مجلة البعث الأسبوعية

بين التضخم وآثاره السلبية وإعادة هيكلة الدعم رفع الدعم عن المشتقات النفطية خطوة مفصلية تضع الحكومة على المحك..

البعث الأسبوعية – فاتن شنان

أثار التوجه الحكومي المتبع لرفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية لتضاهي الأسعار العالمية، موجة من الآراء المتباينة، فبعض الخبراء حذروا من منعكساتها السلبية على الوضع الاقتصادي الراهن الذي يستوجب تقديم الدعم للنهوض بواقعه ودفع عجلة الإنتاج المحلي لاجتياز مطباته وخضاته، والبعض الآخر بيَّن جداوها في حال ربط الخطوة بخطوة أخرى تصب في مصلحة الفئات الأكثر احتياجاً والأقل دخلاً لتحقيق توازن نسبي بين أفراد المجتمع وتخفيف آثار التضخم الحاصلة من جراء تلك الخطوة، وليبقى السؤال المطروح حالياً هل فاضلت الحكومة بين التضخم الناتج عن رفع أسعار المشتقات النفطية والتضخم الناتج عن التموّل بالعجز والذي قارب ثلث الموازنة العامة؟!.

تناغم مفقود ..

يجب على الاقتصاد أن يكون متناغم حتى تأتي الخطوات المتخذة من قبل الحكومة بنتائج مقبولة، هكذا علقت وزيرة الاقتصاد السابقة الدكتورة لمياء عاصي على السياسات المتبعة، إذ أن رفع أسعار المشتقات البترولية “البيزين والمازوت” إلى مستوى يضاهي الأسعار العالمية منعاً للفساد، يجب أن يسبقه خطوات هامة تمنع منعكساته السلبية، وتتمثل بأن يكون متوسط الدخل المحلي كخطوة أولى يضاهي معدلات الحد الأدنى للأجور العالمية -على الأقل- لاسيما وأن رفع أسعار الوقود ينعكس بشكل مباشر على تكاليف الإنتاج والمحاصيل الزراعية، فالوضع الراهن يكشف معاناة المواطنين من ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم كفاية الرواتب والأجور الشهرية لتلبية الاحتياجات الأساسية للمعيشة، حيث هناك نسبة كبيرة من الأسر هذا حالها، متسائلةً كيف سيكون الحال إذا ما تم رفع أسعار المشتقات البترولية للمستوى العالمي؟!.

لا بد من..

في المقابل تعتبر هذه الخطوة بمثابة محاولة من قبل الحكومة لتخفيف فاتورة الدعم التي أثقلت كاهل الموازنة العامة للدولة، وأثرت سلباً على ارتفاع نسبة العجز المالي في موازنتها، ولكنها من المؤكد ـ حسب عاص – أنها سترفع مستوى التضخم من جهة، وترفع معه معدل الفقر من جهة أخرى، الأمر يحتم وجود كلف اقتصادية واجتماعية خطيرة جداَ على المجتمع والاقتصاد معاً، لذلك لا بد من وجود خطوات بديلة لإنقاذ الاقتصاد الوطني بعيداً عن رفع الدعم حالياً، ومجموعة سياسات كثيرة جداً لا يمكن اختصارها بخطوة أو اثنتين، بل يجب أن تكون كأحجار لوحة الفسيفساء كل منها يكمل الصورة ولو كانت بمردود قليل، يسبقها اعتماد سياسة أساسية أولوية من شأنها رفع القوة الشرائية للمواطنين ولو بشكل تدريجي.

لا أعتقد…

وفي معرض جوابها عن معادلة المفاضلة بين التضخم الناتج عن رفع أسعار المشتقات النفطية والتضخم الناتج عن التموّل بالعجز والذي قارب ثلث الموازنة العامة، بينت عاصي أن الحكومة اتخذت قراراً بتجنب المزيد من التمويل بالعجز الذي يرفع حكماً معدل التضخم، وقد تكون درست بشكل دقيق آثار التوجه المتخذ لرفع أسعار المشتقات النفطية اقتصادياً وبالأخص على فاتورة الدعم وتقليلها لتخفيض العجز المالي، لاسيما أن التمويل بالعجز له محاذير كبيرة وأثر مباشر على معدل التضخم، الذي يعمل كغول يزيد الأسعار ويلتهم القدرة الشرائية للمواطنين، أما فيما يتعلق بانعكاس رفع أسعار المشتقات البترولية على الاقتصاد المحلي، فلا أعتقد والكلام لـ “عاصي” أن الحكومة أجرت دراسة لآثارها الاقتصادية سواء بما يخص زيادة تكاليف الإنتاج كافة أو رفع مستوى التضخم أوتفاقم مستويات الفقر والعوز.

