اقتصادصحيفة البعث

تعريب واستعراب تجاري

علي بلال قاسم 

يبدو أن إصرار لجنة تمكين اللغة العربية، ومعها محافظة دمشق، على إلزام أصحاب المحال التجارية باستعمال الألفاظ العربية الفصحى في تسمية المحال، بدلاً من الأجنبية، لا يلقى ذاك القبول والرضى الجيدين عند الفعاليات والأنشطة الاقتصادية، منشآت كانت أم أسواق وصالات عرض وبيع، وإن حصل يكون تحت بند الرضوخ والخنوع لقرار صدر منذ العام 2008، وما زالت محاولات التهرب منه حاضرة بقوة؟

لاشك أن دوافع هذا التحفظ تتجلى برؤية التجار الخاصة لأعمالهم في البيع والشراء والتصدير والاستيراد، والتي تقول أن هذا القطاع لا يمكن تقييده بلغة وكلمات محددة، وهو الذي يستهدف الزبون المحلي والمغترب والأجنبي أياً تكن جنسيته ولغته، وبالتالي ثمة ما يدعو للتساؤل عند من يرى بالتوجه تعطيلاً للنشاط الاقتصادي ومفاده: كيف لنا أن نروج للصناعة السورية والمنتج والوطني، وكيف لنا أن نقدم أنفسنا كتجار دوليين نغزو العالم بما نصنع، إذا لم نقدم سلعاً ولغة تتناسب والزبون العالمي وليس البلدي فقط؟!

قد يبدو الطرح منطقياً نوعاً ما في ظل الميل العام لمواكبة الأسواق العالمية وشهرة أمبلاجاتها وديكوراتها وطرائق العرض فيها وفنون البهرجة والإغراء الذي يتربع على رأسه الاسم الذي يحبذ عند رواد الأسواق الدسمين أن يكون أجنبياً حتى تكتمل إكسسوارات “الشوبينك” التي يستسيغها النساء والمراهقون والأغنياء وأصحاب القدرة الشرائية المتزنة، وهذه هي شريحة الـ “هاي لايف ” المستهدفة عند تجار السوق وليس “المعترين” الذين يتغنى بعضهم بفصاحته الكلامية، فالمطلوب عند البائع  محفظة وشكل الزبون، أما اللسان وعسله المقطر فهو من مهام التاجر الذي يجود بلكنة ولغة خاصة تتلون حسب لون عملة المستهلك، وتتماشى مع “اللقطة” السائحة، لتجد في أسواقنا من يتقن أغلب اللغات التي يضطر لفهمها والتحدث بها، فتاجرنا “يخزي العين” يتنطق بالإنكليزية والفارسية وبعض الفرنسية والروسية، إلا “لغة الضاد”، فهو من غير الناطقين بها كحال معظم أبناء المجتمع اللذين يستصعبونها لحساب اللهجة المحكية لكل سوق، أكان شامياً أم حلبياً وحمصياً وحموياً وساحلياً… و.. و..؟؟

لاشك أن الغيرية الوطنية والقومية على عروبية اللغة وإعادة الروح إليها ونشرها لمواجهة الآخر الذي نرتضيه في الصفوف والمراتب الثانية والثالثة، وليس الأولى، تفرض علينا تمكين لغتنا ليس على مستوى التعليم والإعلام والإعلان والكتابة، بل لا مانع عند الحكماء والمهتمين أن تكون التجارة فصيحة “لا سوقية”، كما يتندر البعض.

في تفاصيل تنفيذ القرار رقم 397، الخاص بإلزام التجار بتسمية محالهم بالعربية – الذي تقول المحافظة أنه لا يوجد غرامات مالية للمخالفين إنما إنذارات تنتهي بإزالة المخالفة من قبل اللجنة المختصة في حال لم تتم الاستجابة لها، ولن يمنح أي ترخيص لأي محل تجاري إلا باسم عربي، وبعد موافقة لجنة تمكين اللغة العربية – ثمة تناقضات وتجاوزات وقلة في منسوب التنفيذ، حيث يسأل الكثيرون عن الموقف المرن من أسماء الفنادق والمطاعم والمقاهي والبارات والكازينوهات والملاهي وكذلك أسماء الشركات والمصانع، ومعها تسميات المنتجات الغذائية والاستهلاكية؟ هل هذه النشاطات خارج مظلة الإلزام والتطبيق الذي خصص الجزء الأعظمي منه للمحال التي كانت التراثية والتقليدية والتاريخية في صدارة المنفذين، في حين بقيت أسواق الصالحية والحمراء وأبو رمانه والشعلان منفلتة من عقال الفصحى بذريعة الامتيازات والماركات والوكالات والأجنبية، في وقت لم تتمكن لجنة التمكين من فرض توجهها عليهم وهي التي مازالت تستقبل المزيد من طلبات الترخيص بأسماء أعجمية وليست عربية؟