مؤتمرات اللجان التنفيذية لخصت الواقع الرياضي المؤلم….. وعود بلا جدوى وآفاق مظلمة ومستقبل متخم بالمنغصات
البعث الأسبوعية- ناصر النجار
على مدى أسبوعين أقيمت المؤتمرات السنوية للجان الفنية والتنفيذية ، ومن تابع المؤتمرات لوجد أن الهم واحد والشكوى واحدة، وأن هذه الهموم باتت مكررة بل ومتزايدة، فهموم السنوات الماضية زادت عليها هموم إضافية في هذه السنة تدرج للمرة الأولى بكل جزئياتها وتفاصيلها.
وإذا أردنا البحث عن عناوين رئيسية لما تم استعراضه من آهات في هذه المؤتمرات لوجدنا أن الشق المالي هو العائق الأساسي ولوجدنا أيضاً أن المنشآت عائق مهم يكبل حركة التطور الرياضي ويفسد كل البرامج والخطط.
السؤال المهم الذي نود الإشارة إليه: إذا كان دور اللجان التنفيذية في العملية الرياضية قيادياً ورائداً، فلماذا هذه التنفيذيات أقل قدرة من الأندية على الصعيد الإنشائي والمالي والاستثماري؟.
من هنا تبرز أول أخطاء العملية الرياضية، ومن هنا يبدأ العلاج، فعملياً اللجان التنفيذية لا تملك سلطة على الأندية أو الألعاب الرياضية لأنها أضعف من الأندية بكل شيء ولا تملك أي شيء لتقدمه لهذه الأندية، حتى في الحالة الرقابية فإن التنفيذيات لا تملك الصلاحية في الحل والربط وأكبر مساحة يمكن أن تتصرف بها هي تقديم المقترحات فقط.
لذلك من الطبيعي أن تلجأ التنفيذيات في ردها على كل المداخلات بالوعود، سواء كانت هذه الوعود ضمن إمكانياتها للتنفيذ أو خارج إمكانياتها وصلاحياتها.
فلا تستطيع اللجان التنفيذية التدخل الإيجابي في الرياضة على أي صعيد، فحسب مشاكل الرياضيين وهمومهم وطلباتهم فإن الحلول خارج إطار هذه اللجان وخارج صلاحياتها، وعلى سبيل المثال أي مشكلة مالية غير قادرة على حلها لأنها لا تملك الميزانية القادرة على إسعاف الأندية أو اللجان الفنية، وأي معضلة إنشائية هي خارج اختصاصها بالمطلق، واللجان ليست مسؤولة عن الملاعب بشكل عملي وقد تكون مسؤولة عنها بشكل نظري وهذا الأمر متفاوت بين محافظة وأخرى.
ميزانية اللجان التنفيذية مجتمعة لا تعادل ميزانية ناد واحد فقط، فكيف ستمون هذه التنفيذيات على من هم أغنى منها مالياً وكلنا نعرف سطوة المال وتأثيره بكل المجالات، حتى في اختصاصاتها نجد أنها مقصرة في عملها لضيق ذات اليد بالدرجة الأولى سواء على صعيد التجهيزات أو في سفر الفرق وغير ذلك، وباتت بعض التنفيذيات تشكو من نقص مادة المازوت للمركبات التي تحت سلطتها في سفر فرقها، كما إن التقنين الشديد في المصروف بما يتضمن من إقامة وإطعام طال الفرق الصغيرة، وسبق ل (البعث الأسبوعية) أن تحدثت عن الإقامة الهزيلة للكثير من الفرق في البطولات المركزية بالكثير من الألعاب وهذا حدث في أكثر من محافظة وأغلب الأسباب ضعف السلفة المالية الممنوحة لهذه الفرق.
كذلك لاحظنا نقصاً في تجهيزات الملاعب المسؤولة عنها اللجان التنفيذية والصالات، وكم من ملعب كروي كانت شباكه ممزقة ولم تتمكن هذا اللجان من استبداله لغلاء سعره وهو مثال واحد ليس إلا.
شد الأحزمة
على صعيد اللجان الفنية فالمشكلة معقدة لأن تشكيل اللجان الفنية بات أكثر صعوبة من تشكيل إدارات الأندية لأنه بحاجة إلى توافق بين اللجان التنفيذية والاتحادات الرياضية، ودوماً يحكم هذا التشكيل المصالح وعملية الانتماء وخصوصاً أن للجان الفنية أصوات انتخابية، ومصروف هذه اللجان يقع على عاتق التنفيذيات، ودوماً هناك (نق) من اللجان الفنية حول التجهيزات والملاعب والمصروف وأذن السفر والجواب لم يتغير منذ سنوات وهو ملخص بكلمتين (شدو الأحزمة) ما في ميزانية!!.
