دراساتصحيفة البعث

مارك إسبر “وزير دفاع ترامب” في مذكراته.. مفاجآت خلال فترة مضطربة وحاسمة

إعداد: قسم الدراسات والترجمة

سيُنشر غداً 10 أيار الجاري كتاب تحت عنوان “قسم مقدس: مذكرات وزير الدفاع خلال الأوقات غير العادية” لـ وزير الدفاع مارك إسبر في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب. الكتاب عبارة عن مذكرات يكشف فيها الكاتب عن مفاجآت عدة خلال فترة مضطربة وحاسمة في تاريخ الولايات المتحدة. ولعلّ ما يثير الاهتمام في هذه المذكرات هو أن البيت الأبيض كان عازماً على كسر الأعراف والاتفاقيات من أجل تحقيق مصلحة سياسية، إضافة إلى التفاصيل الصادمة عن طلب ترامب إطلاق النار على المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع حول البيت الأبيض بعد مقتل جورج فلويد في عام 2020.

وتفاصيل مذكرات إسبر ستكون صادمة، وقد يكون لها تأثير على وضع ونفوذ ترامب بين النخبة داخل الحزب الجمهوري وعامة الأمريكيين. يقول إسبر في الكتاب: “إن ترامب ذا الوجه الأحمر كان يشكو بصوت عالٍ من الاحتجاجات أثناء جلوسهما أمام مكتب ريسولوت في المكتب البيضاوي”، ثم سأله: “ألا يمكنك إطلاق النار عليهم؟ فقط أطلق النار على الساقين أو شيء من هذا القبيل”، حينها شعر إسبر بغرابة الفكرة، مضيفاً أن رفض القرار لم يكن صعباً، وهذا هو الخبر السار، لكن الخبر السيئ كان أنه يتعيّن عليه اكتشاف طريقة لثني ترامب عن هذه الفكرة من دون إحداث الفوضى التي كان يحاول تجنّبها.

ومن بين الروايات الأخرى التي أوردها إسبر أن ترامب كان على خلاف مع مستشاريه بشأن كيفية التعامل مع الاحتجاجات المناهضة للعنصرية والمطالبة بالعدالة الاجتماعية. فقد وجّه ترامب شتائم إلى الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في غرفة العمليات بشأن التعامل مع هذه الاحتجاجات، واقترح في مناسبات متعدّدة على الجنرال ميلي أن السبيل إلى تطبيق القانون هو أن يتعامل الجيش مع المتظاهرين في كل أنحاء البلاد، وأن عليه “كسر جماجمهم”، و”ضربهم بالخارج” و”إطلاق النار عليهم في الساق أو ربما القدم”.

يكشفُ هذا الكتاب تفاصيل جديدة حول كيف أصبحت لغة ترامب عنيفة خلال اجتماعات المكتب البيضاوي، بعد أن بدأت الاحتجاجات في مدينتي سياتل وبورتلاند بجذب انتباه وسائل الإعلام، وأظهرت المقتطفات التي نشرها موقع “سي إن إن” آنذاك، أن الرئيس كان يسلّط الضوء على مقاطع الفيديو التي تظهر أن سلطات إنفاذ القانون تتعامل بعنف مع المحتجين، ويخبر إدارته أنه يريد رؤية المزيد من هذا السلوك، وغالباً ما وجد رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال ميلي أنه كان الصوت الوحيد المعارض لتلك المطالب خلال مناقشات ساخنة في المكتب البيضاوي.

