مجلة البعث الأسبوعية

اللحظة المحورية… العالم في عصر يهتز فيه الغرب منذ إعلانه لـ “نهاية التاريخ”

البعث الأسبوعية-هيفاء علي

مما لا شك فيه أن أحد أبرز أحداث العام 2021 هي جائحة كورونا التي دخلت عامها الثاني على التوالي مع تفاقم الخطر جراء استمرار توالد المتحورات عن الفيروس وآخرها متحور “أوميكرون”.

وبعيداً عن الخسائر البشرية والمادية الكارثية التي خلفها الوباء، فإن العالم يبدو اليوم في لحظة محورية، وفي عصر يهتز فيه الغرب منذ إعلانه لـ “نهاية التاريخ” أثناء تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، من خلال ظهور قوى الشرق التي لا يمكن إيقافها، بما في ذلك روسيا المنتعشة. لقد مرت سنوات قليلة منذ أن تنبأ كتاب فرانسيس فوكوياما ” نهاية التاريخ” الصادر عام 1989 بانحدار الغرب، وعلى الرغم من أن كثيرون كانوا متشككين من هذا الامر، بل ولا يزالون مقتنعين بالخطاب السائد بأنه لا شيء يمكن أن يزعج المسيرة الأمامية للرأسمالية النيوليبرالية المعولمة التي انتصرت على جميع الأنظمة الأخرى، إلا أنه منذ ذلك الحين، أثبتت الحقائق بأنهم كانوا يتوهمون وأن إصرارهم وتمسكهم برأيهم هذا ليس مجرد خدعة إنما عدم كفاءة.

المفاهيم الغربية الخاطئة

بشكل عام، ضل الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة وكل الدول التي تتبع املاءاتها، في السياسة الخارجية والداخلية على حد سواء. وبشكل خاص عندما يتعلق الأمر بشن حروب مدمرة لاقتصاد الدول التي تتبع الأوامر الأمريكية، وللدول التي تشن عليها هذه الحروب، باستثناء حرب العراق حيث عارضها الثنائي شيراك ودي فيلبان بذكاء.

شرع الغرب في “الحرب ضد الإرهاب” التي أعلنتها إدارة جورج دبليو بوش في أعقاب هجمات 11 أيلول 2001. لذلك، عمل الغرب على مدى عشرين عاماً، على تدمير شعوبه ونظامه الاجتماعي لتمويل حروبه الضائعة لأنها تقوم على تلفيق الأكاذيب لتبريرها.

وكما هو معروف في عالم السياسة، فإن السياسة الخارجية لدولة ما هي التي تحدد سياستها الداخلية وليس العكس. بمعنى، الاقتصاد والتمويل هو الذي يملي الخيارات والسياسات تطيعه. لذلك، عندما تقرر حكومة ما خوض حرب ضد دول لم تفعل لها شيئاً سوى أنها سيادية وترفض الاحتماء بعباءتها، يجب ألا يشتكي مواطنو هذه الحكومة من الاضطرار إلى الترحيب بأولئك الذين دمروا كل شيء، أو عندما تقرر إحدى الحكومات فرض عقوبات وحظر على دول أخرى بذرائع كاذبة، فلا عجب أن تغلق أبواب البلدان المستهدفة بعد ذلك وتحرمها من أي اتفاق قد يكون مفيداً لها ولمواطنيها. وعندما ترحب حكومة ما بعقود أسلحة مع ديكتاتوريات مثبتة، فلا عجب أن تفقد كلمتها الرسمية مصداقيتها لفترة طويلة، وتغدو غير مسموعة في الهيئات الدولية، ولا من قبل سكانها الذين لم يعودوا ينخدعون بالعديد من التناقضات والنفاق. وما يمكن فعله بمرور الوقت بسبب الافتقار إلى الشفافية والمعلومات أصبح أكثر صعوبة في عصر الإنترنت، حيث غدا كل شيء معروفاً على الملىء. وبالتالي، أولئك الذين يعتقدون أنهم قادرون دائماً على التصرف في الظل والأكاذيب هم مخطئون، عاجلاً أم آجلاً سوف تتجاوزهم الحقائق.

أفول القطب الواحد

على مدى القرون الأخيرة، ودائماً تحت ذرائع واهية – دينية – تقنية- حضارية- صحية- ثقافية- والتعطش للهيمنة، سرق الغرب واغتصب، ودمر قطاعات كاملة من دول العالم من أجل تحقيق مصالحه الخاصة، وبناء مستوى مرتفع للمعيشة لديه على مذبحة السكان الذين يعتبرهم أقل من لا شيء.

