مركب فينيقي صغير
“البعث الأسبوعية” رامز حاج حسين
توالت الأخبار وتزاحمت الصور وبعض المهتمين راح يدون هنا سطراً وهناك مقالاً والكثير للأسف كان متهكماً وراء هذا الفضاء الأزرق للتقانات الحديثة، تسرب الفيول الذي وصل إلى شواطئ الساحل السوري كان معضلة بيئية وجمالية تحتاج إلى معالجة واعية، في زحمة كل تلك التداخلات والأخبار برز خبر ضئيل في حجم الكلمات كبير في المدلولات لو أنسط لوقع الحروف لبيب رشيد، الخبر يقول باقتضاب: “أوضح مدير عام المديرية العامة للموانئ العميد المهندس سامر قبرصلي أن زورق مكافحة التلوث يعمل على إزالة بقع التلوث البحري ولكن ليس على المنطقة الشاطئية بل في أعماق بحرية محددة تسمح له بالعمل، ولفت العميد قبرصلي إلى إن زورق مكافحة التلوث البحري (بصرى الشام) والذي تم تدشينه في عام 2005 كانت باكورة أعماله في أسوأ وأخطر الظروف في عام 2006 بعد أن قام العدوان الإسرائيـلي الغاشم بضرب محطة كهرباء الجيّة في لبنان الأمر الذي أدى إلى تسرب مادة الفيول ووصولها إلى شاطئ طرطوس واستمر الزورق بالعمل لأكثر من 15 يوم في المنطقة الممتدة من طرطوس وحتى الحدود اللبنانية عبر منطقة الحميدية وقد أثبت الزورق وطاقم مكافحة التلوث في المديرية العامة للموانئ الجدارة بالعمل في تلك الفترة”.
في بقية بقاع المعمورة يكون هناك تلقف لهكذا قصص لصناعة حبكة خيالية تناسب الطفل واليافع، الخبر يكون بذرة عمل ثقافي مهم –قصة أو سيناريو أو حبكة فيلم- وبعض تلك القصص يتحول إلى أفلام سينمائية لشحذ الهمم وصنع أيقونة البطل بأبهى حلة، ولو سردت أسماء تلك الأعمال أو رحت تعددها لطالت تلك القائمة بين يديك، فمن كارثة بيئية بسبب الإعصار أو البركان أو انهيار سد، إلى وباء فيروسي وجائحة مرضية، إلى ما هنالك من قصص تلهم خيال الكاتب ليصنع لنا بطل نموذجي يكون هاجسه التضحية بالغالي والثمين لافتداء المجتمع الذي ينتمي له بخلاصات تجاربه لمواجهة الخطر الكبير.
الأديبة المهتمة بالطفولة والمشبعة بالانتماء لعالم الخيال سماح أبو بكر عزت –ابنة الفنان الكبير أبو بكر عزت- كتبت قصة عنوانها “قنال لا تعرف المحال” والتي تدور حول أزمة السفينة “إيفرجيفن” التي جنحت في مياه قناة السويس وشغلت العالم كله.. وتحكي عن بطولة المصريين وكيف استطاعوا بمفردهم وبجهود كبيرة تعويم السفينة دون أي مساعدة خارجية في ستة أيام فقط، وهو ما أدهش العالم، كما توضح أهمية قناة السويس دولياً، وتأتي القصة على لسان طفل يتابع كل الأحداث من خلال والده القبطان وصديقه جده القبطان المتقاعد، من متابعتي للمقالات واللقاءات التلفزيونية والإعلامية مع الكاتبة عزت رأيت كمية الفخر والإعجاب بهذه البذرة الناضجة والملهمة في أدب الطفل ومجاراتها للأعمال العالمية التي تستلهم بنائها وحبكتها من بطولة وطنية تتعلق بالانتماء لتراب وطنها والفخر به، وهو أهم اللبنات الأخلاقية التي يجب أن تذخر بها قصص أطفالنا.
بالعودة إلى قصة القارب (بصرى الشام) فهي نواة ملهمة لقصص وقصائد وأعمال مسرحية وأفلام كارتونية يمكن أن تغذي المكتبة الطفلية في سورية لسنوات، بل وتكون نواة عمود فقري لأعمال مشابهة وقصص إلهامية عالية المستوى يكون فيها البطل، مهندس ومبتكر وعامل وفلاح وطبيب سوري وما إلى هنالك من مهن نبيلة تبرز في هذه الفترة.
تذخر السينما العالمية بقصص خيالية تفتقت فيها عقلية الكتاب والمخرجين عن خطر جائحة وبائية تصيب منطقة ما من العالم، فيهرع أطباء نبلاء وخبراء صحة للتضحية بكل ما هو ثمين في سبيل إيجاد العقار والبلسم الشافي لهذا الوباء لصون البشرية من خطر المرض والموت.
علينا التفكير كأدباء للأطفال في سورية بالكتابة عن القصص الإنسانية العالية المستوى لتضحيات الكادر الطبي في مواجهة جائحة كورونا، وما يقدمونه من بذل أرواحهم وتعريضها للخطر الكبير في سبيل إنقاذ أهلهم وذويهم، هذه القصص يجب أن تكون عناوين مسابقات الثقافة الطفلية في كل محفل ومنبر، أما جهاتنا الراعية فحري بها أن تلتفت لهذه العناوين والحض على الإبداع فيها.