اختلال معادلة الطاقة العالمية هدد روسيا… ما الذي حصل!؟
البعث الأسبوعية- علي اليوسف
من الضروري التأكيد على أن الرغبة الروسية بعودة الاتحاد السوفييتي هي عقيدة راسخة في وجدان كل روسي، وليست نتيجة طموحات أو أهداف شخصية للرئيس فلاديمير بوتين. وهذه الرغبة ليست وليدة الأزمات التي افتعلها الغرب والولايات المتحدة ضد روسيا، بل هي متأصلة في العقلية الروسية، وما يثبت هذه الاستشرافة هي كلمة الرئيس بوتين في أحد مراكز الأبحاث في السنة الثانية لاستلامه الرئاسة، حين قال: “لقد أنجزنا تنظيم الاتحاد الروسي، ورسالتنا الرئيسة التالية أن نهتم بمحيطنا الجيوسياسي. ويجب أن نتذكر أن أمريكا عندما أنشأت الناتو كان ذلك انطلاقاً من رغبتها في احتواء روسيا، وعدم عودتها خصماً موازياً لها”.
ماذا تفعل روسيا في أوكرانيا؟
من المهم جداً التعرف على مسرح العمليات الجارية كما هي، وليس كما تصورها البروباغاندا الأميركية، خاصةً أن الكثيرين لم ينتبهوا لما أعلنه بوتين من أهداف للعملية العسكرية في أوكرانيا، والسؤال لماذا لم تدخل القوات الروسية للمدن الرئيسية الكبرى، لماذا لم يشارك الناتو في المواجهة؟.
حتى الآن لم تغزو روسيا ولا اجتاحت ولا تخوض حرباً ضد أوكرانيا، فهي أي روسيا ليست أميركا حتى تدمر كل شئ في طريقها وتقتل كل من يعترضها من مدنيين وعسكريين كما حصل في أفغانسان والعراق وسورية وليبيا، هي دخلت لتحقق مجموعة من الأهداف منها نزع سلاح الحكم النازي الأوكراني، وتصفية جيوشه الميليشياوية، وتدمير كل ما بناه وأنشأه الاميركان أو الناتو من منشآت أو معدات وضعت لتشعل الحرب ضد روسيا لو لم يستعجلها بوتين بعملياته الخاصة، ومنع أوكرانيا من الإنضمام للناتو وإعلانها دولة حيادية، و اعتقال كافة النازيين الجدد، وقد أضيف إليها بند جديد وهو تفكيك وترحيل القواعد النووية الأميركية من أوروبا.
روسيا اذن تخوض وتدير في أوكرانيا ثلاثة حروب:
- الدفاع عن نفسها من حرب كانت تعد ضدها، أي إحباط ما كان يخطط لها انطلاقاً من أوكرانيا.
- نزع الطابع النازي من الدولة الأوكرانية وأي شكل من أشكال التسلح الهجومي.
- ضرب وتدمير كل ما بناه الغرب وأميركا في أوكرانيا.
أي باختصار يمنع بوتين تشكل “رايخ ثالث” جديد كانت أوكرانيا مسرحاً له، وتالياً منع قيام حرب عالمية ثالثة.
مع اشتعال النيران في أوروبا الشرقية ظهرت أسئلة إجاباتها غير واضحة لكثير من الناس ماالذي يريده بوتين؟ هل السبب منع أوكرانيا من الإنضمام للناتو أم هناك أسباب خفية؟ لماذا أوكرانيا دون غيرها من دول أوروبا الشرقية؟ ماهي مصلحة الغرب في أوكرانيا؟.
تعتبر روسيا من أوائل الدول المصدرة للنفط والغاز، وتحتوى على أكبر مخزون للغاز في العالم، وتعتبر الدول الأوروبية من أكبر الدول المستهلكة للغاز والنفط الروسي وخصوصاً ألمانيا وذلك لقربها وسهولة الإمداد الروسي لمنتجات الطاقة عن طريق خطوط الأنابيب الممتدّة من روسيا لأوروبا، وهذا يجعل تكلفة استيراده للأوروبين أقل ثمناً من شحنه بالسفن من دول بعيدة، لذلك إن إمداد الطاقة من روسيا لدول أوروبا هو أمر مهم للأوروبيين، وبالمقابل يعتمد استقرار روسيا الاقتصادي على تصدير الطاقة للدول الأوروبية وهذا الاستقرار الاقتصادي لروسيا يضمن تطوير ترسانتها العسكرية، وبذلك تبقى روسيا كأحد القوى المهيمنة في العالم عسكرياً واقتصادياً. اذاً معادلة الطاقة الروسية- الأوروبية مهمة للطرفين وأي خلل فيها ستضر أحد أطراف هذه المعادلة، خاصةً أن هذه المعادلة كانت مستقرة لعام 2012 بعدها بدأت ظروف تؤدي لاحتمالية اختلال تلك المعادلة بطريقة تهدد روسيا، مالذي حصل؟.
