مجلة البعث الأسبوعية

الأنقاض يمكن أن تنهض من جديد.. سورية ..هزيمة إمبراطورية الفوضى والنهب والأكاذيب… وقيامة تدمر

البعث الأسبوعية – هيفاء علي   

بيبي اسكوبار، صحفي برازيلي مخضرم، كتاباته جميعها تحمل سمة التعاطف مع قضايا المنطقة العربية والدول النامية، والمناهضة لسياسات الغرب المتغطرس، والمتعطش دوماً لنهب خيرات الدول الأخرى دون توقف.

في هذا السياق، نشر موقع “ريزو انترناسيونال”، مقالاً لهذا الصحفي حول سورية، متناولاً فيه عمليات سرقة النفط والقمح السوريين من قبل القوات الامريكية المحتلة للشمال والشرق السوري، على مرأى العالم أجمع.  في البداية لفت إلى أنه مع استمرار السرقة الهائلة للموارد الطبيعية في سورية من القوات الأمريكية غير الشرعية، فإن خطة روسيا لإحياء تدمر، التي دمرها تنظيم “داعش”، هي تذكير صارخ بأن الأنقاض يمكن أن تنهض من جديد، إذا ساعد أصدقاء سورية في فتح الطريق. فقد انتهت الحرب العسكرية على سورية، ولكن حلت مكانها الحرب الاقتصادية الجائرة. وهنا فإن الشعوب عبر الأغلبية العالمية تشعر بأعمق التعاطف مع الشعب السوري مع إدراك أن هناك القليل مما يمكن فعله طالما أن الأقلية الغربية ترفض مغادرة البلاد.

في الوقت عينه، من غير المرجح أن يبدأ بنك التنمية الجديد -بنك البريكس -في إغراق دمشق بالقروض لإعادة إعمار سورية، على الأقل حتى الآن، على الرغم من كل وعود المساعدة الروسية والصينية.

مضيفاً أنه تحت ذريعة محاربة “داعش”، تعترف وزارة الخارجية الأمريكية بحكم الأمر الواقع بأن احتلالها غير القانوني لثلث سورية وهو الجزء الغني حالياً بالنفط والمعادن المسروقة أو المهربة سيستمر إلى أجل غير مسمى. وعليه، فإن عمليات نهب النفط في محافظة الحسكة شمال شرقي البلاد مستمرة عملياً، كما يتضح من مواكب عشرات شاحنات الصهاريج التي تتجه إلى شمال العراق عبر معبر الوليد أو الحد الحدودي – المحمودية- غير الشرعي محملة بالنفط المسروق، وعادة ما ترافقها ميليشيات “قسد” الانفصالية كونها المدعومة من الولايات المتحدة. ومن باب التذكير، فإن الغالبية العالمية تعلم جيداً أن تنظيم “داعش” هو في الأساس صناعة أمريكية، وهو فرع من تنظيم “القاعدة” في العراق، ولد في معسكرات على الحدود العراقية الكويتية. أما ” قسد” العميلة، فقد تم تشكيلها كـ “تحالف” من الميليشيات العرقية بالاضافة إلى الارهابيين والسلفيين الشيشان.  وكما لو أن عمليات نهب النفط التي لا هوادة فيها لم تكن كافية، يواصل البنتاغون إرسال شاحنات محملة بالذخيرة والمعدات اللوجستية إلى الحسكة.  قوافل تأتي وأخرى  تمضي إلى قواعد عسكرية أمريكية غير شرعية في ريف الحسكة، وتحديداً إلى قاعدة في حقول الجبسة النفطية بالقرب من بلدة الشدادي. وفي الآونة الأخيرة، عبرت 39 ناقلة عسكرية أمريكية حدود المحمودية -غير الشرعية -إلى كردستان العراق محملة بالنفط السوري المسروق.

وأضاف اسكوبار أنه على الرغم من هذه الحقائق الصعبة، لا تزال روسيا دبلوماسية بشكل مفرط بشأن هذه القضية، حيث قال ميخائيل بوغدانوف، ممثل بوتين الخاص للشرق الأوسط وإفريقيا، مؤخراً: “واشنطن تستخدم ذريعة محاربة الإرهاب لتكون حاضرة في شرق الفرات في مناطق مهمة اقتصادياً، حيث يتوافر النفط الخام والاحتياطيات الطبيعية الاستراتيجية، في إشارة إلى القوات الأمريكية المحتلة المنتشرة في التنف جنوبي سورية و “الدعم” الأمريكي لما تسمى “قسد” في شمال سورية. ومع ذلك، فإن هذا بالكاد اكتشاف يغير قواعد اللعبة، ولا يعني ذلك على الاطلاق تصعيد التوتر مع الأمريكيين، بحسب بوغدانوف.