لذلك لم يعد خافياً على أحد أن الأهداف الرئيسية لهذا الغرب المريض والمتعجرف هي الصين التي تنازل لها هذا الغرب عن قطاعات كاملة من صناعته حتى بات غير قادر على الاستغناء عنها اليوم. وكذلك روسيا التي تمضي قدماً بخطى ثابتة نحو القمة، وإيران الخصم الأول لنظام الفصل العنصري في “إسرائيل” المدعومة من قبل أمريكا. لكن خلال العقود الأخيرة تغيرت الظروف، ولم تعد الولايات المتحدة هي التي تملي كيفية سير الأمور في العالم. وهكذا كان على الولايات المتحدة وحلفائها مغادرة أفغانستان، وسيتعين عليها قريباً مغادرة العراق وسورية واليمن. أما فيما يخص إيران، محور رقعة الشطرنج، فلا يمكن المساس بها و “الخبراء” الأمريكيون والإسرائيليون يدركون ذلك جيداً على الرغم من خطاباتهم الخرقاء والجوفاء، فهم لا يجرؤون على خوض الحرب معها والمجازفة بوضع ” إسرائيل” في دائرة الخطر والتي قد ترميها في قمامة التاريخ. الشيء نفسه ينطبق على روسيا، التي سئمت من مناورات الناتو على حدودها ونفذ صبرها منه. أما بالنسبة للصين، فهي بالفعل القوة الاقتصادية العالمية الأولى، والأولى في التعليم، وجيشها بات أقوى جيوش العالم. وبالتالي، كل محاولات التخويف الأمريكية للصين من خلال مسألة تايوان، ستكون محكومة بالفشل، وستكون غير قادرة على كسب أي حرب يمكن أن تهزم الصين حتى لو شكلت تحالف.

وهكذا، فإن كل هذه الدول التي عانت لسنوات طويلة من العقوبات والحصار المختلفة التي فرضها الغرب عليها، تعلمت الاعتماد على نفسها، وشكلت تحالفات قوية بينها، معلنة أفول القطب الواحد، وانطلاق عالم متعدد الأقطاب.

انهيار الغرب

وبالعودة الى الوباء وحملة التطعيم الاجباري والحملة المضادة أي ضد التطعيم، وكمثال على الدعاية القذرة التي يجب التخلص منها تماماً، قام جزء من طاقم التمريض في مدينة مونبلييه الفرنسية بتنظيم أنفسهم كمجموعة، رافضين ابتزاز “التطعيم” لممارسة مهنتهم. ظلوا على اتصال بزملائهم في المستشفيات، وتم تحذير المجموعة من أن غالبية المرضى يتم تطعيمهم مرتين، لكنهم لا يستطيعون سرد القصة وفضح المعلومات تحت طائلة العقوبة. هذا هو الواقع على الأرض في معظم الدول بعيداً عن الادعاءات القذرة والكاذبة للمسؤولين الذين تتعارض أفعالهم مع ما يجب القيام به. وهنا يبرز السؤال حول ماهية الدوافع التي تدفع هؤلاء المسؤولين المتحمسين إلى التصرف بهذه الطريقة، إن لم يكن تضارباً في المصالح يأملون من خلاله في جني الثمار منه لأطول فترة ممكنة، مع استغلال الوضع لزيادة السيطرة على السكان من خلال قوانين قتل الحرية والمراسيم التعسفية؟.

إذاً، ها هو الغرب ينهار ومن كل جانب، ولإخفاء الأمر، يتم العبث بجميع الأرقام، بدءاً من أرقام البطالة إلى أرقام التضخم وعرض النقود ومعدلات النمو والناتج المحلي الإجمالي الوطني، إلى تلك الخاصة بالملقحين. كما أن ديون الدولة تتفجر مع تكلفة الأزمة الصحية التي تخرج عن نطاق السيطرة والمقدرة بـ حوالي 300 تريليون دولار أمريكي على مستوى العالم والتي لن يكون من الممكن سدادها بعد الآن لدرجة أن العديد من الاقتصاديين يحذرون من خطر أزمة اقتصادية أسوأ بكثير من أزمة الثلاثينيات. والخطأ يكمن مباشرة في أن السياسيين يتخذون قراراتهم السخيفة فقط لكي ينسجموا مع أوامر التمويل العالي، فمتى سننتهي هذه العائلات الإجرامية القليلة التي تجعل سكان العالم وحتى الكوكب يجثون على ركبهم؟.

في فرنسا، ستتم دعوة المواطنين للتصويت لانتخابات الرئاسة في غضون أشهر قليلة، وكان الناخبون الفرنسيون قد اخطئوا في الاقتراعات الثلاثة الماضية عندما أطلقوا أسماء على “ساركوزي” الهائج، و”هولاند” المعكرونة، وأخيراً ماكرون “المراهق”. فهل سيكون لديهم الذكاء لاتخاذ خيار أكثر ذكاءً وبديلاً أم أنهم سيسمحون لأنفسهم مرة أخرى بأن يتم التلاعب بهم كما كان من قبل عن طريق “القرف” على أيدي الأشخاص الذين يفسدونهم؟. التغيير الحقيقي على رأس هذه الدولة، المهم بالنسبة للاتحاد الأوروبي، يمكن أن يفتح الباب أمام التطور على المستوى الأوروبي، وبالتالي يتخذ مساراً مختلفاً عن المسار الحالي الذي يقود مباشرة إلى الحائط المسدود. لذلك من الأنسب أكثر من أي وقت مضى التركيز على أجندات المرشحين بدلاً من تصريحاتهم المعتادة.