مجلة البعث الأسبوعية

مع تضاعف نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون ..تبدلات مناخية على مستوى العالم

دمشق – حياة عيسى

بعد الثورة الصناعية  الكبرى بدأ العالم بضخ غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الجو، حيث بدأ بالتراكم بشكل كبير مع زيادة المعامل و المصانع وحركة الطيران والسيارات ، بالتزامن مع زيادة عدد المدخنين، الأمرالذي  أدى لتضاعف  نسبة الغازات في طبقات الغلاف الجوي، وبالرغم من توازن الطبيعة في امتلاكها ما يكفيها من  الغازات وتحقيقها للشفاء الذاتي، إلا أن  التدخل الإنساني في السلسلة الطبيعية أثر بشكل كبير وكسر سلسلة التوازن، وبالفعل كان ضخ غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي السبب الرئيسي في ارتفاع الأفق والغلاف الجوي عن الأرض، علماً أن النسبة الطبيعية لغاز ثاني أكسيد لكربون في الجو 250 جزيء بكل مليون جزيء من جزيئات الغلاف الجوي.

تضاعف النسب

رئيس الجمعية الفلكية السورية ونائب رئيس الاتحاد العربي لعلم الفضاء و الفلك الدكتور محمد العصيري بين في حديث لـ” البعث الأسبوعية” أن نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون تضاعفت في الفترة القليلة الماضية ووصلت إلى 480 جزيء من كل مليون جزيء من جزيئات الغلاف الجوي، أي تقريباً تضاعفت النسبة وهذا التضاعف من غاز ثاني أكسيد الكربون أدى إلى خلل في الغلاف الجوي، لاسيما أن المجموعة الشمسية تعمل على التعريف بماذا سيحدث في المستقبل، وكمثال على ذلك كوكب المريخ أو الزهرة فكوكب المريخ الأصغر من الأرض لن يستطيع الحفاظ على غلافه الجوي مما أدى أن يكون كوكب متصحر  تماماً بالمقابل كوكب الزهرة يمتلك أكبر نسبة من غاز ثاني أكسيد الكربون فهو “كطنجرة البخار “كونه كوكب مضغوط درجة حررته تفوق 460 درجة مئوية يحدث فيه احتباس للحرارة بشكل كبير وهذا بالفعل ما حدث على الأرض، كون نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سبب زيادة بكثافته، فعندما تسقط درجة الحرارة على الأرض تحتبس الأرض الحرارة ولا تعيدها إلى الفضاء، واحتباس الأرض للحرارة يزيد من درجة حرارة الأرض بالمتوسط وهذا ما شهده كوكب الأرض في السنوات القليلة الماضية، أي أن درجة الحرارة بالمتوسط أصبحت أعلى من معدلاتها بدرجة أو درجة ونصف عالمياً، وهنا تكمن الكارثة، لأن ذلك الارتفاع الذي يعتبر عن البعض طفيف من شأنه أن  يؤدي إلى ذوبان الغطاء الجليدي في القطبين وارتفاع منسوب المياه وغرق بعض المدن وهذا ما حدث كغرق البندقية وبعض الدول الأوربية، إضافة إلى حدوث التخبط المناخي، أي وجود مناطق لا يهطل فيها ثلوج تكتسي باللون الأبيض كالصحراء الجزائرية، أمطار الخليج، بالتزامن مع وجود مناطق مناخية محددة تتغير طبيعتها المناخية وهذا ما حدث مؤخراً في بلادنا.

“البيت الزجاجي”