عمليات السرقة والنهب

ووفقاً للحكومة السورية، فقد تعرض قطاع الطاقة السوري للنهب بمبلغ مرعب قدره 107 مليارات دولار بين عامي 2011 و2022 من قبل الاحتلال الأمريكي وعمليات القصف الجوي التي نفذتها قوات “التحالف” والسرقة أو النهب من قبل العصابات الإرهابية. فهناك ما لا يقل عن اثنتي عشرة قاعدة عسكرية أمريكية غير شرعية في سورية تقدر قيمتها بأقل من 10 ملايين دولار. حقيقة أن 90٪ من النفط والغاز السوري يتركزان شرق نهر الفرات، في المناطق التي تحتلها الولايات المتحدة ووكلائها “قسد”، يسهل مهمة الإمبراطورية إلى حد كبير. ولا يؤثر الاحتلال الفعلي على المناطق الغنية بالطاقة فحسب، بل يؤثر أيضاً على بعض الأراضي الزراعية الأكثر خصوبة في سورية.

وكانت النتيجة النهائية جعل سورية مستورداً للطاقة والغذاء وهي التي كانت قبل الحرب تتمتع بالاكتفاء الذاتي من القمح. كما تقع الناقلات الإيرانية بانتظام ضحية لأعمال التخريب الإسرائيلية عند نقل النفط الذي تشتد الحاجة إليه إلى الساحل الشرقي للبحر المتوسط ​​في سورية.

امبراطورية النهب

في وقت سابق من هذا العام، حثت وزارة الخارجية الصينية “إمبراطورية النهب” على إعطاء السوريين و “المجتمع الدولي” سرداً كاملاً لسرقة النفط، وشمل ذلك قافلة من 53 ناقلة تحمل نفطاً سورياً مسروقاً إلى قواعد عسكرية أمريكية في كردستان العراق في بداية عام 2023.

في ذلك الوقت، كانت الحكومة السورية قد كشفت بالفعل عن سرقة وتهريب أكثر من 80٪ من إنتاج النفط السوري اليومي من قبل الأمريكيين ووكلائهم في النصف الأول من عام 2022 وحده.  كما ندد المندوب الدائم لسورية لدى الأمم المتحدة، السفير بسام الصباغ، مراراً وتكراراً كيف أن “سرقة إمبراطورية النهب للموارد والنفط والغاز والقمح” أغرقت ملايين السوريين في حالة من انعدام الأمن، مما أدى معاناة الشعب السوري من انعدام الأمن الغذائي.

وبالتالي، يلفت الصحفي من خلال ما تقدم إلى أن احتمالات إعادة إعمار سورية ضئيلة في حال لم يتم طرد اللصوص الغربيين، وأن هذا الأمر سيتطلب تعاوناً مفصلاً ومنسقاً بين القوات الصديقة والحليفة، والجيش العربي السوري، فالحكومة السورية لن تكون قادرة على القيام بذلك بمفردها. ولإجبار الإمبراطورية على الخروج، لا يوجد حل آخر سوى جعل التكلفة البشرية لسرقة النفط السوري لا تطاق، فهذه هي الرسالة الوحيدة التي تفهمها الولايات المتحدة.

ويوضح أيضاً أن هناك سلطان أنقرة العثماني الجديد الذي يبذل قصارى جهده لإقناع فكرة أن العلاقات مع موسكو لا تزال تتطور، وأنه يأمل أن يزور نظيره فلاديمير بوتين تركيا في آب الجاري. فيما يتعلق بسورية، يلتزم أردوغان الصمت. في غضون ذلك، يواصل سلاح الجو الروسي الضغط على أنقرة، ويقصف العصابات الإرهابية في إدلب، التي يدعمها النظام التركي.

تدمر تولد من جديد

على الرغم من الكثير من التشاؤم، وقع حدث سحري تقريباً في 23 تموز الماضي بعد ست سنوات من تحرير تدمر -الواحة الأسطورية على طريق الحرير -وبعد التغلب على جميع أنواع المتاعب البيروقراطية، بدأت أخيراً ترميم لؤلؤة الصحراء هذه، وقد وجدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا طريقة للاحتفال بهذه اللحظة من خلال مقارنة مناسبة بأوكرانيا عندما قالت إن للقتال بالآثار والمقاتلين السوفييت الذين سقطوا، فإن الأوكرفاشيون هم الأفضل. لا جدوى من مناشدة الضمير أو الذاكرة التاريخية لنظام كييف الحالي، لا يوجد شيء. وبمجرد تحقيق أهداف العملية العسكرية الخاصة،ستتم استعادة جميع الآثار المدمرة في أوكرانيا، حيث يوجد في روسيا متخصصون في ترميم ما بعد الحرب.

إن ترميم تدمر هو مثال على عملهم غير الأناني واحترافهم، فقد اكتشف المتخصصون الروس واستعادوا المصدر القديم لإفكا، الذي كان يروي حدائق تدمر منذ العصر البرونزي، وتمكنوا أيضاً من العثور على القناة الرومانية التي كانت تزود تدمر بمياه الشرب، على بعد 12 كم من المدينة.  كان الرومان قد حفروا نفقاً بحجم الإنسان تقريباً، ثم قاموا بتغطيته بالحجر، ودُفن كل شيء، وقد تم العثور عليها سليمة تقريباً.

