استخراج الكنوز… الشخصيات الكرتونية ومصادرها الحقيقية
البعث الأسبوعية- رامز حاج حسين
استلهام ملامح الشخصيات الكرتونية من الواقع المعاش كان ولا زال دأب معظم فناني استديوهات الكارتون العالمية، وحتى استنباط الأفكار الخاصة بكتابة القصص الأولية للمسلسلات والأفلام كان أيضاً يستند في جله إلى وقائع حياتية معاشة تحيط بالمبدع المؤلف للعمل الموجه للطفل.
فأر ديزني المشهور
بدايات الفنان الأشهر في مجال الرسوم المتحركة والت ديزني كانت التعثر ورفض الكثير من أفكاره وشخصياته التي رسمها بمساعدة من بعض شركاء خطواته الأولى، لقد رفضت شخصياته التي استوحاها من الحيوانات الأليفة (ضفدع، حصان، كلب، قطة ، بقرة) وكان في كل مرة يتعرض فيها للرفض يشحذه التصميم والمثابرة لمعاودة الكرة مرة ثانية، حتى جاءت لحظة الإلهام التاريخية حين استلهم تفاصيل شخصية فأره الأشهر مورتيمور –الذي أصبح لاحقاً ميكي ماوس- من ملامح فأر صغير كان يربيه في منزله الريفي، فولدت أشهر الشخصيات الكارتونية عبر التاريخ في ربيع العام 1928.
أما الشخصيات التي تم رفضها في البداية انضمت لاحقاً كشخصيات ثانوية لسلسلة أعمال ميكي ماوس التاريخية.
توم القط النادر
سلسلة توم وجيري الكارتوينة أيضاً تعتبر من الأعمال الخالدة في كلاسيكيات الرسوم المتحركة ولعل المطاردات التي كانت ولا زالت مثار إدهاش لكل الأطفال على مدار الأجيال المتعاقبة ستظل تثري ذائقة الطفولة لأجيال قادمة ولسنوات طويلة، وفي سياق البحث عن أصل فكرة الشخصية الكرتونية ستجد أن المبدع جوزيف باربرا مع زميله وليام حنا استمد ملامح القط توم من نوع نادر من القطط الرمادة المسجلة في عام 1875 والمميزة بلونها الرمادي، وقد كان باربرا يمتلك واحداً من تلك القطط، ولكن للأسف تعرض القط لحادث مؤسف مات على إثره في غرفة تحميض الأفلام الخاصة بالشركة، فقام باربرا بتخليد قطه العزيز برسم ملامح القط توم، ليصبح من أشهر الشخصيات الكارتونية عبر التاريخ الخاص بهذا الفن.
خطأ يتحول إلى إبداع
يقال أنه انتشرت معلومة مغلوطة بطريقة غير مقصودة في الأوساط الثقافية والاجتماعية لفترة طويلة من الزمن، تلك المعلومة تقول بأن نبتة السبانخ الخضراء تحتوي على أضعاف مضاعفة من مادة الحديد المفيد عن أي نبتة أخرى، وكان السبب في تلك المعلومة المغلوطة عن الكمية الهائلة لعنصر الحديد في السبانخ هو أنه في نهاية القرن التاسع عشر قام أحد المختصين بكتابة مقال عن الخصائص الغذائية للسبانخ إلا أنه أخطأ في موضع الفاصلة العشرية لمحتوى عنصر الحديد في السبانخ فبدا وكأن محتواه يفوق أنواع الخضار الأخرى بعشرة أضعاف.
وانتشرت تلك المعلومة انتشار النار في الهشيم لدرجة أن الأمهات باتت لسنوات طويلة تحرص على وضع السبانخ في الكثير من الوجبات الغذائية لأولادهم الصغار، وانتقلت تلك الحمى للأوساط الثقافية حتى وصلت إلى صناع المسلسل الكرتوني الشهير (باباي) الذي بنيت فكرته على بحار شجاع يتعرض لمخاطر وأهوال ومكائد يتجاوزها كلها بمجرد تناوله لعلبة من السبانخ المطبوخ. تحولت الغلطة التاريخية إلى حقيقة مترسخة في ذهنية الصغار وعلى مدى العديد من السنوات وأصبح باباي رمزاً للغذاء السليم وتناول السبانخ، كما أنه لم يعد بالإمكان محو تلك المعلومة من ذهنية تلك الأجيال.
طفولة في خريف العمر
الكاتب (جون كولهين) أبدع العديد من الكتب الخاصة بأفلام ديزني ومن أميزها كان كتاب فيلم فانتازيا 2000 الذي احتوى على العديد من التماهيات البصرية للشخصيات مع مقطوعات موسيقية خالدة لكبار الملحنين العالميين، فكان العمل تحفة من تحف ديزني الخالدة، ولتكريم الكاتب نفسه فقد قام صناع الفيلم برسم ملامح شخصية الزوج في مقطع (جو الطائر) من ملامح الكاتب جون نفسه فكان طفلاً في جسد رجل مقموع من قبل زوجته مرغريت ويحاول التخلص من سطوتها ليتخلص أخيراً بطريقة تشبه التحليق عالياً، ما أذكره أن الكاتب زار دمشق في مستهل الألفية الجديدة مع فيلم فانتازيا حين تم عرضه في سينما الشام آنذاك وكان الكاتب جون يصعد لخشبة العرض السينمائي ليتفاخر كالطفل بأنه أصبح شخصية كارتونية وأيقونة من أيقونات ديزني، وكأنه يمتلك جناحي جون الكرتوني نفسه ويخفق لنا بذراعيه تماماً كما تفعل الشخصية الكرتونية في العمل، لتلك الدرجة من التماهي قد يصل الأمر بالمبدعين في مجال صناع محتوى فكري عالي المستوى للأطفال.
كتابة الطفل تشبه غبار السحر والرسم هو تلك العصا التي تحرك ذلك الغبار.