مجلة البعث الأسبوعية

تراجع مشاريع إنتاج الفطر المنزلي في طرطوس، والأسباب برسم ظروف الإنتاج الصعبة والتسويق

طرطوس- محمد محمود

 

رغم خطوات تحضيره السهلة، وكلفه المادية البسيطة نسبيا لا يبدو أن مشاريع إنتاج الفطر المنزلي التي بدأ السوريين بتنفيذها منذ عدة سنوات تتجه للانتشار والتوسع في محافظة طرطوس، فالفكرة الشعبية التي اتجه كثير من السكان لتطبيقها بحثا عن دخل إضافي في ظل ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة يمر بها المجتمع تراجعت اليوم، ويدعم هذا الرأي الأرقام التي حصلنا عليها من مؤسسة إكثار البذار في المحافظة، وآراء متنوعة من السكان، رغم تجارب سابقة تكللت بالنجاح في السنوات الماضية من بعض المهتمين والباحثين في زراعة الفطر، فلماذا هذا التراجع.

 

كميات قليلة

خطوات عملية حول زراعة الفطر حصلنا عليها من فرع المؤسسة العامة لإكثار البذار في طرطوس مع شرح علمي وإرشادات تشجع على التجربة الشخصية، حيان عبد الله مدير المؤسسة أكد لنا توافر الأبواغ ذات النوعية الجيدة، وتقديمها بأسعار مشجعة لكل من يود زراعة أبواغ الفطر من المواطنين، حيث يباع الليتر من الفطر المحاري حاليا بسعر 4950 ليرة سورية، في حين أن أنواع أقل جودة تباع تجاريا وبأسعار مرتفعة خراج المؤسسة، وأوضح عبد الله أن المؤسسة وزعت هذا العام 1400 ليتر فقط من بذار الفطر المحاري، ومبيعات الفطر الأبيض بلغت 279 ليتر بسعر 5200، وبرأي عبد الله أن تراجع الاتجاه لمشاريع الفطر هو عدم جدواه الاقتصادية بالنسبة للفطر المحاري المنزلي في حين أن إنتاج الفطر الأبيض المطلوب تجاريا يتطلب كهرباء مستمرة ودرجة حرارة ثابتة، وهو أمر يصعب توفيره في ظل الظروف الحالية بالنسبة لمنتجي الفطر.

ومع مقارنة هذه الأرقام بالأرقام المتوفرة لدينا من أعوام سابقة وتحديدا في العام 2018 نلاحظ تراجعا في الكميات التي وصلت لـ 6391 ليتر من بذار الفطر المحاري والأبيض في ذلك الوقت، وكان التوزيع لفروع المؤسسة في حماة وحمص وحلب واللاذقية، كما أكد عبد الله قيام المؤسسة بدورات توعية في مختلف أنحاء المحافظة بالتعاون مع محافظة طرطوس، إضافة للنشرات التي توزعها المؤسسة للتعريف بزراعة الفطر كون أغلب الزراعات في الفترة الحالية هي زراعات منزلية، مؤكدا على ضرورة النشاط بهذه الزراعات في الأشهر المقبلة، على اعتبار أن زراعة الفطر تتركز خلال الربيع والخريف بسبب اعتدال دراجة الحرارة.

 

تجارب ناجحة

لكن ورغم تراجع هذه المشاريع رصدنا حالات مختلفة لعائلات قامت بتنفيذ تجارب زراعة الفطر ونجحت بتخفيف بعض الأعباء المعيشية في ظل الارتفاع شبه اليومي بأسعار الاحتياجات الأساسية الضرورية لمعيشتهم، حيث أبو وائل أحد سكان قرى طرطوس “بقعو” التجربة التي نفذها مع أسرته منذ أشهر تقريبا مع جيرانه، ويستعرض لهم من خلال بعض الصور التي التقطها على جواله المراحل البسيطة لتلك الزراعات، والصور عبارة عن ثمار فطر محاري بمرحلة النمو تخرج من كيس نايلون شفاف زرع بداخله الأبواغ، ويرى الرجل ضرورة تشجيع كل المهتمين في المجال الزراعي بالتوجه نحو هذا النوع من الزراعة المنزلية التي لا صعوبة في تطبيقها، ولم تعد حكرا على أصحاب الخبرة والاختصاص في مجال الزراعة، فحتى الهواة أيضا باتت لهم تجاربهم الفريدة، ليكون التوسع في زراعة الفطر المنزلي وانتشار تجاربه تجربة تستحق الإغناء في الحديث عنها، ويضيف قد لا تكون التجربة مجدية تجاريا لكنها توفر على الأقل كميات لا بأس بها من البروتين النباتي لعائلتي بسعر وتكلفة مقبولة.

