معرض للخط العربي والتصوير الضوئي والخزف في متحف دمر
ضمن الأيام التشكيلية السورية، افتُتح في متحف دمر للفنون معرضٌ لأعمال الخزف والتصوير الضوئي والخط العربي، إلى جانب ورشة للخط والزخرفة لعدد من الفنانين السوريين والإيرانيين. وترافق افتتاح المعرض مع مناسبة إدراج الخط العربي ضمن قائمة التراث العالمي والإنساني من قبل منظمة الأمم المتحدة “اليونسكو”، حيث يكتبه الملايين من البشر ويتميّز ببديع شكله وقوامه، ويعدّ أحد أهم الفنون العربية والإسلامية ويُحتفى بقيمته البصرية والفنية كنموذج فني وحضاري جليّ وواضح معبراً عن الهوية والأصالة، فكان حامل معرفة وفكر، فضلاً عن قيمته التشكيلية التي تحكمها قواعد محكمة تطورت عبر قرون بفضل أعلام وضعوا هذه القواعد الرصينة والصارمة، وتنوّعت أقلام كتابة ورسم هذا الفن وسُمّيت هذه الأنواع باسمها وتعدّد أنسابها تبعاً لحواضرها ومدنها (الكوفي– الأندلسي والمغربي والنيسابوري)، ومن أنواعه الديواني والثلث باشتقاقاته الجلي والعادي والمحقق ومن بقية الأنواع الرقعة والنسخ والتعليق والقائمة طويلة وتنتمي لعائلة أساسية تتصف بالتجويد والضبط، وقد قال فيه الأقدمون قولاً بليغاً، تغنوا بجماله وطريقة تعلمه ووظيفته ووصفوه بالحسن: الخط الحسن يزيد الحق وضوحاً، الخط هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية، وكتبوا عن الخطاطين وصبرهم في صناعة هذا الجمال: “إنما الخطاطون والخياطون يأكلون من أعماق عيونهم، الخط يبقى زماناً بعد كاتبه وصاحب الخط تحت الأرض مدفون”.
عُرفت دمشق كحاضرة للخط والكتابة والتدوين واشتهرت بخطاطيها الكبار، نذكر منهم الخطاط رسا الذي كتب واجهة الجامع الأموي وعلى بعض جوانبها وبعده ممدوح الشريف وبدوي الديراني خطاط بلاد الشام الذي أسّس لأسلوب جديد في الخط عُرف بالبساطة والسعة بين الحروف وسُمّيت طريقته بالطريقة الشامية في الخط، وتابع بعدهم عدد لا بأس به من الخطاطين المجودين مثل محمود الهواري وأحمد عيد الباري وأحمد المفتي ومصطفى النجار وشكري خارشو وجمال بوستان، وقد تنوعت مجالات كتابة الخط في مهن متعدّدة ساعدت الصحافة ودور النشر على استقطابهم واستنباط خطوط جديدة تناسب كل وظيفة، فكانت اللوحات الإعلانية ومانشيتات الصحف والمجلات وأعمال الزنكوغراف وغيرها، ولكن بقيت مكانة نسخ المصاحف هي الأرفع والأكثر جدارة بهذا الفن الرفيع.
وقد استطاع الخطاط السوري مواكبة تطور التقنيات الطباعية وصناعة الإعلان بتوليف هذه الحروف عبر الرقميات الجديدة وابتكار الجديد من حروف “الفونت” ولكلّ حسب وظيفته، إلا أن جمال الخط اليدوي لا يضاهى مما دفع البعض للتوجّه نحو مساحة جديدة ومهمة وهي إدخال الخط في اللوحة التشكيلية واستلهام الحرف العربي في تأليف جملة بصرية في لوحة تحمل كل مقومات العمل التشكيلي مثلما تحمل مؤثرات البيئة الثقافية في معالمها، فكانت لوحة تشكيلية جديدة ذات هوية عربية.
في المعرض الذي افتتحته وزيرة الثقافة بحضور عدد من الخطاطين، نلاحظ تكراراً لبعض الأعمال المعروضة من السنة الماضية، ومراوحة لبعض التجارب الخطية التي انتهجت مبدأ الحداثة فكانت حشواً لا أكثر، وقد غاب الفهم الحقيقي لمعنى لوحة الخط التقليدية التي تتطلّب التذهيب والزخرفة والتأطير الصحيح، فضلاً عن خامة الورق المعالج بالطريقة التقليدية القديمة، ومن الممكن إغناء هذا الجانب بعرض بعض جوانب صناعة الخط مثل أدواته التقليدية “الحرير الطبيعي والدواة والسكاكين الخاصة والورق بأنواعه”، إلى جانب تعريف بصناعة الحبر لاقتران هذه الصناعة بالخط والكتابة، ونذكر في هذا المقام أنه عُرف في دمشق أحد أجود أنواع الحبر العربي وبقي متوفراً حتى السبعينيات من القرن الماضي، حيث بدأ الخطاطون يستبدلونه بالحبر الصيني والياباني لاحقاً.
وقد غابت عن المعرض أسماء كبيرة من الخطاطين وتمّ الاكتفاء بالعادي والتقليدي، حتى أن أعمال بعض المشاركين لا ترقى لمستوى الهواة، ومثل كل عام في هذا المعرض حيث يحشر معرض الخط مع الخزف والتصوير الضوئي، وحسبي أن في ذلك إجحافاً بمكانة هذا الفن العظيم!.
أكسم طلاع