يقول الكاتب، إن المخاوف داخل البنتاغون بشأن قدرة ترامب على اتخاذ قرارات غير متوقعة خلال الحملة وما بعدها وصلت إلى نقطة الغليان في أيلول 2020، ففي حين كان رئيس الأركان المشتركة من بين أولئك الذين انزعجوا بشكل خاص من هجمات ترامب على كبار قادة البنتاغون، ظلّ يحاول الحفاظ على علاقة جيدة مع الرئيس، وبذل جهوداً للبقاء في واشنطن قدر الإمكان خلال تلك الأشهر الأخيرة، حيث كان مصدر القلق الكبير لـ ميلي في ذلك الوقت، هو كيفية تقديم المشورة لترامب إذا قرّر استخدام “قانون التمرد” في أعقاب الاضطرابات المدنية التي شهدتها المدن الأمريكية عقب وفاة جورج فلويد، وهي خطوة تعني نشر قوات عسكرية في الشوارع ضد المدنيين، لكن في النهاية، لم يلجأ ترامب إلى استخدام قانون التمرد مطلقاً، لكنه اقترح القيام بذلك مرات عدة خلال نهاية فترة ولايته، ما وضع ميلي وإسبر في موقف معقد في كل مرة.

إن الحبل المشدود الذي سار عليه إسبر، أحد خريجي الأكاديمية العسكرية الأميركية في “وست بوينت”، المدير التنفيذي السابق لشركة ريثيون، هو سعيه للسيطرة على دوافع ترامب باستخدام القوة العسكرية كدليل على القوة في الجبهة الداخلية، وفي مكالمة جرت في حزيران 2020 قيل فيها إن ترامب شجّع حكام الولايات المتحدة على الردّ بقوة على احتجاجات مقتل فلويد، في حين أن إسبر ضغط على حكام الولايات للسيطرة على الوضع في ولاياتهم بمواجهة حثّ ترامب لهم على الانتقام ومطالبته إياهم بعودة النظام العام بأسرع وقت.

أخبر إسبر الرئيس ترامب أن الحرس الوطني يظلّ الخيار الأفضل لوقف أي اضطرابات في المستقبل، لكن ترامب شرع في انتقاده، وأخبره أنه لم يفعل ما يكفي لحلّ المشكلة، وفي تشرين الأول 2020، بعد فترة وجيزة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أعلن ترامب على “تويتر” أنه أقال إسبر من منصبه، وعيّن كريستوفر ميلر، مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، محله قائماً بأعمال وزير الدفاع.

كما كشف وزير الدفاع الأمريكي السابق في مذكراته أن ترامب اقترح إطلاق صواريخ على المكسيك بهدف تدمير مخازن ومصانع المخدرات التي تديرها العصابات في البلد المجاور، واصفاً ترامب بأنه شخص غير مبدئي لا ينبغي أن يكون في موقع الخدمة العامة، بالنظر إلى “مصلحته الشخصية”. ووفقاً لإسبر، أثار ترامب فكرة قصف مصانع ومخازن المخدرات مرتين على الأقل في صيف عام 2020، حيث أخبر ترامب إسبر أن الولايات المتحدة يجب أن تطلق صواريخ على المكسيك لتدمير “مختبرات المخدرات”. وهنا قال ترامب لإسبر: “إنهم لا يسيطرون على بلدهم”، وعندما اعترض وزير الدفاع السابق، ردّ ترامب: “لن يعرف أحد أننا نحن ويمكننا فقط إطلاق بعض صواريخ باتريوت وتدمير مصانع المخدرات بهدوء”. وقال إسبر في كتابه إنه افترض في البداية أن الرئيس السابق يلقي مزحة، لكنه اعتقد بخلاف ذلك عندما نظر إليه.

