مجلة البعث الأسبوعية

بمناسبة اليوم العالمي للمسرح مسرح الطفل جزء من المواسم … والأماني أن يكون مادة في المنهاج المدرسي

البعث الأسبوعية-جمان بركات

المسرح ليس مجرد نص وممثل، المسرح فضاء لعوالم آسرة منصة إطلاق خيالها هو الخشب، خشب المنصة ورائحته وأنينه تحت وطأة أقدامهم منذ أن تكوّن المسرح الأول وحتى اليوم، سيظل المسرح قبلة الروح بالنسبة للكثيرين، ولن تقدر كل ثورات التقانات أن تعوض لحظات نقضيها مع حميمية المسرح مهما بلغت تلك التقانات من إبهار وسطوة.

وبمناسبة يوم المسرح العالمي كان لا بد لنا أن نولي مسرح الطفل اهتمام كبير، وخاصة بعد إقامة مهرجان مسرح الطفل برعاية وزارة الثقافة في العطلة الانتصافية والذي يُعتَبَر خطوة جديدة ومهمة، والسؤال عن المتطلبات ليكون مسرح الطفل حاضر دائماً.

 

ولادة مسرح الطفل

من جهته حدد الناقد المسرحي جوان جان عام 2004 عام الولادة الجديدة لمسرح الطفل في سورية حيث شهد ذاك العام انطلاق مهرجان مسرح الطفل الذي تقيمه مديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة في العطلة الانتصافية من كل عام، وكانت الولادة الأولى الحقيقية لمسرح الطفل في سورية في العام 1960 عندما تم تأسيس مسرح العرائس في وزارة الثقافة.. وعلى مدى سنوات أثبت مهرجان مسرح الطفل جدارته في الانطلاق مجدداً بمسرح الطفل في سورية، خاصة بعد أن امتدت عروضه في السنوات الأخيرة لتشمل كل المحافظات، مدناً وأريافاً بعد أن كانت عروض دورته الأولى قد شملت ثلاث محافظات فقط.. وقد أعطى هذا المهرجان فرصاً للعديد من مخرجي مسرح الطفل لتقديم أعمالهم ومشاريعهم، كما ساعد المهرجان على إبراز العديد من المواهب التمثيلية التي أثبتت قدرتها على التفاعل مع جمهور مسرح الطفل واستقطابه.. وفي سنوات تالية ولكي لا يبقى مهرجان مسرح الطفل وحيداً على الساحة ارتأت مديرية المسارح تنشيط حركة مسرح الطفل وعدم اقتصارها على العطلة الانتصافية والنشاط المسرحي الروتيني كجزء من المواسم المسرحية فكان أن أحدثت المديرية قبل سنوات تظاهرة فرح الطفولة المسرحية وحددت لها موعدين ثابتين هما عيد الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك، وما يميز عروض تظاهرة فرح الطفولة عن مهرجان مسرح الطفل هو انطلاق بعض عروضها نحو أماكن تجمع الأطفال في الحدائق العامة، وبذلك لم تعد عروض الأطفال تنتظرهم ليأتوا إليها بل أصبحت تتوجه هي إليهم في أماكن تجمّعهم ولهوهم.. وبالإضافة إلى ما سبق شكّلت احتفالية أيام الثقافة السورية التي تقام سنوياً في شهر تشرين ثاني مناسبة لتقديم أعمال مسرحية طفلية جديدة في مختلف المحافظات، خاصة وأن المسرح يشكل الحجر الأساس في فعاليات هذه الاحتفالية السنوية .

وعن المتطلبات ليكون مسرح الطفل حاضراً دائماً، قال:

الكتابة والإخراج وأدوات المسرح، هي كلها جميعاً، وخاصة النص الذي يُعتبر أساس العمل المسرحي سواء أكان موجهاً للصغار أم للكبار، فالنص الجيد ضروري في عروض الأطفال شكلاً ومضموناً، فإذا تجاوزنا قضية الشكل الفني لا بد أن نؤكد على أهمية مضامين الأعمال المسرحية الموجهة للطفل، حيث نلمس تراجعاً على هذا الصعيد وعدم وعي وإدراك من قبل بعض الكتّاب لخطورة بعض الأفكار التي قد تتسلل إلى هذه النصوص، وهي أفكار ذات بعد غيبيّ تعلم الطفل الاتكالية والكسل والاعتماد على المجهول، وقد لا يدرك الكاتب مدى خطورتها فيما إذا تمكنت من عقول الأطفال.

