“قفل المخلب” عملية أردوغان الاستعراضية
علي اليوسف
العملية العسكرية – “قفل المخلب”- في شمال العراق التي أنهى النظام التركي قبل أيام المرحلة الأولى منها كان هدفها المعلن بحسب ما صرحت به وزارة الدفاع التركية هو حماية الحدود، ولو كان ذلك على حساب انتهاك سيادة العراق والقانون الدولي. لكن بمجرد استخدام “حزب العمال” كذريعة لشن الحرب أو التدخل في أراضي الغير فهذا يعني أن هناك هدف أبعد مما هو مصرح عنه بعد أن باتت هذه الذريعة هي كذبة أردوغان الكبرى مثل كذبة الولايات المتحدة المسماة ” الأمن القومي”.
حتى الآن لم يتضح ما هو الهدف الحقيقي للعملية العسكرية رغم التصريحات الرنانة لوزارة الدفاع التركية، ومنها أن العملية مستمرة، ولكن ما هو واضح حتى الآن أن النظام التركي يستعرض قدراته ويرسل رسائل الى الدول العظمى التي ترسم ملامح الاصطفافات الجيوسياسية، وذلك انطلاقاً من حقيقة أنه بحاجة إلى إظهار كل من القوة الناعمة والخشنة لحجز مكان له ضمن تلك القوى العالمية، أو أي ترتيب عالمي قادم والذي يبدو أنه يعاد تشكيله من خلال الحرب الأوكرانية، وصراع القوى المرافق.
طوال التسعينات، كانت تركيا نقطة الارتكاز في عملية احتواء الولايات المتحدة للعراق، لكن عمليــة التحالــف بقيادة الولايات المتحدة قلبت موازين المنطقة، وقلبت معها مصالح وأطماع تركيا، وبالتالي تقليص نفوذها على العراق. ومع عدم وضوح معالم المستقبل تأثرت العلاقات الأميركية-التركية سلباً، خاصةً أن قادة الولايات المتحدة وضعوا أيديهم بأيدي قادة التنظيمات والميليشيات الكردية، وخاصة تلك التي تدّعي تركيا أنها تهدد حدودها وأمنها القومي.
اليوم يعلم الجميع أن الرئيس التركي يواجه أزمات اقتصادية وأمنية نتيجة سلوكه وسياساته الفاشلة، ولذلك كان لا بد من العزف على الوتر القديم ” حزب العمال” لإقناع الشعب التركي الذي بات يتململ قطاع كبير منه من سياسات حزب العدالة والتنمية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، حيث باتت استطلاعات الرأي ترجح ارتفاع حظوظ أحزاب المعارضة، بالإضافة إلى الأقليات – 40 بالمئة من مجموع سكان تركيا- غير الراضية عن حكم حزب العدالة والتنمية، وسياساته سواء الداخلية أو المتعلقة بدول الجوار، وخاصة سورية والعراق.
ومن الممكن في اتجاه آخر أن يكون رأس النظام التركي يغازل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال “قفل المخلب”، خاصة بعد أن اتضحت الملامح بأن بوتين هو من يرسم اللوحة العالمية الجديدة. في الماضي- ليس البعيد- قدم الرئيس بوتين للرئيس أردوغان ضمانات تحرره من الأزمة السورية عندما عرض عليه في قمة سوتشي الثنائية إحياء اتفاق أضنة عام 1998 بين البلدين الذي يكرس التعاون الجدي بينهما للتصدي للإرهاب، ولكن أردوغان رفض هذه المبادرة وتهرب منها، لأنه لا يريد إغضاب الولايات المتحدة وباقي شركاء الحرب على سورية، والانسحاب بالتالي من الأراضي السورية، وعودة سيادة الدولة إليها.
من الطبيعي أن تبحث كل دولة عن مصالحها واصطفافاتها بما يتناسب مع سياساتها الداخلية والخارجية، لكن في الحالة التركية فإن مشكلة أردوغان أنه يقدم مصلحته الشخصية على مصلحة بلاده وأمنها واستقرارها، ولهذا نراه لا يعترف بالهزيمة حتى لو تدمرت تركيا وتحولت إلى دولة فاشلة تعمها الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار فيها. وبالتالي فإن أردوغان يعيش مأزقاً داخلياً وخارجياً شديد التعقيد، نتيجة سياسة اللعب على جميع الحبال التي انتهجها منذ العام 2011 وتحديداً مع بدء الحرب الارهابية على سورية، وهو نفس الشيء الذي نراه في الأزمة الأوكرانية والتي باتت تعطي نتائج عكسية، وعليه من غير المستبعد أن ترتد سلباً على أردوغان شخصياً، وتركيا وأمنها واستقرارها.
لذلك، روسيا لن تنسى طائرات البيرقدار المسيرة التي باعها أردوغان الى أوكرانيا، ولن تنسى أن سياسة الحياد التي اتبعها رئيس النظام التركي لم تكن سوى خدعة، وأن تصفير المشاكل باتت معدومة نظراً لتقلباته السياسية.