لذلك علينا ألا نستغرب التراجع الرياضي في الكثير من الألعاب وعزوف الكوادر عن التدريب في ظل هذه الضائقة المالية التي كبلت كل شيء في الرياضة، وهذه المسألة خطيرة لأن رياضتنا بدأت تفتقر إلى الكوادر التي إما هاجرت خارج البلاد أو اتجهت نحو الأعمال الحرة لتعيش بكرامة، ومؤخراً علمنا أن إحدى التنفيذيات تبحث (بسراج وفتيلة) عن أشخاص تشكل بهم إحدى اللجان الفنية للعبة فردية ولم تجد!!.
على الأغلب فإن مهام اللجان التنفيذية هي مهام إدارية وعملها وظيفي بحت بالدرجة الأولى من خلال مهامها بنقل الأخبار والبلاغات من المؤسسات الرياضية المختلفة إلى الأندية واللجان الفنية، ورفع المقترحات إلى القيادة الرياضية.
حلول مطلوبة
الحلول لتفعيل دور اللجان التنفيذية فهناك الكثير منها وفي أهمها اعتبارها مؤسسة رياضية ذات شخصية اعتبارية تتمتع باستقلال مالي بعيد عن الهبات والتبرعات، ويمكن حل هذا الجانب من خلال منح اللجان التنفيذية مطارح استثمارية كافية لتغطي نفقاتها الكثيرة والضرورية لتكون قادرة على الاضطلاع بالأعباء الموكلة إليها، ومنها ما هو فني يتعلق بمنتخبات الفئات العمرية وبالمراكز التدريبية.
لكن دون مال لا تتوقعوا من اللجان التنفيذية أن تكون قادرة على العمل والتطوير وتنفيذ برامجها وإستراتيجية العمل، والأهم بالموضوع وهو التسويق الذي نفشل فيه حتى الآن، والقضية باتت قضية علاقات عامة جيدة، ومفهوم التسويق علم قائم بحد ذاته، فليس المطلوب من رئيس التنفيذية أن يبحث عن الشركات والفعاليات التجارية والصناعية وغيرها، إنما المطلوب فتح آفاق تعاون مع شركات التسويق القادرة على تغطية النشاطات الرياضية ومتطلباتها، وهذا لا يخص هذه المؤسسة فقط، بل يخص كل المؤسسات الرياضية، وهنا نلاحظ أن التخصص بات مطلباً مهماً يوازي في أهميته الأمور الفنية، فرياضتنا بحاجة إلى اختصاصيين بالإدارة والتنظيم والتسويق والإعلان مثل حاجتها إلى قانونيين ومحاسبين.
فوق القدرة
لنكن واقعيين في توصيف حال المنشآت الرياضية التي تعاني منها الرياضة بكل ألعابها وبكل أنديتها، والحقيقة أننا نمر بمرحلة صعبة للغاية لأن ما تم تدميره في الحرب الكونية على بلدنا يفوق قدرة تحمل المنظمة الرياضية فضلاً عن عمليات الصيانة الضرورية التي غابت في السنوات الماضية للسبب ذاته، وإذا أضفنا إلى هذا وذاك الأسعار الفضائية للمواد اللازمة لإعادة بناء المنشآت أو صيانة الملاعب والصالات التي تحتاج إلى الصيانة فإننا بحاجة إلى مال كثير يفوق ميزانية الاتحاد الرياضي لسنوات، ونحن هنا أمام حالتين، الأولى: هي المنشآت التي كانت ضحية الأزمة وطالها التدمير والنهب والتخريب، والثانية هي التي نجت من أيدي الإرهابيين ، فملاعبنا بلغت حالة يرثى لها من الاهتراء والإهمال والمرافق الصحية فيها في أسوأ حالاتها وهي غير صالحة لاستعمال الرياضيين ومثلها المشالح، وتجهيزات الملاعب في خبر كان، والكلام نفسه ينطبق على الصالات والملاعب الصغيرة المكشوفة متعددة الأغراض، وهذه المنشآت التي نتكلم عنها ليست ضحية الأزمة بل هي ضحية الإهمال والطمع، وكلها تحتاج إلى الاهتمام والأمانة أكثر من أعمال الصيانة.
أما إعادة الإعمار فهي بحاجة إلى أموال وفنيين وعمالة ومال، وهذا الأمر ضمن الظروف الحالية يحتاج لتنفيذه عشر سنوات أو أكثر، مع العلم أن رياضتنا تحتاج أيضاً إلى الكثير من الملاعب والصالات الجديدة.