 

دون خبرة مسبقة

وبالعودة للحديث عن الفكرة مع بعض منفذيها من العائلات يتحدث الكثيرون كيف أن الفكرة انتقلت بالتواتر إليهم، ومن خلال السماع بنجاحها عند البعض، حيث يتم التوجه إلى أماكن بيع الأبواغ الضرورية لعملية الزراعة في مديرية الزراعة، والبحث عن الطرق الأكثر نجاحا في طريقة زراعتها وإنتاجها للتطبيق، وتقول المهندسة الزراعية شهد إحدى المنفذين لزراعة الفطر المنزلي كنت مصرة جدا على تنفيذ تلك التجربة بحكم دراستي في مجال الهندسة الزراعية، والرغبة بتحقيق ربط عملي للدراسة النظرية، إضافة لمساعدة أسرتي، فتوجهت لمديرية زراعة طرطوس وأخذت كل المعلومات الضرورية لكن للأسف لم أتمكن من الحصول إلا على نصف نص ليتر من الابواغ الضرورية في عملية الزراعة، وتعاونت مع أخي في تجهيز بيئة الزراعة وفعلا بدأ المشروع دون أي كلف تذكر، وتكمل: الجميل بالأمر أن العائد سيكون بإنتاج كبير خلال فترة قصيرة وكانت النتيجة مرضية “نصف كيلو أبواغ ينتج 3 كيلو فطر”، وكانت سعادتي لا توصف حين نجحت تلك التجربة التي أشجع جميع الأسر على الخوض فيها حتى وإن افتقدوا للخبرة السابقة فعملية الزراعة سهلة جدا ويمكن لأي شخص تعملها ببساطة وتجربتها، واليوم أعدت التسجيل مجددا في مؤسسة إكثار البذار للحصول على كميات أخرى من الأبواغ لكن للأسف فهناك صعوبة دائما بتوفر هذه الأبواغ والحصول عليها، وهناك ارتفاع مستمر بأسعار النايلون والتبن المطلوب لتنفيذ هذه الزراعات، كما أن تسويق المادة في حال توفر إنتاج إضافي صعب جدا!!

 

خطوات عملية

كان من الملفت أيضا أن نجد تجارب أخرى يتحدث أصحابها عن سهولة عملية تلك الزراعة منزليا حتى مع البداية فيها من نقطة الصفر أي عبر الحصول على خيوط الميسيليوم الموجودة في الفطر الناضج وإنتاجها بطريقة منزلية دون الحاجة لوجود مختبرات، وخاصة في أنواع معينة من الفطر كالفطر المحاري أو الصدفي، ويقول علي عباس صاحب إحدى التجارب الناجحة أن كل متطلبات هذه العملية يمكن أن الحصول عليها ببساطة وزراعتها منزليا بطريقة سهلة إذ قام باستخراج خيوط الميسيليوم من فطر محاري ناضج ووزعها ضمن طبقات رطبة من الكرتون ثم وضعها في حافظة بلاستيكية معزولة عن الضوء لمدة 20 يوما، وبعدها قام بالمرحلة الثانية من الزراعة عن طريق توزيع هذه الأبواغ ضمن بيئة من القش أو التبن معقم المعبئ في أكياس نايلون شفافة ثم انتظار مدة 45 يوما ليصبح الفطر ناضجا وجاهزا للطهي أو التحضير، ويؤكد علي على أهمية التعقيم والنظافة في هذه الزراعة ويقول أنها ضرورة للحفاظ على سلامة الفطر، ويوضح الأبواغ السليمة يكون لونها أبيض وأي تغير في اللون يشير إلى عدم صلاحية الفطر، ويضيف هذا التوجه مهم في هذه الظروف الاقتصادية وله مردود اقتصادي لا بأس به بالنسبة للأسر السورية وأنا سأستمر بتلك التجربة.

 

حافز

مثير للاهتمام حقا أن جميع من قصدناهم وقابلناهم من المهندسين الزراعيين والمعنيين في زراعة الفطر المنزلي كانوا مستمرين في القيام بهذه التجارب وتحويلها لمشروعات صغيرة، وإن كانت تلك المشاريع غير مجدية اقتصاديا في ظل الظروف الحالية للأسباب التي تحدثنا عنها سابقا وأهمها ضعف آلية التسويق وعدم توفر الظروف المثالية، وقلة الكميات الموزعة، لكن نجاح التجارب يقدم حافزا إضافيا لأي مقبل على مشروع مماثل للمضي والبدء في مشروعه الصغير المنتج يؤمن حاجات أسرته ويوفر كميات مقبولة من البروتين النباتي للعائلات الريفية في المحافظة.