مجلة البعث الأسبوعية

على أبواب رمضان.. شهر الصوم لم يعد كما ما كان عليه: غاب صوت المدفع وغابت نداءات المسحراتي!!

للسوريين عادات وطقوس رمضانية خاصة يتناقلونها من جيل إلى جيل، كموروث حي لا يمكن تجاهله أو التغافل عنه، يحكي روح التراث والأصالة والمحبة والتواصل الديني والأخلاقي، ولكنها عادات تكاد تندثر هذه الأيام بفعل الحرب.. ورغم ذلك، فإن عادات وتقاليد رمضان لا تزال قائمة في أكثرها، خاصة لجهة التميز بأنواع المأكولات التي يتفنن بها البعض مثل الفتوش والتبولة والكبة والفطائر وحلويات الكنافة النابلسية والمذلوقة وشقائق النعمان وكذلك شراب العرقسوس الذي لا يخلو من مائدة إفطار سورية.

كان السوريون يستيقظون كل فجر على مدفع السحور وطبلة المسحراتي الذي يتجول في الأحياء الشعبية داعيا الصائمين لعبادة الله وقيام الليل وإعداد السحور، حيث يجتمع الأهل حول الموائد الشهية والغنية بالمأكولات المعدة من الخضار والزيتون والبيض والجبن والشاي والمربيات والزعتر وغيرها.

وبعد أداء صلاة الفجر في المسجد، يغادر المصلون لأخذ قسط من النوم، ثم يذهبون لأعمالهم المعتادة فتكتظ الأسواق وتعمر المساجد بالمصلين حين أوقات الصلاة، وقراءة القرآن. وفي الأسواق، ينتشر باعة الحلويات الشهيرة كالكنافة والنهش والمعجنات كالمعروك والناعم ومحلات بيع الفول والمسبحة والسوس والمخللات حيث يتنافسون في عرض بضائعهم على المشترين.

أما سهرات رمضان فكانت تقام في المساجد، وبعضها في المنازل، ومنها في المقاهي التي توجد في كل حي، حيث يجري تبادل أطراف الأحاديث حول فضائل الصيام وبهجته. كما تقوم المؤسسات الخيرية والأفراد بتوزيع الأطعمة على الفقراء، وتنتشر “موائد الرحمن” لإطعام الفقراء وعابري السبيل، والقادمين من المحافظات الأخرى ممن يأتي عليهم وقت الإفطار وهم في الطرقات.

وتشتد أواصر المحبة والألفة بين أفراد المجتمع السوري في شهر رمضان المبارك، حيث يتبادل المصلون تحيات الود والمحبة. وتقوى هذه الأواصر من خلال تبرع الموسرين على المحتاجين بالهبات والزكاة والصدقات والكفارات التي تقوم بها جمعيات متخصصة تجمع المال والسلع الأخرى لتوزع على الفقراء. ولا يمنع الموسرين أو متوسطي الحال من دعوة أقاربهم وأصدقائهم إلى موائد الافطار.

 

صلاة العشاء والتراويح

تتم صلاة العشاء والتراويح في المساجد. وبعد الإنتهاء من الصلاة يجتمع جميع أفراد العائلة عند كبير العائلة الذي يستقبل الأهل ليصبح البيت دار ضيافة وتستمر الضيافة من بداية رمضان حتى منتصف الشهر المبارك.

ويحضر رجال العوائل جميعاً الصلاة، ويحث كبير الأسرة أولاده وأحفاده للذهاب إلى صلاة التراويح، فيما تخصص ساعات لقراءة القرآن في المساجد، وربما في المنازل، ويستمع آخرون إلى علماء الدين وهم يردون على أسئلة واستفسارات الصائمين.

وبعد الانتهاء من صلاة العشاء تعقد الحلقات الدينية التعليمية في المساجد حتى صلاة التراويح، وعلى مدى الشهر، في العديد من المساجد. وقبل أذان الفجر بساعتين تقريبا تبدأ صلاة التهجد، ليعود بعدها المصلون إلى منازلهم لتناول طعام السحور، أو يبقى بعضهم في المسجد يدعون ويبتهلون ويتناولون ما قد يحضرونه معهم.

أما إحياء ليلة القدر فيبدأ من بعد صلاة التراويح حتى صلاة الفجر، وتعد هذه الليلة من أبرز مظاهر رمضان، حيث لا تكاد ترى أحداً في الشوارع، فالرجال في المساجد والنساء في البيوت وجميعهم لهم همّ واحد، وهو نيل المغفرة والرضوان من الله. وفي نهاية هذه الليلة يقوم بعض الذين أنعم الله عليهم بإحضار طعام السحور للمصلين في المسجد ليتسحروا بها.

