الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

هيام في قصر الذكريات

سلوى عباس

كنت لا أزال أتلمّس طيوف الحلم الأولى عندما كانت تشدّني بخفة روحها وعفويتها التي فطرت عليها، تمررها عبر ضحكتها الأثيرية مع المستمعين، فتبدو وكأنها تقصّ علينا حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، وظلّ شغفي بها وببرامجها مرافقاً لي حتى الآن.

هيام حموي إنسانة خفيفة الروح، تتحدث بعفوية وشفافية فُطرت عليها، تعرّف عن نفسها أنها “روح هائمة منذ ألف عام تبحث عن الحب والخير والجمال، ولهذا السبب قد يكون أهلي بحدسهم سمّوني هيام”. تسعى إلى ترسيخ قيم الحب والجمال في كل عمل تحضر لإنجازه، فهي رغم مساحات القبح والبشاعة المحيطة بنا تعتبر أنه على الإنسان أن يشتغل محرك الحب دائماً حتى تبقى الأفكار الجميلة: “أشعر أن كل لحظة حب يعيشها الإنسان، تخفّف قليلاً من سحب القبح المحيطة بنا، لذلك يجب أن نحب كثيراً”، وهذه الحالة الإنسانية التي تعيشها هيام ساهمت إلى حدّ كبير في إغناء تجربتها الحياتية والمهنية، وكل الذين يعرفونها عن قرب يجدون أنها تشبه عملها كثيراً، ففي كل برنامج وكل فقرة تقدمها، تظهر هذه الرغبة في البحث عن الأفضل.

تجاوزت مسيرة الإعلامية النبيلة والراقية هيام حموي النصف قرن، ومع ذلك لازالت تتعامل مع الإذاعة بشغف وحب، مفعمة بالحيوية والنشاط، والقدرة على التجدّد وابتكار برامج تحمل أفكاراً ممتعة ومفيدة بآن معاً، فقبل كل مناسبة نراها في حالة من الاستنفار واللهاث وراء اللحظة تحاول إيقافها لإنجاز أعمالها لتستثمر الوقت بكل طاقتها.

منذ أن بدأت إذاعة “شام أف أم” مسيرتها الإذاعية وصوت الغالية هيام رفيق السوريين جميعاً عبر صوتها الأثيري الذي يمسك الإنسان من روحه ويدعوه للاستماع والمتعة، وفي كل المناسبات لها بصمتها الخاصة تمنحها لبرامجها، ودائماً لشهر رمضان الكريم حصة كبيرة من اهتمامها، حيث تسعى لإنجاز أعمال تختلف عن المتداول في الوسائل الإعلامية الأخرى لتفاجئنا بإبداعات وأفكار ننتظرها بلهفة وحب.

في الموسم الرمضاني لهذا العام كان لنا معها أكثر من محطة برفقة الجميل حسام العاتكي مخرجاً مبدعاً لهذه الكنوز، حيث رافقتنا في رحلة إلى قصر ذكرياتها التي تعود إلى العام 1995 لتغوص في كنوزها وتبثّ لآلئ من إبداع نادر، فكنا على موعد مع برنامج “صباح فخري يتذكر” عبر تسجيلات نادرة بثت خلال فترة الشهر الكريم وامتدت حتى أيام العيد، قدّمت لنا عبر ذاكرة الفنان الكبير صباح فخري محطات من تاريخه وحكايات عن أغنياته والقصائد التي غناها وكتّاب الأغاني والشعراء والملحنين الذين تعامل معهم خلال مسيرته الفنية، وكم كانت ذاكرته متقدة في سرد هذه الحكايات، فإحدى الحلقات تضمنت فقرة من “الألف إلى الياء”، تطلب فيها هيام أن يذكر أغاني، كل أغنية تبدأ بحرف من حروف الأبجدية، فكان سريع البديهة في استحضار الأغاني، وهكذا تواصل شغفنا مع الطرب والمعلومات المهمّة التي أغنى فيها معرفتنا عن تفاصيل مطرب مهم عرفناه من خلال أغنياته فقط.

من جهة أخرى كنا مع هيام على موعد مع فقرة درامية تقدمها في كل موسم رمضاني، تتابع من خلالها الأعمال الدرامية التي تترافق مع شهر الخير، لكن هذا العام ذهبت في منحى آخر عبر برنامج “دراما زمان”، قدّمت فيه حكايات عن دراما البدايات من الحكواتي حتى التلفزيون وصندوق الفرجة والدراما الإذاعية، وحديث الرواد عن هذه الدراما، حيث كان شغفهم بالعمل هو بوصلتهم في تحقيق المكانة التي هي عليه الآن. إضافة إلى متابعتها توثيق الآلات الموسيقية عبر برنامج “مشوار مع العود” والحديث عن نشأة هذه الآلات وتفاصيل تطورها، حيث تعرفنا في الموسم الرمضاني الماضي على “آلة الكمان”.

طبعاً لمتابعة حكايات الرائعة هيام حموي عبر تاريخها الطويل نحتاج لمجلدات من الكتابة، ووقفتنا هذه هي حالة من الوفاء لها ولروحها العالية، فهي في هذه الحكايات كلها سيدة من شغف وحب.. تنبت زهور الحب في بواديها، وتسقيها بمدادها العابق بالقرنفل، وتنثر تباشير الفرح على الروح.