مجلة البعث الأسبوعية

ألق “لؤلؤة المتوسط” يخبو ..  جزيرة أرواد خدمات لاترقى لمستوى حاضرة بحرية

البعث الأسبوعية – طرطوس- رشا سليمان- محمد محمود

 

تركب البحر في جولة إلى جزيرةٍ “منسية”، هي درة الساحل السوري، وتوأم مدينة طرطوس، والوجهة السياحية التي ما كان لأي سائح يزور المدينة أن يستغني عنها، فأرواد كانت “الملجأ الصغير” كما أسماها الفينيقيون، لكن ورغم احتفاظ الجزيرة باسمها الجميل لم تعد كذلك حتى بالنسبة سكانها!؟

معاناة وآثار الحرب الاقتصادية طالت ملامح الجزيرة، وتأثيراتها واضحة في كل النواحي التي رصدناها في الجولة، ورحلة الذهاب والإياب لأرواد كانت مليئة بالقصص والهموم من سكانها، وفعاليتها الاجتماعية، والاقتصادية، واليوم يغادر الكثير من سكان الجزيرة لأماكن أخرى نتيجة نقص الخدمات، وصعوبة الأوضاع الاقتصادية، وإمكانية الاستمرار بحرفهم ومهنهم التي بدأت بالتلاشي في ظل ظروف الحرب الصعبة، فالسياحة تراجعت، وصيد الأسماك تناقص، وصناعة المراكب تعاني صعوبات كثيرة، أما خدمات الجزيرة فهي بحدودها الدنيا نتيجة الظروف الاقتصادية.

 

الأكثر جمالا

جولة البحر هي أكثر ما يمكنك الاستمتاع به حين تبحر للجزيرة من مرفأ الطاحونة القديم بطرطوس الذي اعتاد سكان الجزيرة الإبحار منه، ورغم وجود منطقة انطلاق أخرى أكثر قربا للجزيرة هي ميناء “المارينا” لكنها متوقفة لأسباب ستتضح لاحقا، وبعد انتظار طويل لاستكمال عدد الركاب ينطلق المركب لوجهته، وتظهر المدينة التي تغادرها كلوحة بانوراميه فائقة الجمال مع الجبال والقرى من خلفها، يحيطك أفق ممتد لمياه زرقاء من كل النواحي باستثناء أرواد التي تبدأ معالمها وصخورها وقلعتها وبيوتها القديمة بالوضوح  شيئا فشيئا إلى أن تصل اليابسة مجددا، ورغم  جمال الجولة السياحية التي يستمتع بها زوار الجزيرة، لكن رحلة الذهاب تلك ليست كذلك بالنسبة للسكان، فهي بداية معاناتهم في الجزيرة فما هي القصة ؟!

 

صعوبات بالغة

قصة إبحار سكان الجزيرة إلى أرواد لا تختلف كثيرا عن معاناة مرتادي قطاع المواصلات في سورية، فالجميع يشكو شح المازوت، وقلة المخصصات، وعدد الرحلات اليومية للجزيرة بات محدودا جدا، ومحكوما بتوفر المحروقات، ووجود الركاب، وكلفة الراكب ارتفعت، ويشرح خالد كاخية منظم حركة المراكب عن معاناة أصحاب المراكب الذين لا يحصلون على ربع مخصصاتهم من المادة، حيث يقول من أصل 200 أو 300 ليتر مخصصة للصيادين، وأصحاب المراكب نحصل على نصف أو ربع الكمية فقط، وهو ما انعكس سلبا، على واقع الجزيرة، وارتفاع كل متطلبات الحياة فيها، ونقص الخدمات العامة، وانتقال السكان للعيش في مدينة طرطوس، فالمراكب هي وسيلة الانتقال الوحيدة، ويضيف متحدثا عن مشكلة أخرى وهي مشكلة مرفأ المارينا القريب من أرواد والذي يختصر مسافة كبيرة على أصحاب القوارب ويوفر مكانا آمنا لمراكبهم في الشتاء، فيقول: بعد أن استبشرنا خيرا بوجود هذا الميناء توقف عن العمل نتيجة تراكم الرمال فيه، ورغم أن إمكانية تأهيله مجددا ممكنة، لكن لا أحد يريد القيام بهذا الأمر، وإذا كنا على استعداد لتحمل كل الصعوبات البالغة في الانطلاق من المرفأ القديم لكننا لن نتحمل المخاطرة في الشتاء وارتفاع الأمواج ما يشكل خطرا على المراكب والركاب فالمطلوب إعادة تأهيل ذلك الميناء مجددا، وهو أهم مطلب للصيادين وأصحاب المراكب، إضافة لتحسين مخصصات المحروقات.

