ثقافة

وفيق بوشي يرسم دمشق القديمة بتقنية الرسم على الزجاج ويوجه رسالة للطلاب

ملده شويكاني

“على أية آلة كنت تعزف؟”.. أجابني: “على العود الذي أعشقه”.

بهذا السؤال، بدأ حواري مع الفنان التشكيلي وفيق بوشي، ومن يتجول بمعرضه “عزف منفرد على حواري دمشق” الذي أقيم في المركز الثقافي (أبو رمانة) يسمع نغمات العود المحمّلة بوجدانيات دمشق القديمة، ويمضي في حارات دمشق وأزقتها بألوانها، ويستوقفه المارة الذين يتجمعون تحت أقواسها، وكذلك باب المنزل المقوس وتفاصيل النوافذ الخشبية وتلك المدخنة الموحية بدفء الحكايات، ومن ثم يأخذه الخط الأسود الذي استخدمه وفيق بوشي لتحديد مكونات اللوحة إلى جمالية التوثيق التشكيلي، ولاسيما أنه تلميذ ناظم الجعفري.

وعلى الرغم من جماليات لوحاته السابقة إلا أنه في هذا المعرض رسم حارات دمشق بتقنية جديدة من رؤيته الخاصة، وفي ركن آخر من المعرض شغلت لوحات الطبيعة الهادئة المستمدة من ريف دمشق والساحل السوري حيّزاً من المعرض، وقد رسمها بأسلوب واقعي يتخلله شيء من الانطباعية، إضافة إلى لوحات البورتريه والجميل أنه رسم نفسه.

 ماذا تقصد من عزف منفرد بالمعنى المباشر؟. 

العزف المنفرد هو الأسلوب الذي اتبعته بالرسم على الزجاج بتقنية جديدة انفردتُ بها، وهذا الأسلوب صعب لأنه يتطلّب من الفنان التمكّن من المنظور، إضافة إلى التعامل الدقيق مع ألوان الزجاج التي لا تعدل والخطأ يستدعي الإعادة، فالفنان يكون دقيقاً بوضع اللمسة اللونية بمكانها الصحيح.

ولا بدّ من أن البداية كانت صعبة لكن بعد لوحات قليلة تمكّنت من التقنية التي أردتُ أن أخوض غمارها، واخترتُ دمشق القديمة لأنها تحتوي كلّ شيء، فيها المنظور والعمارة والألوان، ويغلب اللون البني على بيوتها باستثناء الطرقات. والتعامل مع اللون البني يعطي أريحية للفنان، لأنه يمكنه من استخدام كلّ الألوان، إذ تدخل بتكوينه ثلاثة ألوان أساسية هي: الأصفر والأحمر والأزرق.

 غلبت تدرجات اللون الواحد مثل الأصفر، على بعض اللوحات التي رسمتها بتقنية الرسم على الزجاج، فما تعليقك؟.

إجمالاً هذه الألوان غير موجودة بالحارة التي كما قلت تغلب عليها درجات البني، إلا أنها تخدم اللوحة ضمن تكويناتها، فوجود الأصفر بجانب البرتقالي والأزرق والبنفسجي يخدم تكوينات اللوحة، بينما في لوحات أخرى أخذت اللون البني دون إدخال ألوان أخرى.

 ما دور الأشخاص في لوحاتك، وهل أضافوا حالة تعبيرية أم تشكيلاً؟.

بالتأكيد.. الأشخاص موجودون بالحياة بشكل ما، إلا أنني أضفتهم إلى تكوين اللوحة لضرورة التكوين بالدرجة الأولى، في بعض اللوحات كتلة عمرانية متوازنة ضمن اللوحة لا تحتاج إلى أشخاص، بينما في أخرى تحتاج اللوحة إلى كتلة فعلى طرف اليمين كتلة البناء، ويبقى الطرف الآخر فارغاً ما يتطلب التوازن، فأضفت المارة، وهنا يتضح دور الفنان بالمخزون البصري والثقافي الذي يملكه، وقد أرى أشياء في الحارة تسيء إلى اللوحة في المشهد الذي أريد نقله مثل حاوية القمامة فأحذفها.

