صحيفة البعثمحليات

” فاتورة رمضان “

معن الغادري

لا شك أن تراجع مؤشر العرض والطلب موسم هذا العام من شهر رمضان المبارك حالة طبيعية ومنطقية، ومرد ذلك قساوة الظروف المعيشية والخيارات والحسابات الضيقة والمحدودة لذوي الدخل المحدود، ما يعكس بل ويؤكد ثبات نظرية انعدام التوازن بين الدخل وما تتطلبه الأسرة من احتياجات المائدة الرمضانية على وجه التحديد بتنوع محتواها التقليدي .

ومع تزايد الهاجس المقلق من فاتورة شهر رمضان المكلفة والباهظة، باتت تشكل هذه المناسبات ضيفاً ثقيلاً على العائلات، بالنظر الى ما تشهده الأسواق في مثل هذه الأوقات من كل عام من التهاب وجنون في الاسعار في مختلف المواد والسلع الغذائية ومن احتكار واستغلال من قبل حيتان السوق، ما يضاعف من أعباء رب العائلة الذي يجد نفسه عاجزاً أمام تأمين الحد الأدنى من مستلزمات واحتياجات أسرته، وهو المثقل أصلاً بهموم الواجبات والمصاريف اليومية المتزايدة منها أجور الأمبيرات وغيرها من النفقات والتي تتجاوز أضعاف ما يتقاضاه من أجر يومي أو شهري، الأمر الذي يدفع به إلى الاستدانة أو صرف كامل مدخراته إن وجدت وإفراغ جيوبه وبالتالي الوقوع في مطب العجز المادي والمديونية لأشهر قادمة.

واقع الحال أكدته فتوى أهل الفقه والتشريع الاسلامي  – أولي الأمر – الذين حددوا كحد أدنى مقدار صدقة الفطر وفدية الصيام أي – كفارة رمضان – بمبلغ 6 آلاف ليرة وهو مقدار إطعام وجبة واحدة فقط، وبالتالي هو إقرار شرعي وقانوني لا لبس فيه، بأن المواطن السوري والموظف على وجه التحديد بات تحت خط الفقر بكثير قياساً على دخله والذي لا يكاد أن يكفيه ليومين أو ثلاثة، وهذه الفتوى تعني أن الشخص الواحد يحتاج يومياً إلى مبلغ 12 ألف ليرة في الأيام العادية اذا افترضنا أنها تكفيه لوجبتين فقط في الأيام العادية تماشياً مع سياسة التقشف القسرية، أي أنه يحتاج خلال 30 يوماً إلى حوالي 360 ألف ليرة فقط قيمة إطعام، واذا كانت الأسرة مؤلفة من أربعة أشخاص فهذا يعني أنها تحتاج إلى أكثر من مليون ليرة نفقات إطعام فقط، وبالطبع لا تدخل هذه الحسبة البسيطة ما يترتب على الاسرة من نفقات التنقل واللباس والأقساط والتعليم والتداوي وغيرها من الحالات الطارئة التي تواجهها.

ما نود قوله أن استمرار – حالة التطنيش – الحكومية ممثلة بوزارة حماية المستهلك لواقع حال المواطن المعتر، وإجراءاتها المنقوصة في ضبط حركة السوق ولجم ظاهرة الجشع والإستغلال والابتزاز والإحتكار، يعطي مبرراً إضافياً لتمادي التجار واتساع دائرة التجاوزات والمخالفات والتي بلغت حداً صادماً وكارثياً على المواطن خلال الأيام القليلة الماضية التي سبقت قدوم شهر رمضان، ما يؤكد وجود تقصير وخلل في آليات عمل مختلف اللجان والفرق الرقابية وغيرها من الجهات المعنية، وهو ما يستوجب التدقيق والمراجعة ومن ثم المحاسبة والمسائلة، وأن يكون تدخل رأس هرم الوزارة ناجعاً ورادعاً ومن أرض الميدان وليس من على الصفحات الزرقاء – الفيس بوك – .

ويبقى الأهم أن تسهم مبادرات غرف الصناعة والتجارة والجمعيات الأهلية في هذا الشهر الفضيل بقيمه النبيلة في تنمية الإحساس بالآخر وتوثيق أواصر المحبة والتكافل والتلاحم والتعاضد المجتمعي لا أن تنحرف هذه المبادرات عن مسارها وأهدافها، خاصة ما يتعلق منها بمهرجانات ومعارض التسوق والتي غالباً ما يكون ظاهرها خيري ومضمونها ربحي ونفعي .