دراساتصحيفة البعث

حتى سويسرا تخلت عن حيادها!!

علي اليوسف

حتى سويسرا فاجأت العالم حين تخلّت عن حيادها، وقرّرت تجميد أموال روسيا بشأن أزمة أوكرانيا. وبذلك تكون قد انضمت إلى فنلندا التي أرسلت رسالة حياد إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتراجعت عنها وقرّرت الانضمام للناتو وإرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، وإلى ألمانيا التي -بعد 77 عاماً- خرجت من عقابيل الحرب العالمية الثانية وبدأت بعسكرة الصناعة الألمانية، وإلى السويد التي قرّرت التخلي عن حيادها منذ عام 1914، وانضمّت هي الأخرى للناتو.

إن ابتعاد العديد من الدول التي اشتهرت بحياديتها عن سلوك الأمس له مسوغاته، وأسبابه الكثيرة، لكن من بين تلك الأسباب هو الركود الاقتصادي بلا جدال، فالاقتصاد العالمي في حالة ركود لم يخرج منها منذ عام 2008، وكل ما تمّ اتخاذه ليس إلا إجراءات إسعافية لإنقاذ الاقتصاد الرأسمالي الذي وصل إلى نقطة التوقف بعد فيروس كورونا المشتبه بأسبابه ونتائجه.

وبحسب علم الاقتصاد، فإن ما يطلق عليه مصطلح “تصفير النظام” لا يتمّ إلا بحرب كبرى. وللتأكيد على هذا المصطلح حذّر رئيس نقابات العمال في فرنسا، عقب نهاية الحرب العالمية الأولى في مقالات عديدة نشرتها الصحف الفرنسية، من أن البنوك الرأسمالية وصناعيي أوروبا -في ألمانيا والنمسا وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا وأمريكا- اتفقوا على خوض الحرب بينهم، واتفقوا على أن تصبح سويسرا أرضاً محايدة لتكون ملجأ آمناً لأرباحهم من الحرب، لكن بعد نشره للمقالات تمّ اغتياله وأعلنت الحرب عام 1914، وتكرّر الشيء نفسه عام 1939 بعد الانهيار العالمي في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي.

الآن، الأوضاع مشابهة تماماً، لأن العالم من وجهة نظر النظام الرأسمالي بحاجة للحرب لتصفير النظام، وبالتالي فإن الغرب يسير في خطوات مرسومة، إذ كان بإمكانه أن يقبل أوكرانيا في حلف الناتو كما فعل مع دول البلطيق الأخرى، ولكن الغرب ترك أوكرانيا لاتخاذها ذريعه لجرّ روسيا للحرب. ومن الواضح أن مراكز صنع القرار في الغرب اعتمدت على ما يعرف بـ”سيميليشين”، أي وضع إمكانات كل دولة عسكرياً واقتصادياً على أجهزة الكمبيوتر ورسم السيناريوهات اللازمة للتعامل مع هكذا وضع. وبعد ذلك يتمّ وضع مخرجات هذا التشبيه في دراسة، ومنه يتمّ وضع خطة مرسومة للخطوات وتوقيت كل خطوة يتمّ اتخاذها، وحين يتحقق هذا السيناريو يتمّ سحب الخطة وتطبيقها أو إدخال تعديلات عليها قبل التطبيق.

كان حجم العقوبات الاقتصادية على روسيا مفاجئاً للعالم كله، وكانت بريطانيا أشدّ من وضع العقوبات، فمنذ عام 1991 حين انهار الاتحاد السوفييتي قدمت بريطانيا نفسها كجنة لأصحاب الأموال الروس، وهو الشيء نفسه الذي فعلته مع العراق. وعقوبات بريطانيا على روسيا تضمّنت قائمة بـ800 اسم اتضح أنها كانت تحت المراقبة منذ سنوات طويلة، لكن لا توجد إلى الآن إحصائية عن كمية الأموال المصادرة والمحجوزة، التي تُقدّر بمئات المليارات، وهذا فقط في بريطانيا، كما هي الحال في أمريكا وباقي أوروبا وكندا وأستراليا ونيوزلندا واليابان، والملفت في كلّ ذلك هو أن سويسرا دخلت في هذا السيناريو!!.