دراساتصحيفة البعث

“إسرائيل” وسياسية العواء

محمد نادر العمري

حالة من ازدواجية المواقف والتصريحات باتت تسود سلوك المسؤولين داخل الكيان الصهيوني في مختلف المجالات السياسية والعسكرية وحتى الأمنية فيما يتعلق بالموقف من برنامج الجمهورية الإسلامية الإيرانية النووي، وكيفية التعامل معه، وخاصة في ظل الموقف الحالي للإدارة الموجودة في البيت الأبيض ويترأسها الديمقراطي جو بايدن، والتي وفق التقديرات “الإسرائيلية” ليست على استعداد للقيام بأي عمل عسكري ضد إيران، وهذا التقدير بني على ثلاثة مؤشرات، الأول أثناء زيارة رئيس الحكومة “الإسرائيلي” نفتالي بينيت واشنطن ولقائه بايدن الذي حرص على التزام الحلول الدبلوماسية مع إيران. والمؤشر الثاني تمثل في اللقاءات المكوكية الأمنية والعسكرية بين مسؤولي الجانبين الأمريكي و”الإسرائيلي” والتزامهم بردع قيادات الاحتلال على عدم القيام بأي عمل عسكري متهور لن ينتهي بتدخل أمريكي، والمؤشر الثالث الذي برز في تقديرات مراكز الأبحاث الأمريكية والصهيونية على حدّ سواء والتي تؤكد عدم جهوزية جيش الاحتلال لمقارعة إيران، بل ذهبت بعض هذه الدراسات إلى خلاصة رؤية خبراء عسكريين على عدم تحمّل دولة الاحتلال لأي معركة مع إيران وعدم قدرة المناطق المحتلة على تلقي الصواريخ الموجهة إليها وغزارتها، ولاسيما بعد الفشل الردعي لبطاريات الدفاع الجوي الصهيوني “القبة الحديدية” على صدّ ثلث صواريخ حركات المقاومة الفلسطينية في غزة أثناء معركة “سيف القدس”.

فمن ناحية مازالت “إسرائيل” تواصل توجيه الرسائل للعالم برمته عموماً، ولإيران على نحو خاص تتضمن أنها بصدد توجيه ضربة عسكرية للجمهورية الإسلامية بهدف تدمير برنامجها النووي. وفي هذا السياق، تحدث بداية مدير عام وزارة الأمن الإسرائيلية الجنرال احتياط والقائد السابق لسلاح الجو في كيان الاحتلال “أمير إيشيل” كاشفاً النقاب عن أن جيش الاحتلال بات جاهزاً حالياً لشنّ هجوم على إيران، مضيفاً في تصريحه لإحدى الإذاعات الإسرائيلية: “إن الجيش الإسرائيلي مستعد لمهاجمة إيران اليوم ونحن في خضم عملية بناء القوة العسكرية وتحسين قدراتنا”، على حدّ تعبيره.

وقد أيّده في هذا السلوك التصعيدي رئيس الحكومة “بينيت” الذي كشف منذ أيام أن الكيان المغتصب لن يقف مكتوف الأيدي، وأن جيش الاحتلال جاهز للقيام بعمل عسكري ضد إيران لدفعها نحو تقديم تنازلات فيما يتعلق بالتفاوض والشروط المتمسكة بها.

في المقلب الآخر، وبموقف منافٍ لما سبق، سارع القائد السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” الجنرال احتياط في جيش الاحتلال “عاموس غلعاد” والذي يشغل حالياً منصب رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الأمن “الإسرائيلية” إلى تحذير حكومة الاحتلال من مثل هذه السلوكيات أو حتى التصريح بها، لأنه في شقها الأول ستجلب حرباً غير معروفة النتائج للكيان هو بغنى عنها وفق وصفه، ولاسيما أن الولايات المتحدة حذّرت الكيان الإسرائيلي من أن الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية غير مجدية، ومثل هذا السلوك قد يدفع واشنطن للتخلي عن الكيان، مؤكداً: “أنا لا أعلم من الذي هو غير راضٍ، فهل لدينا بديل عن الولايات المتحدة كحليف؟”. وفي الشق الآخر اعتبر عاموس غلعاد أن الاستمرار في مثل هذه التصريحات يعني أن الحكومة الحالية سائرة على خطا حكومة نتنياهو تماماً فيما يتعلق بطريقة تعاملها مع الملف النووي الإيراني، وهو ما سيضعف موقف هذه الحكومة التي تآلفت لإسقاط نتنياهو، فكيف تتبع أسلوبه وهي تتهمه بالفشل بالتعامل مع مثل هذا الملف، فضلاً عن أن إحدى الدراسات التي صدرت عن معهد الأمن القومي الصهيوني نهاية 2020، تؤكد أن إستراتيجية الحكومة السابقة بقيادة نتنياهو والتي تتبعها الحكومة الحالية فشلت فشلاً مطلقاً، لأنها ساهمت في إلغاء الاتفاق وحينها الإيرانيون تقدموا.

حقيقة الأمر الهدف من ذلك التصعيد يمكن أن يضعنا أمام عدة دوافع لها، وخاصة في ظل وجود حكومة في الكيان الصهيوني تسارع لإثبات وتيرة تطرفها:

  • أولاً: الدافع الأول يتمثل بزيادة ميزانية الدفاع العسكرية والأمنية والتي غالباً ما يحصل عليها جيش الاحتلال أو حكوماته المغتصبة من المساعدات الخارجية وخاصة الأمريكية والأوروبية، حيث كشفت صحيفة “هآرتس” منذ أيام، اعتماداً على مصادر رفيعة في الكيان، النقاب عن أن رئيس الوزراء نفتالي بينيت عاقد العزم على زيادة ميزانية الأمن بهدف تحسين وتقوية القدرات الهجومية لجيش الاحتلال والحصول على تسليح أمريكي يعتمد على برنامج إسقاط الصواريخ عن طريق الليزر.
  • ثانياً: استمرار الحصول على تأييد من قبل المستوطنين والحفاظ على التآلف الحكومي ليستغرق عمره المفترض كاملاً، في ظل حقيقة عدم استمرار أي ائتلاف حكومي صهيوني سوى مرتين أثناء الحروب، وسعي نتنياهو وحلفاؤه من المعارضة لنزع الشرعية عن هذه الحكومة داخل الكنيست.

عدا ذلك لا يبدو أن هذه التصريحات ستأخذ طريقها للتنفيذ نحو حرب كبيرة وشاملة في ظل هشاشة قواعد الردع الصهيونية، وهذه التصريحات لن تغدو أكثر من بالونات إعلامية للحصول على المساعدات الخارجية، ولتدعيم شعبية الحكومة واستمرارها، فالمراقب لكل اعتداءات الصهاينة بالمنطقة يدرك بأنها ليست من الكيانات التي تهدّد وتنفذ بل لطالما كانت تقوم بالغدر والقتل والاحتلال دون تحذير، وكثرة تصريحاتها الإعلامية هي أحد المؤشرات على ضعف إمكاناتها الميدانية.