حول الخائفين من الكلمة
د. مهدي دخل الله
الخائفون من الكلمة موجودون في كل مكان ، هنا وهناك وحيثما وليت وجهك في هذا الوطن العربي الكبير المنهك . أن يخاف مسؤول أو تكتل أو حزب من الكلمة فهذه مشكلة ، لكن أن تخاف دولة بكاملها متخذة إجراءات تعسفية ضد دولة أخرى من أجل كلمة ، فهذه مشكلة المشاكل !..
قصة الإعلامي السيد جورج قرداحي قد تدخل في عجائب السياسة وطرائفها . فقد كان الرجل أدلى بتصريح في مقابلة إعلامية اتخذ فيه موقفاً قريباً جداً من موقف الأمم المتحدة حول الحرب في اليمن وعلى اليمن ، ولم يكن عندها وزيراً مسؤولاً ..
قامت الدنيا ولم تقعد حول هذا التصريح الموضوعي . صحيح أن رد الفعل على (( حادثة قرداحي )) كان المقصود منه المقاومة اللبنانية ، لكن اختيار (( الحادثة )) ذريعةً لإظهار موقف مناهض للمقاومة كان غير موفق البتة .
التقييم الموضوعي الحيادي للقصة بكاملها يؤكد أن السعودية أساءت لنفسها قبل أن تسيء للمقاومة ، لأنها أثبتت أن ليس لديها أي سبب مقنع لمواجهة الوجه المقاوم للبنان ، فاضطرت إلى اختراع مسألة واهية .. بل قد تكون مثاراً للسخرية والاستهزاء ..
الوجه الآخر للمشكلة هو الخضوع المعيب الذي أبدته الحكومة اللبنانية تجاه الطلب السعودي المعيب . إنه اعتراف مباشر أن الاستقلال الحقيقي والسيادة الحقيقية مجرد أوهام وشعارات . الاستقلال الحقيقي ثمنه كبير لكن ثمرته أكبر .. إسألونا نحن في سورية عن الثمن والثمرة ..
لا يوجد مثال شبيه في العالم ، وفي التاريخ المعاصر، أن تخضع دولة مستقلة لابتزاز سياسي على مستوى رفيع من أجل كلمة قالها إعلامي بشكل غير مكتوب على شاشة محطة تلفزيونية . لقد ربح جورج المعركة التي خسرها لبنان وخسرتها ، في سمعتها ، السعودية ..
استضعاف لبنان إلى هذه الدرجة يكاد يكون أسوأ من الاحتلال .. ثُم أن يأتي رئيس فرنسي ليس لديه الجرأة أن يسير في شارع الشانزيليزيه فإذا به قد أصبح (( ملكاً متوجاً )) في بيروت ، فهذه قصة أخرى تؤكد مدى عمق الأزمة حول استقلال لبنان . وللمقارنة لا بد من التذكير بدور سورية في لبنان دعماً لاستقلاله . كان جيشنا هناك فترة طويلة ، لكن لم يحدث أن تدخلت سورية في مسار حريات التعبير في لبنان . كان الكثيرون ينتقدون سورية ويشتمونها على المحطات الإعلامية اللبنانية ، لكن لم تتدخل السلطات اللبنانية بإيعاز من سورية لكمّ أفواههم . ذلك لأن أكثر ما يهم سورية هو الاستقلال الحقيقــي والسيادة الحقيقيــة للبنان . في استقلال هذا البلد وسيادته مصلحة سورية والعروبة ، لأن لبنان المستقل السيد سيكون حتماً مع سورية والعروبة وفق قانون طبيعة الأشياء وطبائع البشر ..
موقفان أساسيان ثابتان يؤكدهما الشعب السوري لأشقائه ، أولاً .. ينبغي الالتزام بثمن الاستقلال وقطف ثماره ، وثانياً .. إن الاستقلال الحقيقي لكل دولة عربية هو الطريق الوحيد كي نصبح جميعاً أشقاء بالفعل ..