات حتّى لا يكون الباب مغلقاً، ومن لا يكون على قدر المسؤولية من الطّبيعي ألّا نعطيه فرصةً أخرى لكن هذا لم يحصل، لدينا لجنة في كلّ محافظة ولكن ربّما المخرج قد لا يترجم أفكاره ضمن الملف الإنتاجي على خشبة المسرح.. نحن نطلب سيرة مهنية من كلّ شخص، طبعاً لا نطلب أن تكون مشابهةً لسيرة مخرج مخضرم.

وبالسّؤال عن العروض القادمة من المحافظة واحتمال أن تلعب العلاقات الشّخصية دوراً في اختيارها، يجيب جلول: في هذا المجال كنّا نشيطين جدّاً لكنّ الظّروف المالية حالت دون ذلك، فالإقامة والتّنقّلات صارت فوق طاقتنا، أتمنّى أن تقدّم العروض في كلّ المحافظات ولا أعتقد أنّنا لم نرضِ أحداً، جميعهم قدّموا عروضهم، فالمديرية هي الجهة الوحيدة المنتجة للمسرح بدعم من وزارة الثّقافة، ومع ذلك توجّه الاتّهامات إلينا، مبيّناً: لقد طلبنا من كلّ مدير في كلّ المحافظات أن يمارس صلاحياته وأتت عروض إلى دمشق من اللاذقية والحسكة، وهناك عروض زارت حمص واللاذقية وطرطوس، أمّا بالنّسبة للأجور فربّما تكون أقل لأنّ الخريجين قلائل في المحافظات والخريج أجره ثابت، ولا يمكن مقارنة الخرّيج مع الهاوي، إضافةً إلى أنّ الجمهور في دمشق أكبر ومعظم العروض تقدّم فيها قرابة العشرين يوماً أمّا في المحافظات فسبعة أيام فقط، مع ذلك نقول إنّ الأجور قليلة وبدأنا برفعها تدريجياً، صحيح أنّها لا توازي العمل في الدّراما لكن لا يمكن القول إنّ أجور المحافظات أقلّ. عندما كان المسرح في اللاذقية موجوداً لم يكن لدينا أي مشكلة، لكن موضوع التّرميم كما ذكرت يتعلّق بفروق الأسعار والمتعهّدين، نحن ليس لدينا أي شيء تحت الطّاولة.

ومثلها مثل أي مؤسسة، خسرت مديرية المسارح بعض موظفيها بسبب الحرب، ما أدّى إلى وجود نقص في كوادرها، يوضّح جلول: هناك من استشهد أثناء تأديته الخدمة الإلزامية والبعض لظروفه الخاصّة لم يعد موجوداً.. نتمسّك بأيّ موظّف لأنّ لدينا نقصاً فظيعاً في الكوادر الفنّية والإدارية، أمّا على مستوى المخرجين والفنّانين المبدعين فلدينا روافد وسورية ولّادة وفيها طاقات متجدّدة على خلاف الكثير من البلدان.. أيّ موظّف لدينا مثله مثل أيّ مدير.. قدّمنا طلباتنا وأعلنّا عن الشّواغر في المسابقة الأخيرة وبانتظار من سيأتي.

إذاً إلى متى ستستمر مشكلة مسرح اللاذقية؟.. سؤال يجيب عنه المهندس وسام الأسعد مدير الخدمات المشتركة في وزارة الثّقافة بالقول: الدّراسة جاهزة وكاملة للتّرميم وإعادة التّأهيل مع الكراسي والمنصّة والإضاءة والدّهان، أعلن عنها في نهاية عام 2021 ومع بداية عام 2022 اختلفت الأسعار كثيراً. الإعلان تمّ مرّتين، في الأولى فشل ولم يقدّم أحد، والثّانية هناك من قدّم ونحن في طور فضّ العروض، ومن المحتمل إن نجح العرض أن يبدأ المتعهّد بالتّنفيذ خلال شهر أو شهرين، أمّا في حال الفشل فسنعيد الدّراسة والتّكلفة.. لدينا مشكلة أخرى هي توافر المواد الخاصّة بالبناء، ولاسيّما أنّ أعمال التّرميم والتّأهيل الخاصّة بمشاريع الوزارة تتطلب مواد بناء خاصّة بالمسارح، مؤكّداً: أكبر عائق هو اختلاف الأسعار وصعوبتها على المتعهّد الذي يخشى الدّخول بعمل قد يخسر فيه، لذلك فإنّ استقرار الأسعار يساعدنا على وجود متعهّدين أكثر. الوزارة لم تقصّر، قدّمت الدّراسات والميزانية موجودة ومخصّصة للمبنى لكنّ الظّروف مع المتعهّدين صعبة.

نجوى صليبه