مجلة البعث الأسبوعية

التحطيب الجائر…شاهد على التنظير الرسمي ..وفاتورة الأضرار البيئية تتضاعف

البعث الأسبوعية – ميس بركات

ينبئ المشهد العام بتدهور القطاع الحراجي تدريجياً، إذ لم يعد بالإمكان اليوم إلقاء اللوم الكامل على الجهات المختصّة التي لطالما تجاهلت الأزمات البيئية في سنوات ما قبل الأزمة،  وعلى الرغم من وصول سلسلة الأزمة إلى مراحلها الأخيرة إلّا أن ما رافقها من حرائق وجرائم بحق الغابات لا زال واقعاً قائماً لا يمكن تجاهله، بل على العكس فقد استباح سماسرة وتجار الحطب قدسية الشجرة خلال الأعوام الأخيرة تحت ذرائع توفير الدفء ومصادر الحرارة للمواطنين إضافة إلى التفحيم وغيرها من الحجج التي ساقت غاباتنا إلى التصحر وأصبح واقعها مُتخم بالتشوهات دون قدرة الجهات المسؤولة وحدها على ضبط وأد الأشجار على مرأى من الجميع مع انعدام الشعور بالمسؤولية من قبل هؤلاء السماسرة أو حتى سكان الأرياف ممن ترجح كفة دفء بيوتهم وحمايتها من البرد الذي سينخرها في كل شتاء على كفة حماية الغابات والحفاظ على البيئة الشجرية التي لم يعودوا يستمتعوا بمنظرها ولا بالفيء تحتها.

 

خطة طوارىء

رغم  الضبوط والمحاولات الحثيثة لوزارة الزراعة لقمع ظاهرة التحطيب الجائر وإعدادها خطط طوارئ لدرء الحرائق ، إلّا أن القرى الساحلية لا زالت تشهد في مثل هذا الوقت من كل عام مرور عشرات التجار ممن يجبرون الأهالي على “البازار” لأراضيهم وأشجارهم المعمّرة بهدف قطعها وبيع حطبها بأسعار بخسة تقل عن سعرها الذي يُباع في الأسواق بكثير، إذ تراوح طن الحطب هذا العام بين ال300 ألف وصولاً إلى ال500 ألف حسب نوع الخشب، لتخسر بلدنا غطائها الأخضر عاماً تلو العام، ما يدفعنا اليوم أكثر من أي وقت سابق للخروج من دائرة التنظير والاجتماعات واللقاءات والتصريحات الإعلامية و البحث عن الحلقة المفقودة  بين الجهات المعنية وقطاع البيئة الذي يتراجع للوراء، بغية تخفيف حجم الأضرار والكوارث بحق المناطق المشجرة والتي تظهر للعين المجردّة أضعاف مُضاعفة للأرقام التي ترصدها الجهات المعنية في تصريحاتها.