يتجه الأطفال إلى الانترنت لمشاهدة ما يحلو لهم، وعن طريقة التعامل معهم لجذب الأطفال نحو المسرح يجيب جان:

يمكن ذلك من خلال الحرص الدائم على تقديم أفضل الموجود من الأعمال المسرحية، وتوسيع دائرة حضور الأعمال المسرحية لتشمل المدارس وتخصيص حيز من الحصص الدراسية لمسرح الطفل وتشجيع الطفل على صنع الدمى المسرحية، وأهم شيء هو التنسيق الدائم مع وسائل الإعلام لتسليط الضوء على العروض المسرحية الطفلية وزيادة التعريف بها وبأماكن ومواعيد تقديمها.

أسير التكرار

وبدوره قال المخرج ناصر الشبلي عن مسرح الطفل: رغم كل الصعوبات والتحديات تحاول مديرية المسارح والموسيقا والفنانون والعاملون في مسرح الطفل على تجاوز كل الصعوبات ومتابعة البحث والعمل على تطوير مسرح الطفل والارتقاء به شكلاً ومضموناً، وخلال السنوات الماضية أنجز العديد من العروض المسرحية المتميزة منها العروض البصرية والحركية والغنائية ومسرح الدمى الماريونيت ومسرح العرائس. وكان لمهرجان مسرح الطفل أثراً متميزاً في تنوع العروض وجودتها ولقد ازداد إنتاج عروض مسرح الأطفال في السنوات الخيرة وهذا شيء جيد جداً.

أعتقد أن مسرح الطفل هو أداة مهمة من أدوات التربية والتعليم ويجب على العاملين في هذا الحقل البحث وبشكل مستمر عن وسائل فنية وتقنية تجاري التطور التكنولوجي والبصري وأدوات الاتصال كي يرقى مسرح الطفل ويجاري التطورات ولا يبقى أسير التكرار والنمطية المستدامة، واعتقد أن بعض التجارب استطاعت أن ترسم الطريق الصحيح.

من وجهة نظري أنه لا بديل عن المسرح وقد تجلت هذه الحقيقة من خلال مهرجان الطفل حيث كانت تمتلئ الصالات طوال فترة المهرجان وما بعدها وما يميز مسرح الطفل هو جمهوره الحاضر دائماً برغم كل وجود الوسائل الترفيهة الأخرى ولكي نشجع جمهور الأطفال يجب العمل على تنوع الجهات المنتجة لمسرح الطفل بالإضافة لمديرة المسارح هناك وزارة التربية والسياحة والشوؤن الاجتماعية ونقابة الفنانين وباقي الجهات الأخرى وتشجيع شركات القطاع الخاص وتقديم كل التسهيلات للمشاركة في إنتاج العروض التي تحتاج إلى تمويل كبير حيث يعد مسرح الطفل تسلية ومتعة وفائدة.

أخيراً رغم كل الصعوبات فأنا مقتنع أن مسرح الطفل بخير ويمضي بخطوات ولو كانت بطيئة ولكنها مبدعة.

ركض طويل ومتواصل

قد يكون هذا المهرجان خطوة مهمة –كما عبر عنها المسرحي محمد الحفري- ولكنها خطوة يجب أن تتبعها خطوات وقد لا نبالغ لو قلنا بأنها تحتاج إلى ركض طويل ومتواصل والسبب قد يعود برأيي إلى الهوة السحيقة التي حدثت بيننا وبين هؤلاء الأطفال، وربما بين الناس وبين ما يقدم مسرحياً ولنعترف صراحةً أن هناك الكثير من أطفالنا أو أغلبهم قد سرق منا عن طريق النت والألعاب الإلكترونية وربما بسبب الشارع ولقمة العيش والظروف القاهرة التي يعيشها الأهل قبل أطفالهم.