وبحسب مذكرات إسبر، قال وزير الدفاع السابق إنه كان يرى خطورة في وجود عدد من المسؤولين حول ترامب، في مقدمتهم ستيفن ميللر مستشار الهجرة المتشدّد، وجاء في المذكرات: “أراد ميللر نشر 250 ألف جندي على طول الحدود الجنوبية، مدعياً أن قافلة كبيرة من المهاجرين كانت في طريقها”، وردّدت قائلاً: “ليس لدى القوات المسلحة الأمريكية 250 ألف جندي لإرسالهم إلى الحدود لمثل هذا الهراء”. قال إسبر عن ميللر: “إنه خلفي، وهذا الصوت الذي يتحدث عن القوافل قادم ونحتاج إلى إرسال قوات إلى الحدود، ونحتاج إلى ربع مليون جندي”، مشيراً إلى أنهم كانوا في المكتب البيضاوي ينتظرون لقاء ترامب في ذلك الوقت، “واعتقدت أنه يمزح، واستدرت ونظرت إليه وإلى هذه العيون الميتة، من الواضح أنه لا يمزح بعد أن استدرت نحوه وقلت: ليس لديّ ربع مليون جندي لإرسالهم بمهمة سخيفة إلى الحدود”.

وكتب وزير الدفاع الأمريكي السابق عن الاجتماع الذي تلا مقتل أبو بكر البغدادي متزعم “داعش” الإرهابي في تشرين الأول 2019 مع أعضاء من فريق ترامب في البيت الأبيض لمشاهدة الغارة، “أراد ميلر قطع رأس البغدادي، وغمسه في دماء الخنازير، واستعراضها في إشارة تحذيرية للإرهابيين الآخرين، إلا أني أخبرته أنها ستكون جريمة حرب”.

أثار الرئيس الخامس والأربعون قلق إسبر خلال الفترة التي قضاها في الإدارة المضطربة، لأن ترامب بدا غير منتظم وطالب مجلس وزرائه بالولاء بأي ثمن. وبحسب إسبر بدا ترامب مهووساً أيضاً بحملة إعادة انتخابه. وخشي إسبر من أن ترامب ربما استخدم الجيش للاستيلاء على صناديق الاقتراع خلال انتخابات 2020، وعلى الرغم من ذلك لم يعتقد إسبر أنه كان ينبغي عزل ترامب بموجب التعديل الخامس والعشرين. وكتب أيضاً عما أطلق عليه “نوبة غضب”، مشيراً إلى أن الهدف هذه المرة كان نائب الرئيس السابق مايك بنس: “كرّر الإهانات الكريهة مرة أخرى، موجهاً سمومه هذه المرة إلى نائب الرئيس أيضاً، الذي جلس بهدوء، ووجهه حجر، على الكرسي في أقصى نهاية نصف الدائرة الأقرب إلى حديقة الورود، لم أره قط يصرخ على نائب الرئيس من قبل، لذلك لفت هذا انتباهي حقاً”.

لقد خاض وزير الدفاع مارك إسبر معركة قانونية مع البنتاغون، حين رفض الأخير نشر تلك المذكرات بحجة السرية، حتى أن وزارة الدفاع الأميركية تعمّدت إلغاء أكثر من 50 صفحة من مذكرات إسبر، آخر وزير دفاع في عهد ترامب الذي أقاله من منصبه بتغريدة بعد فترة وجيزة من خسارته في إعادة انتخابه في سباق 2020، بدعوى أنها تحتوي معلومات مُصنّفة “سرية”، لكن الوزارة تراجعت بعد دعوى قضائية من خلال ما وصفه محامي إسبر بـ”تأخير وعرقلة وانتهاك حق وزير الدفاع السابق في نشر مذكراته غير السرية”.

بكل الأحوال، يترقب الأميركيون كتابين آخرين يُنتظر نشرهما خلال أسابيع، أول هذه الكتب هو مذكرات كيليان كونواي، مستشارة ترامب السابقة في البيت الأبيض، التي ستصدر تحت عنوان “هذه هي الصفقة” في 24 أيار الحالي، حيث وعد ناشر كونواي بأن كتاب المستشارة السابقة ليس مجرد قصة البيت الأبيض. أما الكتاب الثاني فسيكون لـ جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره البارز في البيت الأبيض، حيث سيصدر كتابه في 8 آب المقبل، ويتوقع أن يأخذ القراء إلى داخل أروقة ودهاليز المكتب البيضاوي وإلى المفاوضات التي أجراها كوشنر حول العالم.