الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

صافرة

عبد الكريم النّاعم

اخترتُ عنوان “صافرة”، مستحضِراً صافرة الحَكَم في المباريات الرياضيّة، فهو حين يُطلق صافرته يتوقّف اللعب، لأنّ ثمّة خللاً ما قد وقع، وفيما سيأتي سيتبيّن أن صافرتنا تشير إلى خلَل واقع، وإلى التخوّف من تكرار وقوع.

علمتُ ممّا نُشر على شاشة التواصل الاجتماعي أنّ المكتب الفرعيّ لاتحاد الكتاب العرب بحمص اعتمد في نشاطاته أن يدعو بعض الشباب والشابات ممّن استهواهم الشعر، ليفسح لهم مجالاً لإلقاء نتاجهم من على منبر الاتحاد، وهي خُطوة – في النوايا – لا اعتراض عليها، فقد جرى شيء مشابه لهذا منذ أكثر من أربعين سنة، وكان ذلك في المكتب الفرعي للاتحاد، كما جرى مثيله في رابطة الخريجين الجامعيين، ومن على المنبرين المذكورين تعرّف الجمهور إلى أصوات كانت شابة في حيتها تُقدّم لأوّل مرة، وكان منهم شعراء مرموقون الآن، ولن أخوض في ذكر الأسماء، كما أنّ بعض مَن قُبِلت مشاركته هو الآن عضو في اتحاد الكتاب العرب، وكنّا نبحث عن الموهبة، أو بذرتها المُنبئة عن التفتّح.

لعلّ مَن يتساءل أثناء قراءة هذه المقالة لماذا لم أذكر المركز الثقافي، والسؤال في محلّه، ولي عذري في ذلك، فالمراكز الثقافية في سوريّة، منذ ما قبل عشريّة الخراب والدّمار، في غالبيّتها، إلاّ ما رحم ربّك، ويأتي ذلك مصادفة لا باختيار، أو تدقيق، هذه المراكز عُهد بها إلى من لا علاقة لهم بالثقافة، فالمدير/ المديرة.. يأتي إمّا ترضية وطيفيّة، أو بدعم لا علاقة له بجوهر الثقافة، فهي في نظر مَن بيدهم القرار موقع ما، وفي هذه النظرة الخطيرة غير المسؤولة ما فيها من إدارة ظهر لأهميّة الثقافة، ودورها التوعوي، والكاشف عن مكامن لا تُرى إلاّ بعينٍ بصرها حديد، فممّا لا يُناقش فيه إلاّ جاهل، أو مدسوس، أنّ الثقافة هي الحاجة العليا للبشريّة كما نردّد، دون التقيّد بمضمون تلك الجملة الشعار.

لقد كُتب الكثير من قِبَل العديد من أصحاب الأقلام النظيفة حول هذا الموضوع، وظلّت كتاباتهم صرخة في بريّة غير مأهولة، حتى لكأنّما الشعار الرائج هو قولنا:” فالج لا تعالج”، وما أقسى، وما آلم أن تصل الأمور إلى هذا الحدّ، فالمساحة التي يجب أن تكون رائدا يرتاد، ويستكشف، ويدلّ، ويختار الأفضل،.. هذه المساحة مشطوبة من قِبل من بيدهم القرار، وهذا شيء بالغ الخطورة، في منطقة بالغة الحساسيّة والنّتائج.

أعود إلى نشاط المكتب الفرعي للاتحاد في حمص، لأضع بعض ما أرجوه، وبعض ما أتخوّف منه، ما أرجوه أن لا يقبل في نشاطاته إلاّ مَن كان في إبداعه من ألق الأدب، وسحره ما هو واضح، لأنّ ساحات النشر أُتخِمتْ بالغثاثة، وأن يُراعى في ذلك عدم تغليب كتابة الخواطر التي يُطلق عليها ظلماً “قصيدة نثر”، فهي مرقاة سهلة وخادعة، لمَن لا يستطيع التفريق بين الخاطرة و” قصيدة النثر”، كما قد تخدع مَن لا يغلّب رؤية البصيرة على لغة البصر.

أمّا ما أتخوّف منه، وأقول ذلك بناء على ما نُقل إليّ عبر الهاتف، هو أن يُسمح بصعود مَن قد يمتلكون موهبة، ويسخّرونها، بذكاء، أو بمواربة، أو يهرّبونها تهريبا، طارحين مضامين تصبّ في النهاية في طاحونة الحركات الظلاميّة، فنحن لم نُشف من جراحنا بعد، كما أنّ ذلك يخالف أهداف الاتحاد، في اتّجاهه العام.

لعلّ مَن يعتبر هذا مصارَة غير مقبولة، ولهؤلاء أقول: نعم أنا أدعو لمصادرة كلّ ما من شأنه أن يُعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وبظني أن التساهل، في مواقع، في مثل هذا وأمثاله، لم يعد مقبولاً.

aaalnaem@gmail.com