 رسمت معالم الحارة بشكل طولي أو أفقي للمشهد العام.. لماذا لم تدخل إلى تفاصيل البيت الدمشقي؟.

كلّ لوحاتي عن مشهد الحارة لم أدخل إلى تكوينات البيت الدمشقي، لأنه يتطلّب توثيقاً دقيقاً بالدخول إلى البيت الدمشقي، ولم أجد فرصة مناسبة أقصد لا أعرف أحداً أدخل إلى منزله، أستطيع أن أرسم عن الصور أو من الخيال، إلا أن توثيق البيت الدمشقي يحتاج إلى دقة، وكل بيت يختلف بتفاصيله عن الآخر رغم توافق تكوين الطراز المعماري العام من حيث التوزيع، مثل الليوان والمشرقة والقاعة والبهو والدرج وفناء الحديقة والبحرة والأشجار والنباتات والأزهار، ربما أرسمه ذات يوم.

 في المعرض لوحات بورتريه.. أي وجوه تستهويك لترسمها؟.

الفنان أحياناً يفشل برسم بورتريه ليس لأنه غير متمكن، إلا أن بعض الوجوه معقدة وتعبّر عن شخصيات متقلبة، وفي أشخاص من الصعب رسم ملامحهم، إحساس لا أستطيع تفسيره، بشكل عام يستهيوني التشريح الظاهر، أحبّ رسم كبار السن الذين تغطي التجاعيد وجوههم، وأعشق الظل والنور المنعكس على الوجه، فيستهويني الظل، وأميل إلى رسم الوجوه الحزينة، فأستشفّ نظرة العين الحزينة حتى إذا كان الوجه ضاحكاً.

 منذ تسعة وثلاثين عاماً وأنت تدرّس أساسيات الرسم وفنونه.. كيف تقيم واقع التعليم الآن؟.

أنا مع الفنان المتمكّن الذي يملك أسلوباً جيداً بالتعليم، لكن للأسف كثيرون لا يعلّمون بشكل صحيح، فالنتيجة هي التي تحدّد، فإذا استطاع الطالب اجتياز امتحان القبول في كلية الفنون الجميلة والنجاح يكون تعلّم بشكل صحيح، برأيي توجد خطوط حمراء بالتعليم تبدأ من المنظور إن كان طالباً في كلية الفنون أو في هندسة العمارة، إضافة إلى تعليم النسب والتظليل والألوان، أما تعليم الأطفال فيعتمد على التعزيز والتشجيع بتعليم الطفل معلومات تتناسب مع مستواه الفني واستيعابه، وإعطائه الحرية باستخدام اللون، وبرأيي الطفل رسمه مبدع، ونرى حالياً فنانين كباراً يرسمون بأسلوب الأطفال لكن موظفاً باحترافية، بينما الأطفال يرسمون بالفطرة.

 ختاماً.. ما رسالتك من المعرض؟ ولماذا رسمت نفسك؟.

أنا أشتغل بالأسلوب الواقعي، وأتمنى ألا يمرّ الزائر مرور الكرام، يجب أن يفهم اللوحات ويستوعبها، ولاسيما الطلاب، لأن اللوحة المرسومة بالواقعي تعبّر عن  أساسيات الرسم، فالطالب يشارك بدورة تدريبية تعليمية من خلال اللوحة، لذلك معرضي يحمل رسالة تعليمية بالدرجة الأولى، وموجّه إلى الطلاب، أما عن لوحة البورتريه التي رسمتُ فيها وجهي، فتعود إلى مرحلة قديمة إلى أستاذي ناظم الجعفري، الذي قال لي يوماً “حينما تتعلم رسم نفسك تكون تعلمت الرسم”.