هل تعيد الولايات المتحدة إضرام الحرب لمعاقبة روسيا في أوكرانيا؟
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
مهدت الولايات المتحدة وحلفاؤها للحرب المستمرة منذ ما يزيد على 11 عاماً على سورية، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل تخطط الولايات المتحدة لانتزاع التنازلات من روسيا بشأن أوكرانيا، ببذل قصارى جهدها والمخاطرة باندلاع حروب في جميع أنحاء غرب آسيا.
مع تصاعد التوترات السياسية والعسكرية والاقتصادية الجديدة بين الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو من جهة، والصين وروسيا وكوريا الديمقراطية وإيران من جهة أخرى – بما في ذلك جبهة تايوان في شرق آسيا وأوكرانيا في وسط أوروبا – نشهد الآن خططاً متسارعة لتفعيل أزمات جديدة في غرب آسيا، من سورية إلى العراق إلى الحرب على اليمن.
وهنا دعونا نركز على سورية، التي شهدت جواً من الهدوء في السنوات القليلة الماضية بعد أن حقق الجيش العربي السوري سلسلة من الانتصارات واستعاد أكثر من 70 في المائة من أراضيه، باستثناء بعض المناطق مثل محافظة إدلب التي تسيطر المجموعات الإرهابية المسلحة على معظم أراضيها، وكذلك في مناطق أخرى في الجزيرة السورية التي تنضوي تحت مظلة القوات الأمريكية حالياً.
لكن يبدو أن هناك مؤشرات دولية وإقليمية عديدة، تُظهر أن الولايات المتحدة في طريقها لإعادة تحريك ما يُسمى بـ “المعارضة السورية” والجماعات الارهابية التي تدعمها، حيث يرى محللون أن سعي الولايات المتحدة، سيكون أكثر شراسة مما كانت عليه في بداية الحرب على سورية في آذار 2011. وقد ظهرت بالفعل مؤشرات عديدة على ذلك:
- كشفت هيئة الاستخبارات الخارجية الروسية مؤخراً، عن خطط أميركية لدعم المجموعات الإرهابية المسلحة في سورية وتوجيهها لتكثيف هجماتها ضد الجيش العربي السوري و القوات الروسية والإيرانية بالتزامن مع تشجيع “الاحتجاجات” داخل سورية. وذكرت الهيئة أن الاستخبارات الأمريكية تخطط لتوجيه خلايا نائمة تابعة للعصابات الإرهابية في دمشق والمنطقة المحيطة بها، وكذلك محافظة اللاذقية لشن هجمات دقيقة ضد عناصر أجهزة الأمن وكذلك والعسكريين الروس والإيرانيين. وبدوره، قال نائب مبعوث روسيا الدائم لدى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جينادي كوزمين: “إن مشكلة التهديدات الإرهابية في شمال شرق سورية أصبحت ملحة، فالقوات الأمريكية المنتشرة هناك بشكل غير قانوني لا تستطيع فرض النظام. أو أنها لا تريد ذلك “. وفي معرض الإشارة إلى هروب عدد غير معروف من سجناء ينتمون إلى “داعش” من مدرسة الصناعة التي تحولت لسجن كان يحتجز فيه حوالي 3000 من إرهابي “داعش” في الحسكة من منطقة تسيطر عليها الولايات المتحدة أواخر كانون الثاني الماضي، أضاف كوزمين أن “أجواء الفراغ في السلطة والإفلات من العقاب حول مناطق انتشار القوات الأمريكية يشكل أرضية خصبة للإرهابيين بمختلف انتمائتهم “.
- ويظهر المؤشر الثاني صحة البيان الصادر عن هيئة الاستخبارات الروسية الخارجية، والذي جاء فيه أن الإدارة الأمريكية تسعى للحفاظ على وجودها العسكري في شمال شرق سورية، ومنع بسط الاستقرار، وإعادة تأهيل قيادة ما يُسمى بـ “المعارضة السورية”، وتوحيد صفوفها، وسيتم تنفيذ الخطة الأمريكية من خلال استغلال الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها سورية بسبب الحصار الأمريكي الخانق. وبحسب البيان، تنوي الولايات المتحدة إطلاق حملة إعلامية واسعة، بما في ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي الناطقة بالعربية لتحريض السوريين على النزول مرة أخرى إلى الشوارع والساحات، في العاصمة دمشق، ومدن حلب وحمص واللاذقية، وبعبارة أخرى، إعادة عرض سيناريو درعا مطلع عام 2011.