لا يقارن…

من جهته أكد الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد إن التسريبات الحكومية حول رفع سعر المشتقات النفطية الى الأسعار العالمية ومنح المستحقين للدعم بدلاً نقدياً، من شأنه تخفيض نسبة العجز المالي في الموازنة بشكل أو بآخر، وهذا الأمر يتوقف على نسبة المستبعدين من الدعم، فقيمة دعم المشتقات النفطية تبلغ نحو 2700 مليار، وبالتأكيد سيتحول جزء من هذا المبلغ لدعم نقدي، وبعضه الآخر سيلغى فينخفض العجز بذات القيمة، أما الإشكالية الأساسية فتبقى في المفاضلة بين نتائج التمويل بالعجز ونتائج رفع أسعار المشتقات النفطية والذي يتطلب دراسات وافية، متسائلاً هل يتم انفاق كافة الاعتمادات الجارية والاستثمارية بالفعل ويتحقق العجز المقدر أم لا ؟، ليبدو أن الجواب يكمن بترشيد بعض بنود الانفاق الجاري الذي قد يسهم في تخفيض العجز، وبالتالي تثبيط آثاره التضخمية، أما رفع الدعم عن المشتقات النفطية، فأثرها سريع ومباشر جداً على مستوى التضخم في الاقتصاد، وهذا لا يقارن بأثر العجز على التضخم لاسيما في ظل غياب بيانات دقيقة وصحيحة كي نستطيع إطلاق حكم منطقي ودقيق والكلام لـ”محمد” الذي طرح مثالاً على منعكسات القرار الحكومي الذي تم بموجبه رفع سعر ليتر المازوت في صيف عام  2021 من 180 ليرة إلى 500 ليرة لغايات النقل والتدفئة، إذ ترتب عليه ارتفاعاً بالأسعار قدر بحده الأدنى 15٪ إن لم يكن أكثر، فماذا سيكون عليه الحال إذا ارتفاع سعر ليتر المازوت اليوم إلى 2000 ليرة وارتفع كذلك البنزين والغاز..؟!.

الأقل أهمية..

في الضفة المقابلة هناك من أكد أن إعادة الهيكلة في بعض بنود الدعم للاستفادة منه في بند آخرـ وهو ما ينسحب على توجه الحكومة لرفع الدعم التدريجي للمشتقات النفطية ـ هو توجه مفروض في ظل  ضعف الإيرادات المالية الحالية من جهة مقابل ثقل الالتزامات المطلوبة من الحكومة من جهة أخرى، إذ بين الخبير الاقتصادي الدكتور هيثم عيسى أن هذا التوجه الحكومي بدأ بتعديل أسعار بعض المواد لتوجيه الوفر المحقق لدعم الرواتب والأجور الشهرية، فمع كل قرار صدر سابقاً لتعديل أسعار المشتقات النفطية تبعه قرار لزيادة للرواتب الشهرية لاحقاً، وافترض عيسى أن الحكومة توجهت لتعديل أسعار المشتقات النفطية كونها السلعة الأقل أهمية في قائمة السلع المدعومة بالنسبة للفئات المدعومة، فالمفاضلة بين الخبز والسكر والأرز من جهة والمشتقات النفطية من جهة، تكون الأخيرة ـ أي المشتقات ـ هي الأقل أهمية وأخف ضرراً على المواطنين بشكل عام، لاسيما وأن الحكومة تستطيع حساب الوفر المحقق بشكل دقيق من تعديل أسعار المشتقات النفطية لامتلاكها حجم الاستهلاك اليومي له.

خيار سلبي..

وأوضح عيسى أن تعديل أسعار المشتقات النفطية يؤثر بشكل مؤكد على كافة الفئات في المجتمع ولكن أثره محدود على الفئات الأقل دخلاً مقارنة مع الفئات الأخرى المتمكنة اقتصادياً، ويعالج هذا التأثير عبر دعم في جوانب أخرى أو زيادة في الرواتب، مشدداً على ضرورة ربط النقاط ببعضها لتخفيف الأثر الحاصل من جراء رفع الأسعار للفئات الأقل دخلاً، وفيما يتعلق بالمفاضلة بين التمويل بالعجز وبين رفع أسعار المشتقات النفطية للأسعار العالمية، أوضح عيسى بالقول: منطقياً، يعدُّ رفع أسعار المشتقات النفطية إثارة للتضخم كونه يرفع جزء من أسعار السلع والخدمات المقدمة من جهة، والمشتقات النفطية تستخدم كمدخل في عدد كبير من المنتجات الأخرى من جهة أخرى، وعليه فإن ارتفاع أسعارها تزيد نسب التضخم ولكن هذا يبقى أفضل من التمويل بالعجز كونه خيار سلبي وليس له أثار إيجابية وإن كان لتحسين الدخول كون التضخم سيساهم في تآكلها لاحقاً.

الأفضل من ذلك..

الحل الأفضل من الطروحات الحالية هو اعتماد الدولة على زيادة ايرادتها الحقيقية من أملاكها ضمن مؤسسات القطاع العام وتحويلها إلى مؤسسات رابحة تعالج خساراتها المتلاحقة وبالتالي رفد خزينة الدولة، فالاهتمام بإصلاح القطاع العام جزء من الأدوات التي من المفترض استخدمها اليوم لتحقيق ذات الأهداف دون رفع الدعم عن المشتقات النفطية أو التمويل بالعجز.