لا أريد أن أكون متشائماً بل على العكس فأنا من الناس الذين يرون النور الذي سيبزغ ذات وقت عندما نتجاوز عتمة هذا النفق ونصل إلى نهايته، مشكلتنا مع مسرح الطفل قد يكون جزء بسيط منها في الكتابة والإخراج التي يجب أن تسلط من خلال حكاياتها على قضايا مجتمعنا وألا تذهب تحت أي حجة عن قضايا بعيدة عن مجتمعنا وألا تستغبي الطفل لأنه أذكى مما نتوقع بكثير، المشكلة كما قلت سابقاً هي في القائمين على مسرح الطفل أو بالأحرى في كيفية إدارة هذا الأمر بشكل جاذب ولنعترف  قبل توجيه اللوم لأي جهة أننا في مجال الثقافة وعلى الأصعدة كافة بحاجة إلى تقديم مغريات كثيرة لنشد الجمهور إلينا بعرى وثيقة ومنهم هؤلاء الأطفال الذين نعدهم مستقبلنا الذي سيبني ما هدمته الحرب ويمكننا أن نلمس الخلل في إدارة ما يكتب ويخرج ويقدم للطفل من خلال إجراء مقارنة بسيطة بين ماتقدمه جهة خاصة وبين الجهات العامة أو الحكومية.

دعينا نقول في الختام أننا نحتاج في إدارة نشاطاتنا إلى عقلية تبتعد كثيراً عن عقلية الموظف الذي يجب أن يؤدي دوره كواجب وحسب بل نحتاج في الثقافة عموماً إلى القلوب الواسعة التي تقدم حباً لا ينضب وتسعى ليل نهار كي تحتوي الجميع وتضمهم إليها.

متطلبات مسرح الطفل

وبدوره قال المخرج سهيل عقلة: واقع مسرح الطفل وخاصة بعد إقامة المهرجان في العطلة الانتصافية حالة مهمة جداً وقد ساهمت في نشر الوعي والثقافة والإدراك عند الطفل، مسرح الطفل من أهم الحالات التي تعمل على تنمية مهارات الطفل وإدراكه، المهرجان الذي أقيم بشكل مجاني استطاعت كل فئات المجتمع حضوره وهي حالة جميلة جداً، وفي الحقيقة تعمل وزارة الثقافة على تأمين هذه الحالة وتحاول قدر الإمكان تقديم شيء جديد، وأنا أقول دائماً في مسرح الطفل يجب البحث عن الجديد والاهتمام به، وأن نكون سباقين في كل الدول ليكون مسرح الطفل رقم واحد.

المتطلبات ليكون مسرح الطفل حاضراً هي النص الذي ينطلق منها العمل المسرحي، فاختيار النص هو مرحلة صعبة ومهمة من حيث الفكرة أو القيمة التي يطرحها، وأنا برأي أن وزارة الثقافة عملت مسابقة للنصوص ولكن بحاجة لدعم أكثر وزخم والأهم بحاجة للنشر ويتم الحكم على النصوص من خلال القراء وليس فقط من قبل اللجنة، والإخراج حالة مهمة من حيث الفكرة التي بني عليها النص واختيار الممثلين والأدوات والعناصر الموجودة على الخشبة التي يتم انتقائهم جيداً، وأدوات المسرح يجب أن تكون كاملة فالطفل لا يمكن الضحك عليه.

وعن جذب الأطفال إلى المسرح بعيداً عن اللجوء إلى الألعاب والانترنت قال عقلة: أنا أرى أن يكون وعي كاف من قبل الأهل أولاً والكادر التدريسي ثانياً، والأهم أن تُدرج مادة المسرح في المدارس فهي قادرة على قلب الموازين من أجل تربية الطفل وخلق حالة إبداعية عنده.