وتابع العصيري أن سورية لم تشهد فصل شتاء كفصل الشتاء الذي حصل هذا العام ولم تشهد صيف كصيف العام المنصرم، ، كما حدث تغير  في خارطة توزع الأمطار ما بين الساحل والداخل والمنطقة الجنوبية كل ذلك يدل على وجود حدث ليس طبيعي، هناك شئ ما أكبر من طبقات الغلاف الجوي، و ليس للشمس علاقه فيه، هناك شئ ما دخيل على الطبيعة، فمنذ عام 2018 سلط العلماء الضوء على ذلك الدخيل فاكتشفوا بأنه “غاز ثاني أكسيد الكربون” بالتوازي مع ما يطلقه الإنسان من غازات أخرى سبب مفعول يسمى مفعول ” البيت الزجاجي” المسبب في ارتفاع درجة حرارة الأرض، لاسيما أن الارتفاعات التي نشهدها تعتبر تراكمية أي بدأت منذ بداية العصر الصناعي وتزداد نسبياً، والآن تعتبر في أخطر حالاته، ولكن إذا تم البدء بالعلاج المباشر نحتاج إلى زمن لإعادة الغلاف الجوي إلى طبيعته، ولكن رغم كل ما يواجه الطبيعة من مخاطر إلا أنه لم يتم البدء بالعلاج، بالرغم من  إعلان حالة الطوارئ المناخية من قبل  الأمين العام للأمم المتحدة و الاجتماعات المتتالية من قبل رؤساء العالم للبحث عن حلول  للحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، إضافة إلى انعقاد معاهدة باريس للمناخ التي وقعت عليها معظم دول العالم بما فيها سورية، ولكن لم يتم الالتزام بها، أما الآن فلا يوجد حلول جذرية وإنما تقتصر الحلول على جهود كل دولة بشكل منفصل، لاسيما بغياب التعاون الدولي الذي يعتبر من أكبر الكوارث، فكل دولة تحاول تنقية غلافها الجوي وتعالج المشكلة بشكل منفرد، لكنها مشكلة عالمية ولا نستطيع منع المنخفضات ولا غاز ثاني أكسيد الكربون ولا الحرارة من الانتقال من مكان إلى أخر أو من دولة إلى دولة أخرى، مع تأكيده إلى أن تلك  المشكلة لا يمكن أن تحل بشكل إفرادي رغم المحاولات فهي بحاجة إلى حل جماعي أي أن تتحول الأرض من قطاعات إلى قرية صغيرة يتفق فيها  العلماء والرؤساء،  لاسيما أننا أمام كارثة مقبلة وهي كارثة الغلاف الجوي و الاحتباس الحراري وبذل الجهود الجماعية لحلها.

مصير العالم

أما عن مصير الخمسين سنة المقبلة فقد أجزم العصيري إلى أنه في حال لم يتم البدء بالاتفاق و المعالجة  فيؤدي إلى زيادة التصحر في الشرق الأوسط وقلة الأمطار وأماكن توزعها وتغير نسبة توزعها، والأكثر خطراً في رأيه دول شمال أوربة التي ستغرق في المياه نتيجة ذوبان الثلوج، الصحراءالكبرى بالإضافة للبادية السورية التي ستتحول إلى منطقة خضراء أي أن التصحرفترة مؤقتة، كما سيحدث انقراض لبعض أنواع من الحيوانات، و ستتغير الطبيعة البيئية  وسيعاني الناس من قلة غذاء عالمي، إضافة إلى دخول جزء كبير من العالم في احترار عالمي كبير وصولاً إلى عام 2100، 2150 سيؤدي إلى انقراض جماعي للبشرية، وهذا ما نشرته تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، ولم يخف وجود سعي خجول لمعالجة الموضوع من خلال الحد من نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون، لاسيما أن العلماء في بقاع الأرض متحدين ويعلمون خطر هذا الموضوع، كما بدأ العالم يشعر بخطره أيضاً، ولكن أطماع بعض الدول الأوربية و الغربية والإنشقاق العالمي يمنع البدء بالحل، ونحن لا يسعنا إلا أن ننتظر ما ستؤل إليه الأمور، والنقطة الجوهرية في الموضوع أن الأكثر تأثراً هي  الدول الأوربية، أميريكة أي الدول التي تقع شمال وجنوب  مدار السرطان و شمال وجنوب مدار الجدي أي الدول القريبة من القطبين، فالعام المنصرم شهدت ألمانيا عدد كبير الوفيات نتيجة دراجات الحرارة العالية وتركيا شهدت ثلوج عالية جداً وغرق عدد كبير من المنازل في البندقية، مع وجود عواصف غير مسبوقة في أميركا و حرائق في غابات  الصين و روسيا ، وهذا التحدي هو تحدي القرن تحدي ” البشرية” كونها هي المسبب الأول للمشكلة و عليها أن تعالجها،  وفي حال لم يعالج ستقوم الطبيعة بمعالجته وسيكون العلاج قاسي ولعل وباء كورونا يعتبر مثال بسيط من رد الطبيعة على البشرية في حال لو أساءت البشرية لها، فالحد من التوسع السكاني عدد الوفيات الهائل من كورونا وانخفاض عدد السكان نتيجة وفيات كورونا التي ترتبط بطريقة أو بأخرى بالاحتباس الحراري والغلاف الجوي، الذي  أدى إلى خفض نسبة الأشعة فوق البنفسجية وكذلك انخفاض فيتامين “دال” الذي تم اعتماد أول علاج لكورونا ، وهو يعتبر جزء من رد الطبيعة الذي سيكون أقسى بالمستقبل ومن الممكن أن يحمل معه تغيرات مناخية.

