اقتصادصحيفة البعث

مآل الجمعيات التعاونية السكنية في ضوء الوقائع الاقتصادية

مضت عدة عقود على وجود الجمعيات التعاونية السكنية في المحافظات، وكان لعدد منها مردود إيجابي، أكان ذلك من خلال مقاسم تم تسليمها للتعاونيين، أو شقق سكنية جاهزة، أو على الهيكل، إذ من غير الإنصاف تجاهل مساهمتها في تأمين عشرات آلاف المساكن للمنتسبين، وبتسهيلات كبيرة وكلفة صغيرة لكثيرين منهم، ما خفف من  المنغصات التي انتابت نسبة غير قلية منهم نتيجة الفساد الذي ظهر في مئات الجمعيات، حتى أن فروع الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش عانت الكثير من متاعب التحقيق في حجم الملفات التي وردتها عن مئات الجمعيات، وكثير من تحقيقاتها لم تستكمل وربما لم يباشر ببعضها، وبعض ما استكمل لم ينفذ ما جاء فيه جزئياً أو كلياً، هذا بالنسبة لكثير من الجمعيات التي استملكت أرضاً وبنت مساكن، أما الطامة الكبرى فهي في ميدان الجمعيات التي استملكت عقارات، ولكن لم تبن مساكن أو بنت ولكنها لم تكمل، وتضاعفت الكلفة عشرات المرات، ما جعل الكثير من الأعضاء عاجزين عن تسديد مستحقاتهم، ما سيؤخر استكمال تنفيذ المساكن، وتبقى المصيبة الكبرى عند مئات الجمعيات التي مضى على إحداثها عشرات السنين، ولم تستملك أرضاً حتى تاريخه، ولم تعد لمدفوعات أعضائها المتراكمة قيمة تذكر، عدا ما انتابها من نقص نتيجة صرفيات مجالس الإدارات تحت عنوان وآخر.

واقع الحال سيفرض استكمال المشاريع السكنية المباشر بها، مهما بلغت مدة التأخر، إذ لامناص لمجالس الإدارات ولا للأعضاء من ذلك، ولكن هل سيكون بمقدور مجالس الإدارات المباشرة بالبناء في العقارات المستملكة أو قيد الاستملاك، وهل ستجد هذه المجالس أعضاء يقبلون على هذا التخصص؟، في ظل المدفوعات الكبيرة التي ستكون مطلوبة منهم بشكل أولي، وما سيكون مطلوب منهم لاحقاً من مدفوعات جديدة، وهل سيمنح المصرف العقاري قروضاً للأعضاء وفي حال منحهم، هل سيجد أعضاء يقبلون على الاقتراض في ظل الأقساط المصرفية الكبيرة المطلوبة، قياساً بالدخل المنخفض هذه الأيام، مع الأخذ في الحسبان أن أية زيادة مرتقبة في الرواتب ستجد مكانها في التوجه إلى السلة الاستهلاكية المرتفعة الأسعار بلا منازع، وقد لا تغطي ما سبق من ديون وما سيستجد من شجون.

وهنا يجب ألا يغيب عن بال الجميع / مجالس إدارات وأعضاء تعاونيين ومسؤولين / ضرورة التفكر والتبصر بشأن الجمعيات التي لم تمتلك عقارات حتى الآن، رغم مضي سنوات وربما عقود على إحداثها، وعلى الأغلب لن يكون بمقدور الكثير منها – وربما جميعها – تحقيق هذا الاستملاك، نظراً للارتفاع الكبير الذي حصل في أسعار العقارات، وقانون الاستملاك الجديد الذي شرَّع أحقية الاستملاك بالسعر الرائج، كما أنه من المفترض ألا تتخلى المديرية العامة لأملاك الدولة ولا الوحدات الإدارية عن بعض أملاكها، إلا للصالح العام / مدارس – منشآت عامة تعود للقطاع العام الخدمي أو الإنتاجي/، أي استبعاد جواز تقديم  عقارات مجانية أو بسعر بخس – كما حصل سابقاً – لصالح شريحة معينة من المجتمع، تحت اسم جمعية تعاونية سكنية / معلمين – أطباء – مهندسين – عمال …/ لأن هذه الأملاك تعود لجميع فئات وأفراد الشعب، وفي حال التقديم لشريحة ما، فسيكون المستفيد من ذلك هم أعداداً محدودة من هذه الشريحة أو تلك، عدا عن عدم وجود جمعيات تعاونية سكنية لشرائح أخرى، ومن خلال هذا المنظور يتضح لذوي البصيرة، أن آمال المسجلين في هذه الجمعيات في تأمين مسكن، كالآمل بوجود ماء في سراب الصحراء، يرى ما لم يجد، ويأمل ما يُستبعَد أن يحقق.

في ضوء هذا الواقع، وقياساً بالقرار الحكومي الذي قضى بإلغاء الاتحاد العام للتعاون السكني، من المقتضى أن تُقدِم الجهات الوصائية، مروراً  بالمديرية العامة للتعاون السكني، والجمعيات السكنية التي لا تملك عقارات حتى تاريخه، باتجاه ترقين قيود جميع هذه الجمعيات وتصفية حساباتها لصالح أعضائها، كل في ضوء مدفوعاته وقدم عضويته، مع جواز إعطاء مهلة ستة أشهر لبعض الجمعيات – التي لديها رأس مال كبير- والتي تتقدم مجالس إداراتها بدراسة تظهر إمكانية إقلاعها خلال هذه المدة، مع تنفيذ الإلغاء الفوري لكل جمعية حال عدم تحقيق ما وعدت به، بالتوازي مع إيقاف إحداث أية جمعيات تعاونية سكنية جديدة، فالمصلحة العامة تقتضي الحد من الوعود الواهمة أو الموهومة أو التضليلية أو المضللة في شتى المجالات، أياً كان الطرف الواهم أو الموهوم، مع الأخذ بعين الاعتبار، أنه قد يكون من المفيد أن تتولى المديرية العامة للإسكان – حال كان ذلك ضمن إمكاناتها – فتح باب الاكتتاب لديها لصالح مشاريع سكنية وفق شروط معينة تخص الراغبين بالاكتتاب عليها من المفصولين من الجمعيات المنحلة، شريطة التزام المؤسسة  بالشروط المتعلقة بالتوقيت الزمني والكلفة، وتعهدها بمسؤليتها الجزائية عن ذلك، اجتناباً لتكرار الغبن السابق الذي تعرض له العديد من المكتتبين لديها.

عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية