مجلة البعث الأسبوعية

المرأة والإبداع المسرحي

البعث الأسبوعية- سلوى عباس

لم يدخل الفن المسرحي في سجال التمييز بين الإبداع الذكوري والأنثوي إنما حضرت فكرة الخصوصية كعامل يسم عمل المرأة بطابع معين في العمل المسرحي، ففي عشرينيات القرن الماضي ظهر مسرح نسوي وفرق نسوية رصدت أسباب نشوء هذه الفرق كون المسرح ظهر مع تشكل الحركات النسائية وأبرزت تطور هذه الحركات عبر مراحل زمنية تجلت المرحلة الأولى عندما أصبح عمل المرأة ضرورة تفرضها العوامل الاجتماعية والاقتصادية، وهنا ازدادت مشكلة المرأة ومعاناتها داخل البيت وخارجه وكانت تجارب تلك الفترة بسيطة اعتمدت موضوعات تطرح هموم المرأة وتناقش وضعها وقضيتها.

في المرحلة الثانية ومع تغير شكل العمل السياسي والاقتصادي أخذ عمل المرأة منحى إيجابياً في البحث عن حلول لهذه المشاكل وإجراء عملية التغيير، وبالتالي كان المسرح يقوم بتطوير أدواته ووسائله فرأت المرأة نفسها أمام متغيرات فرضت عليها الدخول في حركة المجتمع، وشاركت أطره السياسية في نضالها فارتقت بعملها في المسرح وتوسعت محاور الموضوعات التي طرحتها مثل التحريض الثقافي للمرأة والبحث في المسرح كمحاولة لكسر النماذج التي يطرحها الرجل، إضافة لطرح لغة جديدة تفجر الطاقة الإبداعية لدى المرأة، وارتقت بأشكال طرحها لقضيتها، ليس كقضية مطروحة في المسرح، بل انتقلت لتبني هماً مسرحياً، وفي نهاية السبعينيات لم تعد مشكلة البحث عن الهوية هاجساً عند المرأة فبدأت الفرق النسوية بالانحسار وتقوقعت على ذاتها كرد مباشر على طروحات الرجل، ورأت نفسها تنخرط بصيغة أكثر وعياً وإدراكاً في العمل السياسي مما أعطاها هامشاً من الوعي والإدراك لدور المسرح وأهميته بآفاق أوسع بكثير من الخصوصية التي تقوقعت عليها، وبعد الثمانينيات انحسرت معظم الفرق المسرحية وظهر مسرح تقوده امرأة وساهم فيه الرجل فاتسعت دائرة مضامينه ونصوصه واشتملت على قضايا المجتمع عامة.

في الوطن العربي لم تعرف ظاهرة مسرح نسوي بل عرفت أشكال من نشاطات نسائية كانت غالباً تابعة لجمعيات نسائية كجمعية “يقظة المرأة الشامية” والتي تأسست عام 192 وقد أوجدت نشاطاً مسرحياً من مجموعة من الفتيات وأعلنت مفهومها للمسرح والعمل المسرحي ودوره في التعبير عن قضايا وهموم المرأة، كما بدأت المرأة بتشكيل لجنة من الفتيات تمارس تمثيل الروايات التاريخية واللقطات التي تتوافق مع القيم الأخلاقية والتقاليد الاجتماعية السائدة آنذاك، وكانت النساء التي تعمل في المسرح هي معظمها من الشريحة القريبة من البروليتاريا، وفي ذلك الوقت كان عمل الرجل بالمسرح مرفوضاً من قبل المجتمع، ومنذ منتصف القرن العشرين وحتى الآن سجلت المرأة حضوراً كبيراً وكثيفاً على المسرح ليس كممثلة فقط وإنما كناقدة ومخرجة وانقسمت الفرق المسرحية إلى قسمين: قسم استطاع أن يستمر بعد أن غيّر بيئته أي “مسرح مؤلف من رجل وامرأة”، وظهرت أسماء نسائية هامة من خلال فرق مسرحية أثبتت المرأة فيها تميزها ليس كخصوصية، وإنما لما تتمتع به من خصوصيات وميزات فكرية ومعرفية تخدم عملها ومشروعها.

في سورية لدينا تجارب مسرحية نسائية ناجحة جداً ربما مردها أن المرأة لم تنطلق في العمل المسرحي من خصوصيتها كأنثى، بل عبّرت عن فهمها للعمل المسرحي من خلال التزام اجتماعي سياسي عام، وبالتالي نرى النصوص التي انتقتها كموضوعات لعروضها المسرحية إنما يفرضها هاجس آني تقع تحت تأثيره تمليه عليها قضية راهنة وملحة، وغالباً يكون هاجس فكري وجمالي وقضية المرأة يمكن تناولها كجزء من قضايا هامة في المجتمع، ولكونها امرأة اكتسب الموضوع بعداً حساساً هاماً أكثر وكان تعاملها مع الممثل تحكمه منطلقات كيفية سبر دور هذا الممثل سواء كان أنثى أم ذكراً، وكيف يعبّر عما يعتمل بداخله وإحساسه، والحالات المختلفة التي يمر بها.

أما المتاعب والإشكالات التي قد تتعرض لها المرأة في العمل المسرحي فتتعلق بالمهنة بحد ذاتها وليس لأنها امرأة تعمل في المسرح، وإذا كان هناك إحساس بخصوصية ما فهي خصوصية مهنة التمثيل والإخراج وليس خصوصية الجنس، بعيداً عن تكريس الفصل بين عمل المرأة وعمل الرجل، فالانفتاح بين بعضنا البعض يسهم في رفد حركة المسرح والفنون جميعها والانطلاق من نظرة ضيقة إلى آفاق أفضل وأرحب.