مجلة البعث الأسبوعية

ماذا يقـول القانـون الدولـي بصـدد الأزمـة في أوراسيـا

 د. مهدي دخل الله

وصلت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة إلى مستوى من التوتر غير مسبوق . وهناك من يتذكر اليوم أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا عام /1961/ مع فارق مهم أنه في ذاك العام كان ساكن البيت الأبيض رئيساً لديه من الحكمة ما يكفي لإنقاذ السلام اسمه جون كندي . اليوم لا يمكن لأحد أن يدّعي بأن جون بايدن قريب من الحكمة . الأمل اليوم في حكمة ساكن الكرملين ، الرئيس فلاديمير بوتين .

بدأ جون بايدن بتوتير الأجواء عندما أعلن أنه سيتابع مشروع أوباما – الذي توقف في عهد الجمهوري ترامب – وهو توسيع الناتو شرقاً باتجاه الحدود الروسية مباشرة ، أي ضم اوكرانيا للحلف ، وبعدها ربما فنلندا .

ومن المهم التذكير أنه عندما كان دور روسيا العالمي ضعيفاً استطاعت الولايات المتحدة توسيع الناتو ليضم استونيا و ليتوانيا و لاتفيا وبولونيا و رومانيا و بلغاريا لتشكل مع تركيا طوقاً حول روسيا . وعلى الرغم من أن هذه الدول قريبة جداً من روسيا إلا أن الناتو لم يصل إلى الحدود الروسية مباشرة ( باستثناء استونيا ولاتفيا ) ، بقيت فنلندا وأوكرانيا عازلاً بين الطرفين .

اليوم ، روسيا ليست كما كانت قبل عقدين أو ثلاثة . أضحت قطباً مواجهاً للقطب الأمريكي على الرغم من أن القطب الأمريكي أكثر استقطاباً لأنه يشمل أوروبا . إن المؤشر الأهم في الأزمة الراهنة في أوراسيا هو أن أحادية القطب انتهت تماماً .

إن تطبيق معايير القانون الدولي على الأزمة الحالية حول أوكرانيا يوضح الآتي :

الموقف الأمريكي يستند إلى مبادئ القانون الدولي ، وخاصة مبدأ السيادات المتساوية للدول . وعليه فإن أوكرانيا دولة مستقلة ذات سيادة ومن حقها أن تنتسب لأي حلف تريده . الأمر نفسه ينطبق على فنلندا و مالدوفا و جورجيا و غيرها …

الموقف الروسي يستند إلى مبدأ آخر من مبادئ القانون الدولي ، وهو مبدأ الاتفاقيات الدولية التي تلزم الموقعين عليها . وبالفعل إن الالتزام بالاتفاقيات قوي لأن الاتفاق ناتج عن السيادة أصلاً ، فهو قرار سيادي لأن الدولة التي تنتهك الاتفاق تنتهك سيادتها في الجوهر ..

الاتفاقيات بين الدول الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي تنص على مفهوم الأمن المشترك والشامل الذي يعني أن أمن أي دولة مرتبط بأمن الدول الأخرى الأطراف في الاتفاق . ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي تضم دول أوروبا كلها ، بما فيها أوكرانيا وروسيا ، كما تضم الولايات المتحدة وكندا ..

دول منظمة الأمن والتعاون الأوروبي اعتمدت في استانبول /1999/ مبدأ الأمن المشترك ، وقد جاء في وثيقة استانبول النص الآتي : ” إن أمن أي دولة عضو في المنظمة مرتبط ارتباطاً كاملاً بأمن كافة الأعضاء الآخرين ، وسننظر جميعاً إلى الأبعاد الاقتصادية والعسكرية والإنسانية للأمن ككل متكامل ” . إنه كلام واضح يؤكد أن القانون الدولي المستند إلى الاتفاق السيادي الجماعي يدعم الموقف الروسي المطالب بعدم توسيع حلف الناتو لأنه يضر بالأمن الروسي أي بمبدأ الأمن المشترك . علماً أنه تم تأكيد مبادئ وثيقة استانبول في أستانا عام /2010/ .