الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

قرارات عجيبة غريبة!

 عبد الكريم النّاعم 

الأصل في أيّ قرار يُتّخَذ أن يكون لصالح المواطن، ليُخفّف عنه أعباءه في الجهد والمال، وهذا واجب الجهات المعنيّة كما يُفترَض، وحين يَصدر ما يخالف ذلك فهذا يعني أنّ تلك الجهات في وادٍ والناس في وادٍ آخر!.

من هذه القرارات أنّ دفْع فواتير الهاتف والانترنت سيكون حصراً عن طريق الإلكترون، وهذا يقتضي أن يفتح المواطن حساباً في البنك، وأعلنوا أنّهم يقبلون إيداعاً في المصرف المركزي بقيمة عشرة آلاف ليرة سوريّة.

لقد كان المواطن يدفع ما عليه عن طريق محال مختصّة بذلك، فلا يضيع على الاتصالات شيء من حقوقها، فلماذا كلّ هذا التعقيد، والحصار، علماً أنّ خدمات الانترنت من أسوأ الخدمات، وترفع الأسعار بحسب الهوى غير مراعية لقدرات الناس على الدّفع.

هذا يعني أنّ على عامل التنظيفات، إذا كان لديه ولد عنده كمبيوتر، من أيام زمان، عليه أن يفتح حساباً، في الوقت الذي يحتار فيه كيف يؤمّن لقمة العيش التي تقيه الموت، لا كما يشتهيه من طعام في الحدود الدنيا، كما سيشمل هذا جارنا بائع الفلافل، وسيُدخَل في هذا الخرم الذين يجمعون الورق المقوّى (الكرتون) للحصول على ما يمنع الجوع أن يعضّهم.

طرُق الدفع الإلكتروني موجودة في السويد، وبريطانيا، وفرنسا، وفي البلاد التي لا تنقطع فيها الكهرباء، فأين نحن من ذلك؟!! علماً أنّ انقطاع الكهرباء يعني الانقطاع عمّا يجري، وهو يمسّ حياتنا كوجود، في صراعنا مع الصهيونيّة وداعميها، والساكتين عنها.

أيّها الذين أصدرتُم هذه القرارات، وستُعتبَر سارية منذ مطلع عام 2024،.. حين نأتي إلى شجرة يابسة، وندهنها بالأخضر، فذلك لا يعني أنّها قد دبّت فيها الحياة، فما الذي اضطرّكم لذلك، أليس ذلك تضييقاً على المواطن الذي لم يعد يدري كيف يرقّع فروتَه الممزَّقَة؟!!.

قالوا قديماً إنّ التشبّه بالفَلاح فَلاح، فهل التشبّه بالبلدان المتقدّمة تكنلوجياً يرفعنا إلى ذلك المَصاف الذي هو حلم الأحلام؟!!.

هذا يذكّرني بمثَل حمصيّ قديم، وربّما ذُكر في غير حمص، يقول عمّن ليس من (الكِبار)، “عمْ يقلّد الكبار بشحْطة البابوج”، والبابوج غاب منذ أزمنة بعيدة، وهو ما نسمّيه اليوم (شحّاط)، وهو من جلْد أصفر، مُغلَق الأمام، مفتوح الخلف، وله نعْل.

إذا كانت الكهرباء لا تصلنا إلاّ ما يقرب من نصف ساعة كلّ ثماني أو عشر ساعات، فأين نحن من ذلك الوهْم الذي أنتم فيه؟!!.

كنتُ، كما ذكرتُ سابقاً، من أجل كتابة مقالة بحدود الخمسممئة كلمة أحتاج لعدّة أيام، بسبب انقطاع ما تُرسله شركة التعتيم المستمر.

قرار آخر يفرض على الطلاّب الجامعيّين أن يدفعوا ما يستوجب عليهم لجامعاتهم في المصرف المركزيّ حصراً،.. يا إلهي!! ألمْ يكونوا يسدّدونها في دوائر تلك الجامعات؟!! لماذا هذه الملاحقة الضّارية للمواطن؟!! هل ذهب أحد من أصحاب تلك القرارات الشنيعة إلى المصرف التجاري ليُشاهدوا ما يجري فيه؟!! الازدحام الخانق من عرض الشارع حتى داخل المصرَف بحيث لا تستطيع الوصول إلى بغيتك إلاّ بشقّ النفس، وربّما تمزيق الثياب، والذين يأخذون رواتبهم منه من المتقاعدين قد يصرفون عشرين يوماً في الذهاب والإياب، فهو تارة لا يصل، وأخرى انقطاع الكهرباء، وثالثة عُطل في الصرّاف.

تُرى ألا يستطيع المصرف المركزي تركيب مولّدة كهربائيّة، بحيث تتيسّر أعماله وأعمال العباد، أم أنّ ذلك لا يعنيهم في شيء؟!!

أليس هذا إعراضاً، وتقصيراً مقصوداً، أو غير مقصود، يؤدّي إلى تعميق عدم الثقة بين المواطن والدوائر التي يذهب إليها؟!!.

هل كلّ هذا ناتج عن جهل؟!!

aaalnaem@gmail.com