 

المشروبات والمأكولات

مع قدوم رمضان، تتغير الأطعمة التقليدية إلى أطعمة ومأكولات رمضانية، وينتشر التمر والمشروبات كالعرق سوس والتمر هندي، والجلاب، إضافة إلى أنواع حلويات مفضلة لدى الناس كالقطايف، والمشبّك، لفائف قمر الدين.

وأهم شيء في مائدة الإفطار شوربة العدس أو شوربة الشعيرية ومعها اللحم أو مرقة الدجاج. أما صحن الفول فهو سيد طاولة الطعام، ثم الفتة أو التسقية. الحمص البليلة مع اللبن والطحينة والثوم والليمون مع المتبلات. وأهم الوجبات هي الكبة والمحاشي، وغيرها من الوجبات المحببة لدى أهل الشام، مع السلطات الغنية بالخضار أو الفتوش، ووجبات الحلويات المشهورة دمشقيا كالعوامة والقطايف، وأهم شيء بعد تناول الإفطار هو الشاي.

ومن أشهر المشروبات في شهر رمضان العرق سوس والتمر الهندي والقمر الدين (عصير المشمش) ولا تكاد تخلو مائدة الإفطار من هذه المشروبات وخاصة بعد الصيام الطويل.

أما حلويات الضيافة فهي عبارة عن القطائف العصافيري التي توضع عليها قشطة الحليب وكذلك البقلاوة والنهشن والنمورة وبعض الفواكه وتكون في ختام الضيافة القهوة المرة وهي مسك الختام ثم تتم زيارة العائلات.

 

تقاليد مميزة

ويشيع لدى الدمشقيين مثل يقول “العشر الأول من رمضان للمرق”، كناية عن الاهتمام بإعداد وجبات الطعام، “والعشر الأوسط للخرق”، أي شراء ثياب وكسوة العيد، “والعشر الأخير لصر الورق” كناية عن الانهماك بإعداد حلوى العيد، كالمعمول وغيره في الأسواق؛ كما ينتشر بائعو الخضار والفواكه والمجففات وغيرها عارضين بضائعهم، ويتكثف الازدحام خاصة في العشر الأخير في أسواق الحميدية والبزورية والعصرونية والحمرا والصالحية وأبو رمانة والقصاع.

وتتماثل العادات الرمضانية في المحافظات الأخرى، ففي الساحل تسود وجبتا السمك مع الرز (الصيّادية)، والخضار واللحوم. فيما تسمح أجواء شاطئ البحر المعتدل للصائمين بالتمشي بعد الإفطار، والسمر على الساحل الجميل، وتزدحم المساجد بالمصلين، وينتشر استهلاك حلويات خاصة بالساحل مثل الجزرية وهي نوع من الحلوى محببة محشوة بالقلوبات والمكسرات وغيرها.

أما في المناطق الوسطى، كحمص وحماة وإدلب، فتسود لدى العائلات أطباق متباينة أهمها الشعيبيات، وهي حلوى محببة تصنع من العجين والجوز والقشطة. وفي حلب تكتظ الأسواق الشعبية بالزبائن خلال النهار، وبعد أداء صلاة التراويح، يتسامر الحلبيون في الشوارع والمقاهي قرب القلعة طريق المسلمية. وتعتبر الوجبات الحلبية غنية بالأطعمة اللذيذة من أنواع الكبة الصاجية والمقلية اللبنية المشوية وحميص الفحم المشوي بنوعيه الشقف والسادة، وكل أنواع المحاشي و”اليبرق”.

اما في المحافظات الشمالية الشرقية فتطغى المناسف (الرز مع اللحم والسمن العربي) مع اللبن الرائب على موائد الصائمين الذين يتداولون طعامهم في المضافات العربية الواسعة، والتي تتوزع فيها الوسائد مرفقة بالسلطات والعصير ويستهلك التمر والعجوة والحلويات الشعبية وغيرها وتعمر المساجد بالمصلين.

 

أسواق دمشق

تنقسم أسواق دمشق مع بداية رمضان على أساس طبقي وبشكل أكثر وضوحاً من أشهر السنة الأخرى، وتختلف الحكايات بين سوق وآخر. وفي أسواق وأحياء أخرى، تبدو الأجواء أقل صخباً. ولكن العديد من المطاعم تمتلئ يومياً بالروّاد القادمين لتناول وجبات الإفطار. وقُبيل حلول رمضان بعدة أيام، تشهد مختلف الأسواق اكتظاظ التحضيرات المعتادة، لكن المارّة هذه الأيام باتوا أكثر من المتسوقين. وفي الأسواق الواقعة في المناطق الأكثر كثافة سكانية، تمتلئ الأزقة والحارات بالقادمين من كل حدب وصوب. وتنشغل النساء بالبحث عن البضائع الأقل سعراً، وبالنقاش مع الباعة على أمل الحصول على شيء من “المراعاة”.