الحلول في هذا الموضوع كثيرة وجاهزة، لكن نحتاج إلى ليونة في بعض القوانين، ومن الاقتراحات المجدية إدخال المنشآت الرياضية في الاستثمار وخصوصاً تلك التي تحتاج إلى صيانة دائمة ومكلفة.
وهذا الأمر يدفعنا لإعادة النظر بالاستثمار في كل المطارح الاستثمارية، وعلى سبيل المثال فإن مدن الجلاء والفيحاء وتشرين قادرة على حمل جزء كبير من نفقات الرياضة السورية، ملعب العباسيين كلفة إصلاحه كما قيل تتجاوز الثمانية مليارات ليرة سورية، لو تم وضعه بالاستثمار وبني بدلاً منه ملعب جديد في مكان متطرف قليلاً عن العاصمة لحصلنا على ملعب مثالي بشكل مجاني وسنحقق وفرة مالية جيدة.
وكما يقول المثل: (أعط الخباز خبزه) فهذا الشعار يجب أن يكون قاعدة في رياضتنا، دعونا ننشغل في العمل الفني وندع الآخرين في اختصاصاتهم، فقبل سنوات انشغلت الرياضة في صراع كبير بينها وبين وزارة الإدارة المحلية حول المنشآت، ووقتها قال أحد المسؤولين للقيادة الرياضية اهتموا بالبشر ودعوا لنا الحجر، لكن القيادة الرياضية سعت بكل جهدها لتعيد الحجر إلى سلطتها فخسرت رياضتنا البشر والحجر معاً.
فالإعمار والصيانة ليسا من اختصاص أهل الرياضة، لذلك من الضروري البحث عن أهل الاختصاص في هذا الأمر عبر استثمار مفيد يعود على الرياضة بالراحة والفائدة.
في الوقت الراهن هناك إجراءات عديدة من المفيد اتباعها من أجل تحويل الإمكانيات المتاحة إلى إمكانيات جيدة، في أولها البدء بالأولويات، والابتعاد في الإنفاق عن الكماليات من تجديد المكاتب الإدارية وإعادة كسوة الأبنية وما شابه والكثير من الأمور الأخرى التي لا طائل منها.
إضافة لوقف الهدر والصرف غير المشروع في كل المؤسسات الرياضية، ولن يتم ذلك دون تفعيل قانون محاسبة جدي لا يخشى أحداً ولا يساوم أحداً، وهذه النقطة مهمة لأنها توفر على المنظمة أموالاً طائلة تخسرها لغياب المحاسبة، مع إعادة النظر في كل الاستثمارات الحالية وتصويبها مع أسواق السوق بالسرعة الممكنة، على أن تكون القرارات القضائية (إن تم اللجوء للقضاء) في مصلحة الرياضة التي ظلمت كثيراً بهذه العقود، وهنا العودة عن الخطأ فضيلة.
من هذا التوصيف الراهن لموضوع المنشآت الرياضية فإن الوعود التي تطرح في كل المؤتمرات تخالف الواقع والمنطق، والأفضل أن نبحث عن الحلول المجدية بدلاً من إطلاق الوعود الخلبية التي لن تحرك الماء الراكد في منشآتنا.
توسع غير مدروس
هناك الكثير من القضايا الأخرى التي طرحت في هذه المؤتمرات وبعضها تم طرحه في مؤتمرات الأندية واللجان الفنية، ومن هذه القضايا تخصيص الأندية بالألعاب الرياضية من باب إحياء خريطة الرياضة وانتشارها حتى لا تظلم رياضة على حساب أخرى، ومنها مسألة الأندية الكثيرة المترامية هنا وهناك وهي حبر على ورق مع ضرورة بث الروح فيها من خلال إجبارها على ممارسة بعض الألعاب الرياضية، ومنها دراسة واقع المراكز التدريبية وفاعليتها وكذلك البيوت الرياضية والأكاديميات التي انتشرت بشكل فوضوي في كل المنشآت الرياضية.
والقضية الأهم التعاون مع المجالس البلدية في الكثير من المسائل الحيوية كدعم الأندية أو تخصيص أراض لها أو نقل ملكية الأراضي التي تقع عليها الأندية، وكما قيل فإن هذا التعاون بحاجة إلى تحريك بعد أن دخل مرحلة السكون التام.
الغريب في المؤتمرات أنها لم تتطرق على موضوع الرياضة المدرسية ولا ندري ما الأسباب؟، بكل الأحوال كل هذه القضايا بحاجة إلى وقفات متأنية ليتم دراستها بشكل منطقي وواقعي.