- أما المؤشر الثالث فقد ظهر من خلال المؤتمر الذي عقد مؤخراً، على مدى يومين في عاصمة مشيخة قطرية الدوحة، والذي يهدف لإعادة توحيد شخصيات “المعارضة المسلحة” المختلفة. وللإشارة، فإن المؤتمر الذي أطلقه المنشق رياض حجاب، وضم ممثلين عن مراكز البحوث القطرية والعربية والدولية، فضلاً عن أكثر من 60 من شخصيات المعارضة المسلحة، تتويجاً لسلسلة من ورش العمل التي عقدت في مجموعة مختارة من العواصم الأوروبية. وبدورها، قدمت سلطات مشيخة قطر الدعم الكامل لهذه الندوة التي غطتها قناة الجزيرة وقنوات مضللة أخرى بكثافة ملحوظة.
- أما المؤشر الرابع فيتعلق بجهود الجزائر المتعددة لعقد قمة عربية تشارك فيها سورية ويعاد مقعدها في جامعة الدول العربية، إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل.
- وأخيراً، عملية الاغتيال المفاجئة لزعيم تنظيم “داعش” أبو إبراهيم الهاشمي القرشي على يد القوات الأمريكية الخاصة في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في سورية، حيث تعرض القرشي للهجوم في منزله شمال إدلب، ومن الجدير بالذكر، أنه لم يتم توثيق الهجوم بدليل صوتي أو صور، على غرار الاغتيالات السابقة لأبي بكر البغدادي وقبله أسامة بن لادن، لكن على عكس الاغتيالات السابقة، كإعدام صدام حسين ومقتل نجليه. لا شك أن هذا “الاغتيال”، مجرد غطاء للخطة الأمريكية الجديدة لاستئناف الاتصالات السرية مع المجموعات الإرهابية المتطرفة ودعمها، بينما يشير ظاهرياً إلى أن الولايات المتحدة تواصل استهدافها للمجموعات بوصفهم “منظمات إرهابية”.
أثار مقتل “القرشي” المفاجئ في سورية خلال المواجهة الخطيرة بين الناتو وروسيا بعض التساؤلات في واشنطن أيضاً، إذ يتسأل إيثان براون ، المراقب السابق للعمليات الخاصة في القوات الجوية الأمريكية، حول توقيت العملية وقربها من الأزمة في أوكرانيا، وفيما إذا كان تنفيذ عملية عسكرية للولايات المتحدة خارج منطقة معلنة في الشرق الأوسط هو إلى حد ما يشكل رادعاً للإجراءات الروسية في أماكن أخرى”. ثم يعلن بشكل صريح قائلاً: “لا تخطئ فالحالتان الفريدتان متشابكتان”.
يرى مراقبون، أن محاولات التصعيد المرتبطة على الأرجح باستراتيجية واشنطن في أوكرانيا قد بدأت بالفعل في سورية، فقد أطلقت ما تُسمى بـ “المعارضة السورية” أول “حراكها” قبل 11 عاماً في الدوحة، ويبدو أن محاولة إحيائها ستتم أيضاً من نفس المكان.
وبدورها، ذكرت إحدى وسائل الإعلام التي بدأت بالتحريض على الشعب السوري منذ بداية الحرب على سورية، في أحد تقاريرها مؤخراً، أن إدارة بايدن تريد أن يكون عام 2022 عام تأهيل لما يُسمى بقوى “المعارضة السورية” لتكون جاهزة، وكشف التقرير أيضاً أن نائب وزيرة الخارجية الأمريكية إيتان غولدريتش التقى قادة “المعارضة السورية” في إسطنبول والقامشلي وغازي عنتاب أواخر العام الماضي للتحضير للسيناريو الأمريكي الجديد في سورية.
في الحقيقة، على الرغم من أن الخطة الأمريكية لزعزعة الأمن والاستقرار في سورية بدأت منذ 11 عاماً، لكن هذه الخطة لا تزال مستمرة من خلال الحصار الخانق الذي تفرضه الولايات المتحدة، ومع ذلك استطاعت سورية الصمود والوقوف في وجه كافة الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة وعملائها في المنطقة.