تم إكتشاف ما يقارب من 39 تريليون متر مكعب من الغار الطبيعي في أوكرانيا – ١- ٨٠٪ في المياه الإقليمية التابعة لشبة جزيرة القرم. ٢- ١٥٪ في إقليمي لوهانسك و دونيتسك شرق أوكرانيا. ٣- ٥٪ غرب أوكرانيا بالقرب من الحدود مع بولندا- ولكن نتيجة إفتقار أوكرانيا للمعدات اللازمة للحفر والوصول للغاز الطبيعي فأمامها أن تختار أحد الخيارين:
الأول: تقوم روسيا بأعمال التنقيب والحفر للغاز الطبيعي ويصبح تحت سيطرتها بشكل ” جزئي ” وتظل معادلة الطاقة الروسية الأوروبية مستقرة إلى حد ما ولايتأثر الاقتصاد الروسي بشكل ملحوظ.
الثاني: يقوم الغرب بأعمال التنقيب ويصبح الغاز تحت سيطرة الغرب بشكل ” جزئي ” مما يجعل أوروبا تستورد الغاز من أوكرانيا بنسبة أكثر من روسيا وهنا سيحصل إختلال كبير في المعادلة الروسية الأوروبية ضد روسيا.
حصل اكتشاف الغاز الطبيعي عام 2012 في عهد الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش حيث كان موالياً لروسيا، لذلك لم يكن تهديداً على الاقتصاد الروسي بشكل ملحوظ ، لأنه سيجعل روسيا تقوم بأعمال التنقيب عن الغاز، ولكن الامور تغيّرت بعد الإنقلاب الذي حصل في أوكرانيا عام 2014 عندها تحرّك بوتين وضم شبه جزيرة القرم والتي تحتوي على ٨٠٪ من الغاز في أوكرانيا، لأنه يدرك جيداً من وراء ذلك الاإقلاب والأهداف المستقبلية منه وبذلك ضمن ٨٠٪ من الغاز الموجود في أوكرانيا تحت سيطرته، وبعدها دخل إقليمي لوهانسك و دونيتسك، وبالتالي ما يفسر كل هذه الحرب الدائرة.
أين الصين من هذه المعادلة؟
هذا الكلام له مدلولات كبيرة جداً، وبالتالي يجب أن ندرك أن كلا الطرفين يتصارعان حول النظام العالمي، فمن جهة تريد أمريكا الاستمرار في قيادة العالم. ومن جهة أخرى تتطلع روسيا إلى دورها في قيادة النظام العالمي – كما كان – بقيادة ثنائية أمريكية سوفيتية. ولعل الحرب الدائرة في أوكرانيا يمكن توصيفها بأنها مجرد البداية، وسوف تتحول في القريب العاجل إلى أبعد من ذلك بكثير. لكن السؤال أين الصين من كل ما يدور؟.
دون أي شك، الصين إلى جانب روسيا كلياً، وأنها تسير معه خطوة بخطوة، وأن الصين هي شريك فعلي له منذ الدقيقة الأولى لبداية الحرب. وهي تنطلق من هذا المبدأ لأنها تدرك أنها الهدف التالي بعد روسيا. في عام 1989 أقيمت ندوة في أحد أهم مراكز الأبحاث الأمريكية في واشنطن كان موضوعها “أين ستكون أمريكا عام 2020؟”، وكانت خلاصة ثلاثة أيام من الدراسات أن أمريكا ستواجه حينها خصماً مقابلاً لقوتها الاقتصادية هو الصين، وأن القوة الاقتصادية هي القوة الأهم في كل شيء، وأن على أمريكا أن تواجه هذا التحدي بشتى الطرق، لأن القدرات النووية هي مجرد أسلحة ردع متبادلة، ولن تستعملها أي من الدول العديدة التي تملكها لأثرها التدميري المتبادل. إذاً الحرب في أوكرانيا، وهي ليست عضواً في الناتو، ستبقى حرباً أوروبية، وسلاح أمريكيا فيها هو العقوبات الاقتصادية الأحادية، التي اخترعتها أمريكا، وكانت ذروتها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
في معمعة هذه الأحداث، وآثار عقوبات الطاقة والعقوبات المضادة، قد تتحرك الصين لضم تايوان بصورة نهائية، كرد فعل لأي استفزاز متوقع أمريكي أو أوروبي لها. وربما يكون ذلك تجاوباً مع طلب من روسيا من أجل تخفيف الضغط عنها. لذلك قد تكون أوكرانيا مقدمة لما سيحصل في تايوان التي تعتبرها الصين جزءاً تاريخياً منها، كما تعتبر روسيا أوكرانيا جزءاً تاريخياً منها. وبالتالي سيدخل العالم في حرب بحر الصين والتي بلا شك ستكون حرباً مختلفة عن الحرب العالمية الثانية بسبب طبيعة التطورات التقنية التي تستند إلى القوة العسكرية عن بعد وإلى الهجمات الإلكترونية، وهنا يمكن رسم ملامح الاصطفافات بحيث ستكون أمريكا ومعها بريطانيا من جهة، ومن جهة أخرى الصين ومعها روسيا.
وكما بدأت حرب أوكرانيا باستفزازات، فستبدأ حرب تايوان باستفزازات، وسيصبح العالم كله جزءاً من هذه الحرب اختيارياً أو إجبارياً، كلاً حسب تطلعاته إلى تموضعه في النظام العالمي الجديد، لأن كل المحاولات الكثيرة التي حصلت في السابق للوصول إلى اتفاق على التحول إلى نظام عالمي جديد فشلت كلها، وبالتالي فإن التنسيق بين الصين وروسيا تخطى الشراكة في التخطيط والتنفيذ.