ضبوط حراجية

وفي سؤالنا لمديرية الحراج في وزارة الزراعة حول الإجراءات المتخذة من قبل المديرية بحق التحطيب الجائر هذا العام أكد علي ثابت مدير الحراج “للبعث” أنه وبناء على ما تقرر في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في الشهر التاسع من هذا العام تم تشكيل فرق عمل من العاملين في وزارت الدفاع والإدارة المحلية والداخلية والعدل والزراعة واتخاذ الإجراءات اللازمة لمراقبة وضبط ظاهرة الاحتطاب الجائر في الغابات والحراج في كافة المحافظات ، وبما يساهم في الحفاظ على الثروة الحراجية وإحالة المخالفين إلى القضاء المختص أصولاً لفرض العقوبات الرادعة بحقهم في ضوء القوانين والأنظمة النافذة، وأشار ثابت أنه من خلال التعاون بين اللجنة الأمنية – النيابة العامة – النيابة العسكرية – أقسام الشرطة – الشرطة العسكرية ومديريات الزراعة والإصلاح الزراعي في المحافظات تم توقيف أشخاص معلومي الهوية و حجز العديد من الدراجات النارية والسيارات وتقديم المخالفون لأقسام الشرطة المدنية والشرطة العسكرية، لافتاً إلى وصول عدد الضبوط الحراجية المنظمة من قبل عناصر الضابطة الحراجية حول مخالفات القطع والتشويه في المحافظات حتى اليوم /1292/ ضبط حراجي، وحول  كيفية التعامل مع هذه الضبوط  أكد مدير الحراج  أنه يتم الكشف على المخالفة المرتكبة من قبل عناصر الضابطة الحراجية كما يتم التحري عن الفاعلين وتنظيم الضبوط الحراجية بحق المخالفين وأخذ أقوال الشهود وإحالة الضبط الحراجي إلى القضاء المختص وإعلام قضايا الدولة بمضمون الضبط وتتم المتابعة والإحالة إلى القضاء المختص من قبل قضايا الدولة والمتابعة من قبل كوادر دائرة الحراج بالمحافظة لحين اكتساب الأحكام، كما يتم سنوياً  تسعير الحاصلات الحراجية كافة ومنها الأخشاب والأحطاب الحراجية والذي يختلف حسب النوع، وفيما  يخص وجود تجاوز سماسرة في القرى الساحلية يتعاملون مع بعض الناس لشراء الحطب  نوّه ثابت إلى وجود أخشاب وأحطاب حراجية مهربة ناتجة عن رخص استثمار نظامية تخضع لعملية العرض والطلب أما الأحطاب والأخشاب الناتجة عن المواقع الحراجية فيتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيالها.

غياب للدعم

الخبير الزراعي سليمان حرفوش تخوّف من الكارثة البيئية التي سنُقدم عليها في حال لم يتم التحرك المدروس والمنظم لإعادة الغطاء النباتي لبلدنا خلال الأعوام المقبلة، فالوضع الراهن لا يقود إلا لخسائر بيئية واقتصادية واجتماعية لا تعد ولا تُحصى، داعياً إلى تعاون جميع الوزارات لحماية غاباتنا لا انتظار وزارة الزراعة وحدها للحد من الكوارث البيئية، ولم يُلق حرفوش اللوم فيما وصلنا إليه اليوم على التحطيب الفردي وسط توّجه الفلاحين وسكان القرى إلى تحطيب أراضيهم والقليل من الأشجار في الغابات إن وصلوا إليها في ظل  غياب الكهرباء والمازوت في فصل الشتاء، إذ لا يشكّل هذا التحطيب 3% من الكوارث التي يُخلفها التحطيب الذي يقف خلفه سماسرة ومجموعات منظمة امتهنت هذه المهنة بعد أن لاقت يد داعمة لها وسند يحميها ، ونوّه الخبير الزراعي إلى حاجتنا لمئات السنين لتعويض الغطاء النباتي الذي خسرناه خلال السنوات الأخيرة خاصة تلك المحميات التي كنّا لا نستطيع رؤية الشمس فيها لكثافة أشجارها  المعمّرة، وتحدث حرفوش عن توجه الكثير من الفلاحين إلى اقتلاع أشجارهم خلال الأعوام الأخيرة بعد خسائرهم المتلاحقة وغياب الدعم الكافي لهم من مستلزمات إنتاج وتسويق، ليتجه فلاحو الحمضيات والتفاح والزيتون إلى قطع مصادر رزقهم والتدفئة عليها بدلاً من بقائها كعبء إضافي على الأعباء المتزايدة عليهم، خاصة مع ارتفاع سعر الأدوية والمبيدات والمحروقات وغيرها من المستلزمات الزراعية بعيدة المنال، الأمر الذي يتطلب خطط طوارئ من قبل الوزارة لإعادة الفلاح إلى أرضه وتحقيق الفائدة لجميع الأطراف.