ثمن المخالفات؟!
دمشق- بشير فرزان
رغم أن الوحدات الإدارية تتقاضى، من خلال الرسوم التي يتم تحصيلها (رسم النظافة مثلاً)، مبالغ لا يستهان بها، إلا أن الواقع الخدمي يدحض أي حديث أو تصريح عن تحسن في أداء ونوعية ما يقدم من خدمات، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل هناك مفارقة كبيرة ومعادلة معكوسة، فكلما زاد التحصيل انتكست الخدمات وتراجعت بشكل كبير، لتبقى التساؤلات والشكاوى عن الواقع الخدمي عالقة في أدراج المجالس المحلية التي لم تعد في غالبيتها تؤدي المهام الموكلة لها كما هو مأمول منها.
لا شك أن الخوض في الإجراءات الإصلاحية لواقع عمل الكثير من الوحدات الإدارية على مختلف مستوياتها وتسمياتها لن يكون مثمراً في رأي بعض أصحاب نظرية “استثنائية الظرف”، وأن هناك أموراً أهم وأسمى كالحالة المعيشية الصعبة، وطبعاً هؤلاء ينطبق عليهم المثل القائل: “لا طال عنب الشام ولا بلح اليمن”، وهناك من يؤمن بأن إصلاح منظومة عمل الوحدات الإدارية يشكّل خط البداية لتحسين الواقع المعيشي والخدمي، وكل ما يتصل بهما نظراً للصلاحيات التي منحها القانون لهذه المجالس في الرقابة والمتابعة والإحاطة بكل ما يتعلق بحياة المواطن، وهنا تتزاحم الأحاديث والتصريحات المشبعة بالمتابعة الدائمة لعمل الوحدات الإدارية، وأخبار محاسبة المقصرين والفاسدين في هذه المنظومة التي تتراكم الأخطاء في سجلات عمل المئات منها، وتضمحل المعالجات والحلول المتخذة بحقها التي تعترضها الكثير من التقاطعات التنفيذية بما يخمد فاعليتها، ويحيل قدراتها الإصلاحية إلى التقاعد المبكر جداً بشكل يعيق إحداث تغيير حقيقي في منظومة العمل الإداري، والفكر المؤسساتي الذي يديرها.
صحيح أن هناك جهوداً مبذولة من قبل وزارة الإدارة المحلية لإعادة بوصلة العمل في هذا القطاع إلى مسارها الصحيح وسمتها المتمثّل بمصلحة المواطن عبر جملة من القرارات المتخذة بحق المخالفين في مجالس المدن وغيرها من الوحدات الإدارية، وتركيزها على تحسين الأداء في القطاع الخدمي، إلا أن ذلك لم يفلح إلى الآن في استرداد ثقة الناس، سواء بالوزارة التي على ما يبدو سقف المحاسبة لديها محدود، أو بتلك الشخصيات أو المجالس التي تعاني من خلل في آليات عملها الذي تحول إلى عمل استثماري اقتصادي يسهم في تضخيم الأرصدة الشخصية بشكل علني دون أن تكون هناك أية رقابة، بل على العكس، هناك الكثير من الأحاديث التي يتناولها الشارع عن شراكات وشبكات عمل عنكبوتية تجمع ما بين مفاصل تسلسلية عديدة في العمل بقصد الانتفاع أو التغطية المأجورة على مخالفات وتجاوزات المجالس على امتداد مساحات العمل الإداري في كل المحافظات، وطبعاً لسنا بصدد الطعن بسلامة ما تم لجهة إعادة تشكيل عدد من المكاتب التنفيذية لأنها لم تكن على المستوى المطلوب لممارسة مهامها الموكولة لها بموجب القانون، أو التقليل من شأن قرارات تعيين مكاتب تنفيذية مؤقتة لعدد من مجالس الوحدات الإدارية التي لم تتمكن من ممارسة اختصاصاتها، والقرارات المتعلقة بإعفاء المحافظين أو رؤساء المجالس المحلية الذين لم يتحلوا بالأهلية والكفاءة لممارسة أعمالهم، ولكننا نحاول أن نستجلب الثقة والتوازن لتلك المعادلة التي نرصد من خلالها عمل 1361 وحدة إدارية: (محافظة، مدينة، بلدة، بلدية)، وعشرات القرارات التي تم اتخاذها بحقها على امتداد فترة زمنية طويلة .
لا شك أن تعميم حكم الإدانة الذي يتم تداوله بحق الواقع الخدمي والأداء الضعيف للوحدات الإدارية، رغم الأخذ بالأسباب المخففة المتعلقة بتداعيات الحرب والحصار، يفرض السؤال أولاً عن المتابعات التي تمت لمن أعفي من منصبه “من مختلف المستويات” لمعرفة مصير مئات الملايين التي كانت ثمناً لمخالفات مختلفة بدلاً من بقاء “الحبل على الغارب”، كما يقال، وفي الوقت ذاته من الضروري البحث في مصير الرسوم التي يتم تحصيلها من الجباة، وكيفية إنفاقها خدمياً واستثمارها لصالح الحياة العامة؟ هذا السؤال بشقيه سيبقى مطروحاً حتى تثبت القرارات، وترصد الرؤى المستقبلية “العكس”؟