في القرن العشرين، عندما بنى الفرنسيون فندق ميريديان في تدمر، قاموا بإغلاق القناة، بحيث لم تعد المياه تمر. وسرعان ما بدأ علماء الآثار الروس العمل وتم تنظيف القناة. المشكلة هي أن الفرنسيين دمروا هذا المصدر لمياه الشرب، فقد جفت القناة تماماً.

تتضمن خطط تدمر ترميم المسرح الأسطوري قبل نهاية عام 2023، وسيستغرق ترميم القوس، الذي فجرته “داعش” بالديناميت، عامين. سيتم ترميم معبد “بل”، الذي يعود تاريخه إلى القرن الأول الميلادي، والبنية التحتية التاريخية الأخرى.

علماء الآثار يبحثون بالفعل عن مصادر التمويل، بحسب الصحفي، الذي يضيف في النهاية أنه بطبيعة الحال، فإن عملية إعادة الاعمار في سورية ككل يشكل تحدٍ كبير، وأنه يمكن البدء بتسهيل الأمر على الشركات السورية وإلغاء الضرائب الوطنية، كما يمكن لروسيا والصين المساعدة من خلال إنشاء هيكل لشراء المنتجات السورية، مع مراقبة جودة موحدة، وبيعها في أسواقهما، مما يخفف العبء البيروقراطي عن كاهل العامل والتاجر السوري العادي.  يمكن للروس أيضاً استبدال المنتجات السورية بالقمح والآلات الزراعية، الحلول ممكنة، والاستعادة في متناول اليد، مشدداً على فكرة أنه يجب أن يكون تضامن الأغلبية العالمية في سورية قادراً على هزيمة إمبراطورية الفوضى والنهب والأكاذيب.

ومن باب التذكير، فقد انطلقت أعمال الورشة العلمية “رؤى ومنهجيات ترميم وإعادة بناء قوس النصر في تدمر” بالتعاون بين المديرية العامة للآثار والمتاحف والأمانة السورية للتنمية، ومعهد تاريخ الثقافة المادية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم بحضور خبراء من منظمة اليونيسكو، وذلك في 23 تموز الماضي.

وتضمنت الورشة وضع منهجية تأهيل قوس النصر وإعادة بنائه وترميمه، بحضور أطراف الاتفاقية المبرمة مع الجانب الروسي والمديرية العامة للآثار والمتاحف والأكاديمية الروسية للعلوم والأمانة السورية للتنمية، إضافة إلى وجود خبراء دوليين وأعضاء في اللجنة العلمية الدولية المشكلة من الخبراء الآثاريين والمعماريين، والذين عمل قسم منهم في تدمر سابقاً والمنظمات المعنية من اليونيسكو والهيئات الاستشارية التابعة لها (إيكوموس وايكروم)، لتقديم الدعم الفني والتخصصي لأعمال تأهيل قوس النصر.

سورية تحبط مناورات الغرب وتستعيد شرعيتها

في سياق آخر، تقوم الأمم المتحدة بتقديم مساعدات إنسانية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم “القاعدة” في شمال غرب سورية، منذ عام 2014. وفي أعقاب وقوع زلزال شباط المدمر، فتحت الحكومة السورية نقطتي عبور إضافيتين لتسهيل وصول المساعدات إلى المتضررين من الزلزال، ولكن رغم ذلك استمرت المساعدات الأممية في العبور من معبر باب الهوى، أي عبر تركيا.

قاطع الإرهابيون في الشمال الغربي إلى حد كبير وأغلقوا الممرات من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية. ولكن أصرت الحكومة السورية وروسيا الاتحادية على تعديل قرار مجلس الأمن الدولي أو إلغائه، وليس تجديده، وبالفعل فشلت محاولة التجديد الجديدة بعدما استخدمت روسيا حق النقض ضد القرار المدعوم من الغرب واقترحت قراراً آخر فشل في تحقيق النصاب القانوني اللازم.  وبدون تفويض من مجلس الأمن، لم يكن لدى الأمم المتحدة أي وسيلة قانونية لملاحقة القوافل، فاجأت الحكومة السورية الجميع ووافقت على إبقاء باب الهوى مفتوحاً أمام قوافل الأمم المتحدة، وقالت في رسالة قدمتها إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن إنها ستسمح للأمم المتحدة بالوصول إلى المعبر لمدة ستة أشهر “بالتعاون والتنسيق الكاملين” مع الحكومة السورية. وبفضل هذا التدبير، ستكون الحكومة السورية على الأقل قادرة على ممارسة بعض السيطرة على البضائع التي تدخل البلاد وتوزيعها. وهكذا أحبطت سورية وروسيا الجهود الغربية للسيطرة على القضية: إن صد قوافل الأمم المتحدة تحت هذه الذريعة أو تلك سوف يُنظر إليه بالتأكيد على أنه نفاق وانتقام لا علاقة له بالقوافل الإنسانية المفترضة التي كانوا يدافعون عنها طوال هذه السنوات، ومرة أخرى، من خلال إبقاء باب الهوى مفتوحاً للأمم المتحدة، ستعزز سورية مكانتها العالمية.