دراساتصحيفة البعث

خطر المجاعة والديون يلوحان في الأفق

عناية ناصر

أضرّت الأزمة الأوكرانية بالاقتصاد العالمي بشدة، ما دفع بمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إلى تعديل توقعاته بشأن نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 3.6 في المائة إلى 2.6 في المائة. ومن المقرر أن يعدل صندوق النقد الدولي تقديراته لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي هذا العام في تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي.

وقدّر المعهد الوطني البريطاني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية أن الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة والغذاء سيستنزف تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أو نقطة مئوية واحدة، بحلول عام 2023 وتعزيز معدل التضخم العالمي بمقدار 3.0 نقطة مئوية هذا العام و2.0 نقطة مئوية في عام 2023.

وتعتبر أوكرانيا الأكثر تضرراً، مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 50 في المائة لهذا العام، حسب تقديرات وزارة الاقتصاد الأوكرانية في 3 نيسان الجاري. كما يقدّر البنك المركزي الروسي انخفاضاً بنسبة 8٪ في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022. وفي الإطار ذاته خفض الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة بالفعل تقديراته لنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.8٪ لهذا العام. وكانت الصادرات والواردات الأمريكية قد انخفضت في آذار الماضي بنسبة 3.4٪ و0.6٪ على التوالي مقارنة بالعام الماضي. كما سيستمر معدل التضخم في الولايات المتحدة، الذي بلغ أعلى مستوى له منذ 40 عاماً، في الارتفاع.

وستشهد أوروبا انخفاضاً أكبر في معدل النمو، حيث يشهد الاتحاد الأوروبي حالياً انخفاضاً حاداً في مؤشر مديري المشتريات في شهر آذار الماضي عند 55.3- بانخفاض 1.6 نقطة عن شباط (56.9). كما انخفضت صادراتها لهذا الشهر بنسبة 5.6 في المائة على أساس سنوي، وانخفضت الواردات بنسبة 3.4 في المائة. وكان البنك المركزي الأوروبي قد قام بتعديل معدل نمو إجمالي الناتج المحلي في منطقة اليورو لعام 2022 إلى 3.7 بالمائة، مقارنة بتقديراته السابقة البالغة 4.2 بالمائة.

لم يتعافَ اقتصاد منطقة اليورو بالكامل من جائحة كوفيد19 حتى الآن، فخلال عامي 2020 و2021، كان لديها نمو إجمالي سلبي في الناتج المحلي الإجمالي (1.5٪)، وستخسر الآن مرة أخرى. ومما زاد الأمر سوءاً، أن الأزمة الأوكرانية زادت من تأجيج التضخم في أوروبا، والذي كان بالفعل عند أعلى مستوى له منذ 40 عاماً. ووفقاً للمكتب الإحصائي للجماعات الأوروبية “يوروستات”، ارتفع مؤشر أسعار المنتجين في الاتحاد الأوروبي بنسبة 31.1٪ على أساس سنوي في شباط، مدفوعاً بارتفاع بنسبة 83.6٪ في قطاع الطاقة، ولاشك أن الأزمة الأوكرانية ستدفع الرقم إلى أعلى بكثير.

إن ارتفاع تكاليف الطاقة يعني ارتفاعاً في تكاليف الإنتاج للمصنّعين الأوروبيين، كما ستشعر العديد من الدول أيضاً بتأثير ارتفاع أسعار الطاقة والاضطرابات في عدد من سلاسل التوريد العالمية.

ومع ذلك، فإن الشاغل الأكبر هو أزمة عميقة في الاقتصادات الناشئة والنامية، ولاسيما البلدان الأقل دخلاً ونمواً، التي لم تتخلص من صدمة كوفيد-19 الخطيرة، والتي أعادت 100 مليون شخص أو أكثر إلى الفقر المدقع، والآن عليهم أن يعانوا من أزمة جديدة. لقد أدت أسعار النفط والغاز المرتفعة إلى رفع فاتورة الواردات والضغط المالي في بلدان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فكل ارتفاع 10 دولارات في سعر النفط سيضيف 0.3 نقطة مئوية من العجز المالي في تركيا و1.3 نقطة مئوية في لبنان، وتواجه مصر وتونس وغانا وكينيا صعوبات مماثلة.

يكمن الخطر الأكبر في أزمة غذاء محتملة في البلدان النامية منخفضة الدخل، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية، بعد ارتفاعها الكبير بنسبة 40 في المائة في عام 2021، في أعقاب الأزمة الأوكرانية. ووصل مؤشر أسعار الغذاء العالمي لشهر آذار 2022، الذي نشرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في 8 نيسان، إلى 159.3، وهو أعلى رقم منذ إنشائه في عام 1990. وارتفع بنسبة 12.6٪ عن كانون الأول 2021، مع ارتفاع الحبوب 17.1٪ والبذور الزيتية بزيادة 23بالمئة.

تستحوذ روسيا وأوكرانيا مجتمعتين على 40 في المائة من صادرات الحبوب العالمية، ويشكل القمح ثلث الإمداد العالمي. ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة فإن 35 بالمائة من سكان العالم يأكلون دقيق القمح، و50 دولة تعتمد بنسبة 30 بالمائة على الأقل على الواردات من روسيا وأوكرانيا.

تسبّبت الحرب والعقوبات على روسيا في إحداث اضطرابات كبيرة في الإمدادات والخدمات اللوجستية، وضربت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء بشكل خاص، لأن 85 في المائة من إمدادات الحبوب في المنطقة تعتمد على الواردات، وثلث هذه الواردات تأتي من روسيا وأوكرانيا. إضافة إلى ذلك، يعاني 6 ملايين مواطن حضري بالفعل في غرب ووسط إفريقيا من نقص الإمدادات الغذائية، كما يعاني 6 ملايين طفل من سوء التغذية.

وكانت كريستينا غورغيفا، رئيسة صندوق النقد الدولي، قد حذّرت بالفعل من مجاعة وشيكة الحدوث في إفريقيا، كما ناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 14 آذار الماضي أن تتخذ جميع الدول إجراءات لمنع تفكك نظام الغذاء العالمي الذي قد يؤدي إلى مجاعة كبرى.

وفي هذا الإطار تذكر التقارير أن تداعيات حرب أوكرانيا بدأت في الإضرار بالاقتصادات الحدودية، ولاسيما في جنوب ووسط آسيا وفي إفريقيا، وزاد كوفيد-19 إجمالي الدين الخارجي لتلك الاقتصادات سبعة أضعاف، من 500 مليار دولار إلى 3.5 تريليون دولار. كما تسبّبت الأزمة الأوكرانية وما تلاها من ارتفاع حاد في أسعار الطاقة والغذاء، إلى جانب اضطرابات سلسلة التوريد، في زيادة تدهور الدين الخارجي. وقد حذّر البنك الدولي من أن 12 دولة نامية منخفضة الدخل ستواجه حالات تخلف عن سداد ديونها العام المقبل، والتي ستكون بمثابة أكبر أزمة ديون تواجهها البلدان النامية منذ 30 عاماً.

ستكون الدول النامية أكبر ضحايا الحرب الروسية الأوكرانية، إذ سيعاني المليارات من سكانها من ارتفاع تكاليف الطاقة والجوع والفقر والديون، لذلك يجب استئناف المحادثات الروسية الأوكرانية والتوصل إلى اتفاق في وقت مبكر، كما يتعيّن على المجتمع الدولي الدفع باتجاه المحادثات والتسوية السلمية النهائية لأن العالم بأسره يعاني، وخاصة الدول الفقيرة وشعوبها.