وفي الأسواق، ينتشر باعة الحلويات الشهيرة كالكنافة، والمعجنات كالمعروك (نوع من خبز رمضان مزين بالسمسم) والمعروك المحشي بالتمر (العجوة)، والناعم (طبق شعبي من العجين مقلي بالزيت ومزين بالدبس)، ومحلات بيع الحمص والفول والسوس والمخللات، حيث يتنافسون في عرض بضائعهم على المشترين والمستهلكين.

ومن الأشياء الشائعة قبل وخلال شهر رمضان، السلال الرمضانية وهي في الغالب سلّة تحتوي على بعض المواد التموينية كالرز والسكر والزيوت والسمن وبعض الحبوب والبقول المجففة لإضافة إلى المربيات وغيرها، وهي تباع في العديد من المحلات التجارية ويشتريها الناس إما للتزود بها أو للتصدق بها على إحدى العائلات الفقيرة.

وفي نهاية شهر رمضان، يبدأ موسم تجاري كبير، ويهرع الناس إلى الأسواق للتزود بالملابس الجديدة للعيد أو لشراء الحلويات الشرقية الخاصة بالعيد. ومع ارتفاع الأسعار بات العديد من العائلات الدمشقية يفضل تحضير هذه الحلويات في المنازل.

 

مسلسلات درامية

كانت الإذاعات تهتم بإنتاج مسلسلات درامية إذاعية، خاصة خلال شهر الصوم، أبطالها الممثلون الذين أسسوا للدراما السورية، كحكمت محسن وتيسير السعدي.

ومع وصول التلفزيون وانتشاره، بدأت المسلسلات الإذاعية تفقد أهميتها شيئاً فشيئاً، ليبدأ الموسم الرمضاني التلفزيوني، ويتطور من مسلسل “البخلاء” إلى مسلسل “مساكين”، وصولاً إلى “صح النوم”، والعشرات من المسلسلات التي ارتبطت بذاكرة الجمهور السوري والعربي، عبر بثها في شهر الصوم.

وكل ذلك طبعاً، قبل الانتشار الأفقي والشاقولي لوسائل التواصل الاجتماعي، وظهور المنصات التلفزيونية، وما بات يعرف بنجوم “السوشيال ميديا” الذين باتوا يقدمون برامج ترفيهية، بل حتى إن بعضهم بات ينتج مسلسلات يشارك فيها ممثلون محترفون.

 

رمضان اليوم

ولكن أيام رمضان بدأت تفقد بهجتها لدى كثيرين، وقد تمر دون أي معنى، فمنذ عام 2011، حين تدفق الإرهابيون الوهابيون التكفيريون إلى سورية، تغيّر وجه رمضان، ولم يعد يشبه ما كان عليه أيام زمان، فقد غاب صوت المدفع، وغاب معه الكثير من التقاليد، كالمسحراتي، وبات من المألوف لكثيرين أن يتناولوا وجبات إفطارهم وحيدين، بعد أن كانت “لمّة” العائلة هي أهم ما يميز شهر رمضان.

وفيما يبادر البعض لدعوة الأصدقاء الوحيدين لمشاركتهم طقوس الإفطار أو السحور، يُنشئ آخرون مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي يُطلقون عليها اسم “إفطار افتراضي”. وفي أماكن أخرى، حيث اضطرت عائلات لا تعرف بعضها لتقاسم أماكن السكن، بعد أن نزحت عن منازلها ومدنها وبلداتها، تأخذ مائدة الإفطار شكلاً آخر. وتجلب كل عائلة طبقاً صغيراً حسب مقدرتها، لتكبر المائدة فتتسع للجميع رغم اختلافاتهم..

أما تقليد المشاركة الأكثر شيوعاً، وهو “السكبة”، خاصة قبل آذان المغرب أو الفجر، فاتخذ وجهاً آخر. إذ تقلّصت كميات السكبة، واستُبدلت الأطعمة المطبوخة المكلفة بأخرى بسيطة، أو ربما ببعض السكاكر والحلويات. أما “سكبة” رمضان بما لها من نكهة خاصة، والتي كانت تتألف غالباً من طبق أو طبقين من الطعام المطهو، كالكبة أو المحاشي، ما يغني المائدة أكثر على عكس الأيام العادية، فلربما انتهت، وقد يكتفي البعض بتدوير الأطباق بين عدد من بيوت الجيران أو الأقربين..