يضاف إلى معاناة التنقل الصعوبات في نقل الحاجيات وتأمينها من المدينة عن طريق المراكب التي تبحر صباحا محملة بكافة المواد سواء الغذائية والتموينية وحاجيات المنازل ومواد البناء وغيرها الكثير، ما يسبب تكلفة إضافية على أسعار هذه المواد نظرا للصعوبات الكثيرة في تأمينها بحسب رئيس البلدة، ويقول سليمان أنه وبعد ازدهار النشاط العمراني في المدينة والسماح للمواطنين بالبناء والترميم بعد تحول أرواد من تراثية إلى سياحية بات هناك العديد من رخص البناء و ازدهر النشاط العمراني  خاصة بعد إصدار المخطط التنظيمي للجزيرة و يتم حاليا منح الرخص وفقه و اذا كان هناك مشكلة ما يتم تعديله من قبل اللجنة لناحية وجود بعض المناطق الأثرية أو السياحية، و أشار سليمان إلى أن كافة المواد التي تنقل إلى أرواد تواجه صعوبة كبيرة في نقلها وخاصة مواد البناء و مستلزماته و التي تنقل جميعها عبر المراكب.

 

أين الأسماك؟!

وإذا كانت الصعوبات التي تحدث عنها أصحاب المراكب متعلقة بالمحروقات وشحها فمعاناة الصيادين مضاعفة، فهم إلى جانب افتقارهم للمحروقات لتشغيل قوارب صيدهم يفتقرون الأسماك أيضا التي أصبح وجودها في بحرهم نادرا جدا، ويتحدث رئيس جمعية الصيادين فاروق بهلوان الذي يسمي بحر طرطوس اليوم بالبحر الميت، فيقول: نعاني اليوم قلة الأسماك والصيد، ويعزو الأسباب أن البحر اليوم أصبح بيئة مناسبة للمعتدين عليه وممارسي الصيد الجائر، والصيد بالوسائل المحرمة “الديناميت” والشباك الناعمة التي تقتل الأسماك الصغيرة جدا (شباك 5ملم)، وتقضي على البيئة البحرية، في ظل غياب القوانين الرادعة والمنظمة للعمل، وصعوبات الوضع الاقتصادي،  ويتذكر الأيام الماضية، التي كان يخرج فيها الصيادون للبحر ويعودون بالخيرات الوفيرة، وكيف كان سكان الجزيرة يستخرجون الإسفنج والمرجان الذي اختفى تماما من بحرنا، فاليوم معظم الصيادين وعددهم 150 مركب مسجل في الجمعية توقفوا عن العمل، ويعتمدون على المساعدات التي تأتيهم من ذويهم في الخارج، والصيد لم يعد تلك المهنة التي تعود بالفائدة على أصحابها فالمطلوب اليوم تنظيم الصيد والحزم في تطبيق قوانينه، وتوفير الدعم للصيادين ليستمروا بالعمل.

 

لا طبيب مناوب

معاناة البحر وهمومه ليست الوحيدة، فمثلها في الجزيرة قصص كثيرة تحدث عنها رئيس بلدية أرواد نور الدين سليمان أثناء جولتنا معه في الجزيرة، ويوضح سليمان: لقاحات الكورونا لما تصل بعد إلينا، مع أننا وعدنا أكثر من مرة بهذا الأمر، لكن المشكلة الأساسية هي في الكادر الطبي فلا طبيب مناوب في الجزيرة، والمستشفى الموجود فيها لا يمثل أكثر من نقطة طبية تقدم خدمات محدودة جدا، فأي طارئ أو حادث يجد السكان أنفسهم مجبرين للتوجه لمدينة طرطوس، وهو الأمر الذي تسبب في مغادرة الكثير، مضيفا: نعمل في ظل ظروف صعبة للغاية ونحاول تحسين الواقع ما استطعنا حيث سيتم العمل على رصف  كورنيش بحري يحيط بالجزيرة، ونعمل على تحسين خدمات النظافة ونقلها في المراكب إلى مكبات ترحيل مخصصة في طرطوس، وهناك تواصل دائم مع الجهات المعنية لتحسين واقع الاتصالات السيء جدا، أما الخدمات الأخرى فهي أفضل قليلا بالنسبة لمياه الشرب، والكهرباء المماثلة لواقع مدينة طرطوس.

 

 

تعليم جيد

التعليم في جزيرة أرواد جيد كما يقول رئيس البلدة مع توفر مدارس التعليم الأساسي والثانوي وتجهيزها بكافة مستلزمات العملية التدريسية و الكادر التعليمي الذي يضطر بعضهم من القاطنين في المدينة مجبرين خلال فصل الشتاء للتغييب عن حصصهم الدرسية بسبب الأحوال الجوية و الأنواء البحرية، لكن هناك غياب كامل لأي نوع من أنواع التعليم المهني والبحري خاصة وأن توجه الطلاب الذكور لمثل هذا النوع من الدراسات و يرحلون إلى المدينة للدراسة في الثانويات المهنية والبحرية، كون أغلب سكان أرواد أصحاب مهن و مسافرين عبرالبحر، ويعملون بالمهن البحرية وعلى السفن و يبين نور الدين سليمان أن هناك توجه موخرا لإنشاء ثانوية بحرية في الجزيرة وسيتم العمل بها قريبا.

