ثقافةصحيفة البعث

تامار شاهينيان وأنطون مزاوي.. تشاركية الخريف الذهبي بالخيوط واللون

كثيرون يعتقدون أن فصل الخريف يثير الكأبة والحزن ويرتبط، بخيط ما، بخريف العمر، وفي المقابل يوجد من يقرأ في الخريف أحاسيس مرهفة ويرى أنه بداية لآفاق جديدة، وهذا المضمون المختبئ بين أوراق الأشجار الصفراء المتساقطة كان رسالة المعرض المشترك “رؤى وانطباعات” بين فنان التصوير الضوئي أنطون مزاوي وفنانة التطريز تامار شاهينيان في صالة “زوايا” في حيّ القصاع.

ينقل المعرض صورة واقعية عن طبيعة الخريف وألوانه المبهرة المتماوجة بين الأصفر والأرجواني والأحمر التي تكتسي الأغصان نصف العارية، وتعكس سحرها مع الضوء على الأرض الترابية، بلقطات متنوعة قريبة وبعيدة ومتوسطة الأبعاد.

وقد أضفت خيوط التطريز اليدوي والإلكتروني في مواضع جمالية إضافية انسكبت على اللوحة عبّر تمازج ألوان الخيوط مع الطبيعة، والملفت تقنية الكولاج لأوراق الأشجار التي وظّفتها شاهينيان بدرامية تعبيرية كما في لوحة الشجرة الكبيرة، ولوحة الطيور المغردة فوق الأغصان إذ أضافت هيكل الطيور بتقنية التطريز الإلكتروني إلى فضاء اللوحة، وكذلك في لوحة الطفل.

ولم يقتصر التطريز على اللوحات فقط، إذ وظّفت شاهينيان الفكرة بطرح جديد من خلال تغليف الأثاث وصنع وسائد صغيرة منحتها طريقة العرض فوق غصن شجرة المزيد من الجمالية.

الربيع الأجمل 

وقد عبّر الفنان أنطون مزاوي عن شغفه بألوان الخريف وعدّه الربيع الأجمل، فصوّر في ريف دمشق جبال بلودان وقرية عين حور وتل منين وحلبون وهريرة ودير مقرن ومعلولا وصيدنايا، وتابع: حاولتُ أن أبحث عن الطبيعة البكر التي لم تخضع لإضافات وتعديلات، وأغلب لوحات المعرض بتقنية الديجتال، وأعمل على أن تكون اللقطة مخرجة حتى لا تحتاج إلى كمبيوتر أو معالجة فتكون شبه جاهزة، وقد تحتاج إلى تعديل بالضوء فقط.

التقاليد الأرمنية 

ويعود شغف الفنانة تامار شاهينيان بالخريف إلى أرمينيا، إذ يحتفل الأرمن بالخريف باحتفالات تسمى “بالخريف الذهبي” وهي من التقاليد الأرمنية، فأوضحت: أنا باللاوعي أعشق الخريف، وأجمل الألوان تكتسي الأوراق قبل أن تغادر أغصانها، وفي خريف عمرنا نكون بكامل استقرارنا وتوازننا النفسي ونضجنا الفكري وبأوج عطائنا، وهذا منحني الكثير من الفرح لنعطي قبل أن نغادر المجال لغيرنا ليزهر، فتجولت مع الفنان أنطون مزاوي بمناطق ريف دمشق، ورأيت بلوحاته التي تنقل انطباعاته وتأثره بالانطباعية الأشجار عارضات أزياء تتمايلن مع جمال الألوان.

أما عن تنفيذ أعمال التطريز فعملتُ بتقنيات متعددة باستخدام أفضل الخيوط والأحبار، في اللوحات طُبعت الصورة على قماش الكانفاس ثم تم التطريز عليها بصعوبة لأنها خامة قاسية ليست مطواعة، بتقارب وتماوج بين قطب وغرزات التطريز اليدوي المتعارف عليه بتطريز براتو، وبين التطريز الإلكتروني في مواضع، وكل لوحة كانت تفرض نوع الغرزة والقطبة التي تتوافق مع تكوينها باستخدام ألوان الخيوط المنوعة المستوحاة من ألوان الطبيعة الموجودة باللوحات.

أما عن تقنية الكولاج وخاصة أوراق الأشجار التي جمعتها فتمت معالجتها بمواد خاصة، ثم طرزت عليها وأضفتها إلى اللوحة بتثبيتها بالخيوط. وفيما يتعلق بالوسائد والمفروشات فتمت طباعة الصورة على القماش ومن ثم التطريز عليها.

وحول اختيارها المفروشات القديمة فبيّنت بأن المشروع الأساسي هو تسليط الضوء على التراث، لذلك اختارت مفروشات من نمط الأرتيكو الذي يعود إلى أربعينيات القرن الماضي، ويتناسب مع روح المكان وبنائه القديم من التاريخ ذاته. الصعوبة كانت بتقطيع الصورة وتطريزها لتغطي ثلاثية البارفان بجمالية تكاملية الصورة.

كيمياء اللون 

حفل المعرض بحضور عدد من الفنانين منهم الفنان نبيل السمان الذي بيّن أن التجربة نضجت أكثر في المعرض الثاني لهما بتحويل الفوتوغراف إلى تقنية ثانية، وأن فهم كيمياء اللون متطور جداً فنرى قيمة مضافة من الفوتوغراف إلى تقنية التطريز، وبتنفيذه بتقنية يدوي ونصف يدوي وتابع بأن خيارات شاهينيان موفقة بالألوان والخيوط وبدخولها عالم الديكور، واليوم صارت هذه الفكرة هامة بتوظيف الفنون التشكيلية بالأثاث وديكورات المنزل، كما استحضر تاريخ انطون المزاوي وهو من أهم فناني التصوير الضوئي في سورية بلوحاته بالأبيض والأسود التي تنم عن قيم الغرافيك العالية جداً، وفي هذا المعرض برع باختيار الزمن وبلحظة التقاط الصورة الغنية بألوان الأصفر وتدرجات الأورانج، لاسيما أن الخريف متميز في سورية رغم تشابه الفصول، ليخلص إلى أن التجربة ناجحة بالتصوير وبالمقاربة من نقل الصورة البحتة إلى الاشتغال عليها بمواد أخرى وهذا مشروع بالفن.

الإقحام الموظف 

أما الفنان بشير بشير فوصف المعرض بأنه معرض عالمي، ورأى في قراءته اللوحات اللون والفكر والموضوع والتكوين وحالة إبهار، إضافة إلى خط غرافيك وحالة إعلانية لكن عبْر اللون وليس البوستر، فاللون من ضمن الموضوع يشد المتلقي إلى حالة تعبيرية واقعية، وفي التصوير دقة عالية بالرؤية البصرية واختيار اللقطة والمكان مع أبعاده، فوظّف الفنان العدسة بطريقة صحيحة، إضافة إلى موضوع الإقحام للوحة من بنائها من خلال اللون والكتلة والكولاج والتطريز بتوازن بين الفنانين بالرؤية وبالفكر وبالتوزيع.

ملده شويكاني