دراساتصحيفة البعث

الوجه الاستعماري لصندوق النقد الدولي

سمر سامي السمارة

كشف تحليل نشرته منظمة “أوكسفام” الدولية مؤخراً أن الشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي على 90٪ من قروضه المتعلقة بالأوبئة، تجبر الدول النامية التي تعاني بعضاً من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، على تنفيذ تدابير تقشفية تزيد من الفقر وعدم المساواة.

ووجدت المنظمة أن 13 من أصل 15 من برامج القروض التي تفاوض عليها صندوق النقد الدولي خلال السنة الثانية على الوباء، تتطلّب تدابير تقشف جديدة، مثل الضرائب على المواد الغذائية والوقود أو تخفيض الإنفاق، ما يعرّض الخدمات العامة الحيوية للخطر.

وأضافت المنظمة أنه من خلال تبني صندوق النقد الدولي لمعايير مزدوجة، حثّت المديرة العامة كريستالينا جورجيفا، الاتحاد الأوروبي العام الماضي على عدم تعريض انتعاشه الاقتصادي للخطر من خلال “القوة الخانقة للتقشف”.

وبدوره، قال نبيل عبده كبير مستشاري منظمة “أوكسفام” الدولية للسياسات في منطقة الشرق الأوسط: “هذا يلخص المعايير المزدوجة في صندوق النقد الدولي الذي يحذّر الدول الغنية من التقشف بينما يجبر الدول الفقيرة على ذلك”.

عند بداية الجائحة، أصدر صندوق النقد الدولي قروضاً تُقدّر بمليارات الدولارات، بشروط قليلة أو معدومة لحالات الطوارئ للدول النامية. ومع ذلك، فقد عادت المؤسّسة إلى ممارستها المثيرة للجدل، حيث طالبت الدول بفرض نمط من تدابير التقشف أدى إلى تفاقم الفقر وعدم المساواة، وعرقل جهود البلدان لتحقيق الأهداف المناخية، وأثار الاضطرابات العالمية، حتى أنه لعب دوراً رئيسياً في إشعال الثورات.

ويشير تقرير “أوكسفام” إلى أن الشروط التي فُرضت لتقديم قرض بقيمة 2.3 مليار دولار لكينيا عام 2021، أرغمت البلاد على تجميد رواتب القطاع العام لمدة ثلاث سنوات، وزيادة الضرائب على المواد الغذائية والغاز المستخدم في الطهي.

وتضيف المنظمة أن أكثر من ثلاثة ملايين كيني يواجهون أزمات غذائية حادة، وخاصة مع حالات الجفاف القاسية منذ عقود، والتي أدت إلى انتشار الجفاف المدمر في جميع أنحاء البلاد، ما أجبر نصف الأسر تقريباً على اقتراض الطعام أو شرائه عن طريق الائتمان.

كما اضطر السودان إلى التوقف عن دعم الوقود، وهي سياسة أثرت بشكل غير متناسب على ما يقرب من 50٪ من السكان الذين يعانون من الفقر. وبحسب المنظمة، كانت البلاد تعاني بالفعل من آثار خفض المساعدات الدولية، واضطراب الاقتصاد، وارتفاع أسعار الأساسيات اليومية مثل الغذاء والدواء قبل بدء الحرب في أوكرانيا، إذ يحتاج أكثر من 14 مليون شخص إلى مساعدات إنسانيه، أي بمعدل واحد من كل ثلاثة أشخاص، كما يعاني 9.8 ملايين من انعدام الأمن الغذائي في السودان الذي يستورد 87٪ من قمحه من روسيا وأوكرانيا.

وبحسب التحليل الذي قامت به “أوكسفام”، يجب على تسع دول، بما في ذلك الكاميرون والسنغال وسورينام، إدخال أو زيادة تحصيل ضرائب القيمة المضافة، والتي غالباً ما تُطبق على المنتجات اليومية مثل الطعام واللباس، وتقع بشكل غير متكافئ على عاتق الأشخاص الذين يعانون من الفقر المدقع. ومن المرجّح أن تقوم عشر دول، بما في ذلك كينيا وناميبيا، بتجميد أو خفض أجور ووظائف القطاع العام، ما يعني تدني جودة التعليم وانخفاض عدد الممرضات والأطباء في البلدان التي تفتقر بالفعل إلى طواقم الرعاية الصحية، وهنا تجدر الإشارة، إلى أن عدد الأطباء في ناميبيا كان أقل من ستة أطباء لكل 10000 شخص عندما تفشى وباء كوفيد– 19.

وقال عبده: “لم ينته الوباء في أغلب بلدان العالم، لكن ارتفاع فواتير الطاقة وأسعار المواد الغذائية يلحق الضرر الأكبر بالدول الفقيرة، فهذه الدول بأمسّ الحاجة إلى المساعدة في تعزيز الوصول إلى الخدمات الأساسية والحماية الاجتماعية، بدل الظروف القاسية التي تزيد الحال سوءاً”. وأضاف: “يتعيّن على صندوق النقد الدولي تعليق شروط التقشف على القروض الحالية وزيادة فرص الحصول على التمويل الطارئ، ويجب أن يشجع الدول على زيادة الضرائب على الأثرياء والشركات لتجديد الخزينة المستنزفة وتقليص حالات التفاوت الآخذة في الاتساع”.