المنغصات تلاحق المواطن على مدار الساعة أداء نمطي عقيم .. ووعود بالجملة .. والحلول بالمفرّق!!
البعث الأسبوعية – غسان فطوم
لو سألت اليوم أي مواطن سوري، سواء كان عاطلاً عن العمل، أو موظفاً في القطاع العام أو الخاص وحتى الذين يعملون في مهن حرة، وصولاً إلى الصناعيين والعاملين في التجارة والزراعة وباقي القطاعات الإنتاجية الأخرى ستجد جواباً واحداً مشتركاً بخصوص تقييمهم للأداء الحكومي يمكن اختصاره بكلمتين “أداء عقيم” وذلك على مدار سنوات الحرب التي شهدنا فيها تبديل أو تغيير ست حكومات كلها مجتمعة لم تستطع أن تخرج من تحت عباءة الأداء النمطي الكلاسيكي في إدارة الأزمة وكأن الحلول انعدمت والتفكير خارج الصندوق أمر بات مستحيلاً!.
منطق التجريب!
الملاحظ وبوضوح أن القرارات الخاطئة أو الكارثية – كما يحلو للمواطن وصفها- لم يكن يتوفر فيها بديهيات العمل الإداري المتمثلة بالتخطيط ولو لمدى قريب، والدليل أن الحكومة لدغت من الجحر مرات عديدة ولن تتعلم، لأنها اعتمدت منطق التجريب في إدارة الأزمة بعيداً عن التخطيط السليم والبرامج المدروسة بعناية لكل قرار أو خطوة تقوم بها، والمؤلم أن شماعة “الحرب والعقوبات الاقتصادية” كانت دائماً حاضرة للتبرير!، حتى بات ذلك مادة للتندر على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل المواطنين.
يقول الدكتور سامر المصطفى عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق أن مشكلتنا في صنع القرار تكمن في أن أغلب من يتخذونه يجهلون، أو ليسوا على دراية تامة بعملية صنعه بدءاً من تحديد أسباب المشكلة مروراً بجمع المعلومات، وصولاً إلى الحلول المناسبة أي الهدف المرجو من القرار، مع ملاحظة عدم توفر بدائل مناسبة في حال فشل القرار، وبذلك يتضح لنا حسب “المصطفى ” غياب البيئة المناسبة لاتخاذ القرارات الصحيحة نظراً لعدم توفر المعطيات الحقيقية وفق الإمكانات المتوفرة والمتاحة قياساً بظروف الحرب!.
تعاطي سطحي!
ولم يذهب طلبة الإدارة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق بعيداً عن كلام الدكتور “المصطفى”، فمن وجهة نظرهم أن من يضعون السياسات التنموية والحلول للمشكلات ويتخذون القرارات افتقدوا للتخطيط الحقيقي في رسم المستقبل وتحديد الأهداف، والدليل ما حدث منذ أيام فيما يتعلق بقرارات الدعم، حيث لاحظنا كم الأخطاء التي تسبب فيها تسرّع متخذوا القرار، أمام ذلك ومن خلال هذا الأداء النمطي لذلك أمر طبيعي أن تستمر المنغصات وتتراكم المشكلات وفق هذا التعاطي السطحي مع معاناة الوطن والمواطن!.
السلة المثقوبة!
من يتابع تصريحات الحكومات المتعاقبة نجدها كلها عزفت على نغمة الوعود وخاصة ما يتعلق بالوضع الخدمي والمعيشي، حيث كانت التصريحات رنانة على المنابر، لجهة اقتراب انفراج الأحوال على كل الصعد، وأن المواطن سيلمس ذلك من خلال تحسن مستوى معيشته والارتقاء بخدماته وحاجاته الأساسية، لكن للأسف لم تصدق التنبؤات الحكومية رغم الصبر عليها، فنظرة سريعة لواقع الحال تثبت العكس تماماً، ويكفي أن نشير إلى جنون الأسعار الذي لم يعد يحتمل، وتردي وضع الكهرباء للحضيض، واستمرار الترهل والفساد في مؤسسات عديدة، حتى الخبز لم يكن بمنأى عن رفع الأسعار، لنتأكد بالنتيجة من أن سلة الوعود الحكومية كانت مثقوبة والخوف أن تبقى كذلك!، وبحسب رأي خبراء في الاقتصاد أن الحكومة عجزت عن ضبط أسعار السوق، وعندما عملت على زيادة أسعار المواد النفطية، والمواد الغذائية المدعومة كالزيت والسكر والرز، وأسعار الدواء والكهرباء بهدف تطويق العجز أوقعت نفسها في مستنقع التضخم، الذي كانت تريد الهروب منه، لأنها لم تستطع تأمين المواد، مما أتاح المجال لتجار الأزمة لاحتكار السلع والمواد الغذائية والتحكم بأسعارها على مزاجهم!.