 

الجزيرة خاوية!

أما مختار بلدة أرواد خالد بصو الذي التقيناه خلال الجولة فهو يتحسر على البلدة الخاوية من معظم الخدمات والتي جعلت سكانها يهجرونها إلى المدينة أو يسافرون إلى خارج البلد يقول: بعد أن كان سكان الجزيرة حوالي ٢٥ ألف نسمة لايتجاوز عددهم الآن  الخمسة آلاف نسمة، فهناك حوالي ٢٠٠ عائلة تركت الجزيرة بسبب ضعف الخدمات فيها وخاصة الخدمات الصحية تجعل كبار السن في تخوف دائم لحدوث عدة وفيات أثناء نقلهم بحالة إسعافية إلى المدينة و اختصرت الخدمات على مركز إسعافي يقدم الخدمات البسيطة، و يضيف بصو : ٩٠% من سكان الجزيرة يعملون بالصيد وولكن بسبب الصعوبات الكثيرة أمام الصيادين قل الصيد بشكل كبير، في حين أن القسم الآخر مسافرون في البحر، و لأن أواصر المحبة قوية بين أبناء الجزيرة فهم يساعدون بعضهم البعض و المقتدر يقدم الصدقات و المعونات المادية للمحتاجين، و لفت مختار أراود إلى ازدياد حالات الوفاة بشكل ملفت مؤخرا فهو يسجل هذه الحالات في دفتره بشكل يومي واعتبر أنها حالة عامة في البلاد.

 

حرفة تندثر!

ولم تكن حرفة تصنيع المراكب الأروادية في الجزيرة في حال أفضل فالمهنة التي ورثها أبناء أرواد عن أجدادهم الفينيقيين تندثر مع مرور الزمن  وغياب كافة أشكال التسهيلات و الدعم الحكومي لهذه الحرفة التراثية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد الأولية لها و وجود العقبات أمام تصديرها إلى البلدان المجاورة، وإنما تتم هذه المهنة بشكل خجول وبأعداد قليلة، ويشرح الحاج فاروق بهلوان صاحب ورشة لتصنيع المراكب الآروادية  عن الحال التي آلت إليه هذه الحرفة التي لم تورث للأبناء بسبب الخسائر الكبيرة و تغيير ظروف العمل، و عن المعاناة التي تواجههم في تأمين الأخشاب التي تعد المادة الرئيسية في صناعة المراكب و صعوبة نقلها من المحافظات السورية إلى الجزيرة وغلاء أسعارها و تكلفة نقلها بشكل كبير حيث وصل سعر متر خشب ” السواد” إلى أكثر من مليوني ليرة سورية، مع عدم استقرار أسعارها ما يتسبب بخسائر كبيرة، و لفت بهلوان إلى العراقيل الكثيرة عند أي عملية بيع أو تصدير في البنوك السورية تجعل المقبلين على الشراء يعرضون عنها، وخاصة لناحية تحويل الأموال عبر البنوك بالقطع الأجنبي من خارج سورية ، وتبييت مبالغ مالية في المصارف عند أي عملية بيع أو شراء.

 

سياحة .. ولكن!

 

وتفتقر جزيرة أرواد السياحية  تلك الحاضرة التاريخىة التي تشهد لها آثارها  على عظمتها وعلو شأنها تاريخيا من قلعتها الأثرية و البرج الأيوبي و الحمام الأثري و السور الأثري الذي يحيط بها، على  أدنى الخدمات السياحية  التي تجذب السياح إليها بالرغم من الورش و الاجتماعات الكثيرة التي عقدت لإعادة الألق السياحي لها إلا أن هذا الألق يخبو مع الإهمال المتكرر، وخاصة أن سكان الجزيرة أملو أن تنتعش السياحة في البلدة بعد تشييد فندق آرواد منذ أكثر خمسة عشر عاما، ولكن الفندق المزعوم لم يبصر النور بعد بحسب أهالي الجزيرة و إنما مازال خربة مهجورة تنتظر أن يتم البدء بإنشاءه، وتنفيذ توصيات الورشة السياحية التي عقدت منذ سنتين في الجزيرة، وأمل الأهالي إعادة تأهيل الجزيرة و العمل جديا لإشادة الفندق  و استقدام الكروبات السياحية مجددا و تخديم الجزيرة بكافة الخدمات السياحية التي تجعلها مجددا مقصدا سياحا بامتياز