الأقل تأثراً

أما في سورية التي تعتبر جزء من الكرة الأرضية فقد أشارالعصيري إلى أنها في موقع جغرافي مثالي نسبياً وهي الأقل تأثراً في الاحتباس الحراري كونها غيرمفتوحة على محيط وبالتالي لا يؤثر عليها ازدياد نسبة المياه بالإضافة إلى وجود مصدات قوية جداً ” المصدات الأوربية”،  الأمواج القطبية تتسلل إليها تسلل كما حدث بأذار عام 2022 وهي تسلل لموجات قطبية وبالتالي ستعاني خلال العشرسنوات القادمة من ارتفاع درجات الحرارة وبالتالي ستشهد فصل شتاء قاسي قصير وصيف طويل بارتفاعات حرارة متدرجة حتى  تصل إلى الحالة الحرجة التي يذوب فيها أكبر نسبة من الغطاء الجليدي، عندها تزداد نسبة التبخر ويعود الوضع إلى أمطار غزيرة  وبالتالي سيتم التحول إلى شتاء أطول وتبدأ الصيف بالاضمحلال وهنا ستبدأ المنطقة بالتحول إلى منطقة خضراء تماماً وهنا نتحدث عن الخليج العربي والصحراء العربية الكبرى وبادية الشام هذا الشريط يسمى الشريط الأخضر في الاحتباس الحراري، إلا أنه لن يستمر طويلاً فيما لم يتم علاج الاحتباس الحراري، والآن نعتبر مقبلين على ارتفاع درجات حرارة أي صيف قاسي جداً، وهو الأمرالطبيعبي نتيجة الأوضاع الراهنة.

إجراءات خجولة

وبالحديث عن إجراءات سورية للحد من تزايد غاز ثاني اكسيد الكربون في الغلاف الجوي فقد بين العصيري أن هناك معالجات لكنها ماتزال خجولة ومتواضعة متمثلة بزيادة الغطاء النباتي ومراقبة ومتابعة المعامل والمصانع، ولكن كل تلك الخطوات لا تفي بالغرض المطلوب، فلا بد من اتخاذ خطوات  أكبر كاستثمار المياه، لاسيما بوجود كمية كبيرة من الأمطار هطلت في الساحل وكمية قليلة هطلت في أماكن أخرى ، لذلك لابد من استثمار الهطولات الغزيرة لكي لا نتعرض لضعف في المياه الجوفية، كوننا نواجه خطورة في المياه الجوفية، إضافة إلى الصقيع الذي مر على المزارعين كل ذلك يحتاج إلى خطوات عملية من خلال دراسة تلك الكارثة بتشكيل لجنة علمية بعيدة المدى تدرس الكارثة وتضع ما هي الاجراءات التي يجب أن تتخذها من اليوم كوننا أمام حرب كونية ومشاكل كبيرة جداً لكن يجب عدم تجاهل الوضع الداخلي كونه مهم جداً كما يجب التفكير في المستقبل من خلال معالجة المشكلة في سورية و العمل على زيادة الغطاء النباتي والحد ومراقبة زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون  وتعاون بين كافة الجهات ذات الصلة.

أشد حدة

وما نشهده اليوم من حرائق واسعة في غابات الأمازون وسيبيريا وفيضانات في الهند والسودان والصين ودرجات حرارة غير مسبوقة في العديد من الدول الأوروبية، قد لا يكون سوى بداية لتغيرات مناخية أشد حدة في المستقبل. فجميع المؤشرات المتعلقة بالأسباب الرئيسة لهذه التغيرات تتجه نحو الارتفاع وقد يبقى الأمر على هذه الحال لعقود طويلة مقبلة، فما أبرز التداعيات المتوقعة للاحتباس الحراري في المستقبل؟

ومن المتوقع أن تغمر المياه العديد من المدن الكبرى التي بنيت على مستوى سطح البحر أو تحته مثل مدن ميامي ونيويورك وطوكيو، وكذلك سنغافورة وأمستردام. هذا مع تعرض العديد من المدن الساحلية للفيضانات سنويا بدءا من عام 2050.