ما زاد الطين بلة!
خيبة أمل المواطن لم تكن بسبب القرارات الحكومية التي لم تكن في صالحه، وإنما بغياب المساءلة والمحاسبة من قبل مجلس الشعب، وهو ما جعل المجلس في مرمى الاتهام لجهة انحيازه للحكومة أكثر من المواطن، والدليل وجود عديد القرارات التي اتخذت لم تكن في صالح الشعب ولكنه للأسف صادق أو وافق المجلس عليها!، وما يثير الدهشة أنه عقب كل جلسة لمجلس الشعب يتحفنا البعض من النواب بفحوى مداخلاتهم “بطرشها” على صفحاتهم الشخصية على الفيسبوك متباهين فيها وكأنها ستشيل “الزير من البير”، صحيح أن هناك مداخلات جريئة تعبر عن نبض الشارع الحقيقي، وبعضها يتناول مشاكل وصعوبات يعاني منها المواطن، وتعاني منها بعض المؤسسات موثقة بالوقائع والأرقام، ولكن ليسمح لنا السادة النواب بالسؤال: ما فائدة تلك المداخلات الإنشائية إن لم تأخذ بها الحكومة وتجعلها موضع التنفيذ؟!.
هو سؤال ساخن يطن في ذهن كل مواطن يريد من نوابه الذين انتخبهم أن يكونوا صوته الحقيقي الفاعل تحت القبة بمساءلة الحكومة، بالعمل الجاد على تحقيق ما يريده ويحتاجه لاستمرار حياته وتحسين مستوى معيشته في الحدود المقبولة.
بيئة محفزة
يكفي تجريب وهدر للوقت والإمكانات، الدواء بين أيدينا ولا يحتاج شراؤه لعملة صعبة، وإنماء موجود في صيدليات “العقول” من كفاءاتنا الوطنية المهمشة رغم امتلاكهم للإرادة القوية وفن الإدارة الرشيقة لحل الأزمات أياً كانت، فكم نحتاج اليوم لمثل هذه الكوادر القادرة على خلق بيئات مُحفزة وداعِمة للابتكار بشيء من الإرادة والتخطيط السليم المبني على معطيات صحيحة، وأرقام واقعية لا شكلية خلبية تزيّن الأضابير والمصنّفات الأنيقة بهدف تبييض الصفحات لبعض الإدارات التي أثبتت عجزها التام عن تطوير العمل واعطاء القيمة المضافة رغم الموازنات الضخمة، والمؤسف أنها ما زالت مستمرة في أدائها المدمر!.
بالمختصر، نريد “مطبخاً حكومياً” علمياً واحترافياً وواقعياً لطبخ القرارات العادلة القابلة للتنفيذ دون منغصات أثقلت كاهل المواطن “الغلبان” الذي لم يعد قادراً على تحمل وخز أبر “المصادفة والتجريب” لقرارات تتعلق بمصيره، فاليوم في هذه المرحلة الصعبة التي تتطلب استنفار كل الجهود نجد أن الاجتهاد في القرارات “ممنوع”، فما الذي يمنع من رسم الخطط ووضع الاستراتيجيات والبرامج التنموية الصحيحة للمدى القريب والبعيد، بهدف ضمان النتائج المرجوة التي من شأنها تعزيز الثقة بين المواطن والمسؤول؟، ويبقى السؤال الأهم: أين إعلامنا من كل ما يحدث؟، بالفعل بتنا بحاجة إلى إعلام مواطن إعلام دوله يعبر عن نبض المواطن دون خطوط حمراء!.